قراران قاتلان اتخذهما النميري في أواخر عهده

الـ«سي آي إيه» تنبأت بسقوطه قبل عامين من الإطاحة به

الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري يتوسط الرؤساء الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (يسار) والمصري الراحل أنور السادات والليبي الراحل معمر القذافي أثناء لقائهم مع السياسي السوفياتي أليكسي كوسيغن (غيتي)
الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري يتوسط الرؤساء الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (يسار) والمصري الراحل أنور السادات والليبي الراحل معمر القذافي أثناء لقائهم مع السياسي السوفياتي أليكسي كوسيغن (غيتي)
TT

قراران قاتلان اتخذهما النميري في أواخر عهده

الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري يتوسط الرؤساء الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (يسار) والمصري الراحل أنور السادات والليبي الراحل معمر القذافي أثناء لقائهم مع السياسي السوفياتي أليكسي كوسيغن (غيتي)
الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري يتوسط الرؤساء الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (يسار) والمصري الراحل أنور السادات والليبي الراحل معمر القذافي أثناء لقائهم مع السياسي السوفياتي أليكسي كوسيغن (غيتي)

اعتقد محللو الاستخبارات أن الدوافع الشخصية والسياسية للرئيس السوداني الراحل جعفر النميري هي التي قادته إلى اتخاذ قرارات مثيرة دون مراعاة للعواقب المحتملة لسياسته، وأن قدرته على المحافظة على كرسيه أصبحت مهددة بدرجة كبيرة حال قرر مواصلة السير في الطريق نفسه، وما أوقع به كان اتخاذ قرارين، هما تطبيق الشريعة وتقسيم جنوب السودان، بحسب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
ففي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1983، اشترك محللون من وكالة الاستخبارات المركزية مع زملاء لهم من استخبارات الجيش واستخبارات قوات البحرية واستخبارات القوات الجوية، لتقييم الوضع في السودان بعد أن أصدر الرئيس السوداني في ذلك الوقت جعفر نميري عددا من القرارات المثيرة للجدل، التي اعتبرتها الاستخبارات الأميركية مؤشرا خطرا لقرب زوال حليف مهم للولايات المتحدة في جزء مهم من العالم.
وخرجت الوكالات الاستخباراتية الأربع بتقييم وضع مؤلف من تسع صفحات تنبأت فيه بقرب سقوط نميري، وهو ما حدث بالفعل بعد أقل من عامين على صدور التقرير في انتفاضة شعبية ضده. ومن المصادفات أن العد التنازلي لرئاسة نميري أثناء وجوده في واشنطن في رحلة علاج.
ففي مارس (آذار) عام 1985، خرج السودانيون إلى الشوارع بتشجيع من النقابات والاتحادات والأحزاب للإعراب عن الغضب من النظام، فقرر نميري العودة إلى الخرطوم للعمل على إجهاض الانتفاضة ضده. وحين كان نميري في الجو عائدًا إلى بلاده، أعلن وزير دفاعه آنذاك، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة للشعب، فما كان من نميري إلا أن عدل عن العودة واضطر إلى تغيير وجهته إلى القاهرة التي اتخذ منها منفى دائما له حتى وفاته في عام 2000.
ومن غير المعروف عما إذا كانت الاستخبارات الأميركية قد أبلغت نميري بما هو مقبل عليه أثناء وجوده في واشنطن، أو ما إذا كان لديها معلومات محددة عما يخطط ضد الرجل، ولكن توقعات محلليها كانت تستند إلى أسباب أخرى قد لا يتفق معها أو في أجزاء منها الكثير من السودانيين الذين يدركون أكثر من غيرهم الأسباب المباشرة لسقوط نميري، ومع ذلك فإن الأسباب التي اعتمد عليها المحللون الأميركيون تستحق التأمل، خصوصا ما اعتبرته الاستخبارات الأميركية أخطر قرارين اتخذهما نمري في عهده، وأدت تداعياتهما إلى سقوطه.
لقد أجمع محللو الوكالات الأربع على أن أكثر قرارين إثارة للجدل في عهد نميري، هما إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية، وتقسيم جنوب السودان إلى ثلاثة أقسام، ورصد عملاء الاستخبارات الأميركية في الخرطوم مؤشرات التذمر في وقت مبكر؛ الأمر الذي دفع المحللين المسؤولين عن فرز المعلومات وتحويلها إلى استنتاجات جاهزة تقدم إلى مراكز اتخاذ القرار الأميركي، الذي يمكنه إشراك الحليف المعني بما لديه من معلومات إذا ما أراد ذلك.
ويجزم المحللون الأميركيون، في ذلك الوقت، بأن نطاق المشكلات التي باتت تواجه النميري، ستتسع، وأنه مقبل على تحديات هي الأخطر على نظامه منذ استيلائه على السلطة عام 1969.
واستدرك المحللون في تقريرهم بالقول إن الشهور المقبلة ستكشف مدى جدية النميري في تطبيق الشريعة الإسلامية ومدى تصميه على المضي قدما في إجراءاته بشأن تقسيم جنوب السودان؛ لأن الإجراءات العملية هي التي ستحدد مستوى المعارضة ضد حكومته لاحقا.
وأعتقد محللو الاستخبارات، أن الدوافع الشخصية والسياسية للنميري هي التي تقوده في هذا الاتجاه من دون مراعاة للعواقب المحتلمة لسياسيته، وأن قدرته على المحافظة على كرسيه ستصبح مهددة بدرجة كبيرة حال قرر مواصلة السير في الطريق نفسه. لكنهم لم يوضحوا ماهية تلك الدوافع الشخصية على وجه التحديد.
كما اعتقدوا أن الأحزاب السياسية والجماعات الجنوبية المعارضة المحظورة في عهد نميري تعمل على تشكيل جبهات مشتركة في مواجهة النظام. لكن التقرير يرجح أن تشكل الحساسيات والصراعات الشخصية، والدينية، والآيديولوجية عوائق أمام تكوين تحالفات حقيقية.
من جانب آخر، رصدت الاستخبارات الأميركية تحركات مصدرها ليبيا وإثيوبيا تهدف إلى زعزعة استقرار حكومة النميري، استغلالا للقلاقل التي تتسبب فيها أفعال النميري في الجنوب. وجاء في التقرير أن هاتين الدولتين تعملان على تشجيع المنشقين الجنوبيين المقيمين في إثيوبيا على زيادة الهجمات التي يقومون بها على جنوب السودان.
ووفقا للتقرير، تسببت إجراءات نميري المثيرة للجدل في زيادة حالة السخط في صفوف القوات المسلحة، خصوصا مع تردي الأوضاع الاقتصادية وتهالك الأسلحة والآليات التي يستخدمونها. وشكك التقرير في ولاء القوات المسلحة السودانية نميري، كما تنبأ أن يحجم الجيش عن الدفاع عن النميري حال قامت ضده احتجاجات شعبية أو تعرض لانقلاب عسكري. وهذا الاستنتاج تحقق بالفعل عندما أعلن سوار الذهب وقوفه إلى جانب الشعب في احتجاجاته ضد النميري.

أبرز التحديات أمام النميري
أصدر النميري عددا من القرارات المثيرة للجدل العام الجاري، مثل الكثير منها تحديا خطيرا لمنصبة. كان أهم تلك القرارات إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نهاية لوضع جنوب السودان باعتباره حالة خاصة أو منطقة مستقلة، ومن ضمن أسباب المشكلات أيضا المحاولات الفاشلة لنقل قوات عسكرية من الجنوب للشمال. غير أن تلك الخطوات قوبلت بالرفض من الكثير من السودانيين، وبخاصة في الجنوب، وربما دفعتهم إلى القيام بأنشطة معادية للنظام. غير أن جدية النميري في تطبيق الشريعة الإسلامية وإجراءاته المستقبلية تجاه الجنوب هي ما ستحدد رد الفعل تجاه سياساته. كذلك، على النميري أن يثبت للأعداد المتزايدة من المتشككين أنه بالفعل يمتلك القدرة والكفاءة على قيادة البلاد.
يعد جنوب السودان، غالبية سكانه من المسيحيين، الأعلى صوتا بين معارضي تطبيق الشريعة الإسلامية. وتسببت الإجراءات الحكومية في إحياء المخاوف القديمة من إحياء الهيمنة والتمييز العنصري من قبل الشمال المسلم. وعارض الكثير من القادة الجنوبيين، ومنهم من ساند النميري في سياساته في المنطقة في بداية حكمه، التحول إلى النمط الإسلامي. وفي أكتوبر (تشرين الأول) شارك آلاف عدة من الجنوبيين مسيرات احتجاجية بمدينة جوبا ضد القوانين الجديدة.
وشعر الكثير من الشماليين، حتى غير المتدينين، بقلق من تطبيق الإجراءات الجديدة، بيد أن اعتراضهم لم يتخذ شكلا عاما، وشملت الفئات الرافضة للنهج الجديد فئات من السودانيين العلمانيين، بعضهم في القوات المسلحة والمخابرات وأجهزة الأمن، وفي المستويات العليا في الجهاز المدني للدولة، وحتى المعارضة الهادئة استشعرت ضعف موقف النميري.
أبدت حكومات شقيقة للسودان بقلق من أن تتسبب حملة النميري لتطبيق الشريعة الإسلامية في إثارة القلاقل السياسية له، حيث ينصح أشقاء النميري العرب بإيجاد حكومة معتدلة في السودان. وقد شعر القادة المصريون بالغضب من عدم استشارة النميري لهم قبل الشروع فجأة في تطبيق الشريعة الإسلامية، بيد أنهم التزموا بمواصلة الدفاع عن السودان ضد أي اعتداء خارجي بالقوة نفسها.
وأكد نميري أيضا على الدور الكبير للشريعة الإسلامية في سياساته المقبلة. ومن شأن الإجراءات الجديدة، مثل تعيين قضاة إسلاميين في الجنوب، أو تشكيل هيئات استشارية إسلامية تابعة للحكومة أن تساهم في تفاقم الأوضاع.

مشاكل في الجنوب
- وصف قرار النميري في يونيو (حزيران) لتقسيم الجنوب إلى ثلاث مناطق صغيرة بصفته جزءا من برنامج يغطي الدولة بالكامل لتوزيع صلاحيات الحكومة المركزية وجعل الحكومات أكثر استجابة وقدرة على التنفيذ. بيد أن الخطة لقيت اعتراضات من قبيلة «الدنكة»، أكبر قبائل الجنوب، والتي تحكم سيطرتها على الحكومات بمختلف المناطق هناك منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1972. في حين رأت القبائل الأصغر من «الدنكة» الإجراءات محاولة من النميري لزرع الفرقة بتقسيم البلاد ليسهل له حكمها.
- حلت سلسلة من أحداث العنف بجنوب السودان عام 1983، ومن المحتمل تدهور الأوضاع هناك في الشهور القليلة المقبلة، وربما يتعرض الأميركيون والمصالح الأميركية هناك لهجمات عن طريق جماعات جنوبية منشقة، وسيصبح من الصعب تحديد المسؤول عن الهجمات الفردية في الجنوب.
- وإثر محاولات النميري فصل الجنوب، وبعد محاولات الحكومة إجبار بعض القوات الجنوبية على العمل في الشمال، حاولت المعارضة الشمالية تنظيم صفوفها في مواجهة النظام، واجتمع بعض الساسة الجنوبيين المعارضين وقادة الفصائل المنشقة والضباط الجنوبيين في إثيوبيا، وشكلوا جبهة جنوبية متماسكة في مواجهة النظام، ناهيك عن بعض الطوائف التي شرعت في إعادة تنظيم صفوفها، وكذلك المتمردون.
- كانت ليبيا وإثيوبيا على إدراك بحالة الهياج التي تسبب فيها النميري في الجنوب، وربما يرون الوضع الراهن فرصة ممتازة لزعزعة استقرار الحكومة السودانية.
- بات واضحا أن القوات المسلحة والشرطة السودانية غير مهيأين للتصدي لأي عمليات انشقاق بعد أن تراجعت معنويات المقاتلين إثر عمليات التبديل والإحلال التي تمت بإرسال مقاتلي الجنوب إلى الشمال بداية العام الجاري.
- ربما دفع تفاقم أحداث العنف في الجنوب الحكومة في الشهور القليلة القادمة إلى إرسال المزيد من القوات الشمالية، وهي الخطوة التي قد تسبب مشكلات في ظل حساسية الجنوبيين من تواجد القوات العربية على أرضهم.

الوضع الاقتصادي
- زادت الأزمات الاقتصادية من مشكلات السودان السياسية والأمنية. فبسبب قلة التمويل، باتت الحكومة عاجزة عن توفير الاحتياجات والخدمات الأساسية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بواقع 2 في المائة في العام المالي المنتهي في يونيو 1983. ورغم النجاح الذي حققته الحكومة في السيطرة على الموازنة العامة والعجز، فقد ارتفع معدل التضخم ليبلغ 41 في المائة.
– بلغت ديون السودان الخارجية 9 مليارات دولار، وهو مبلغ يفوق إجمالي الناتج المحلي لعام كامل، ولكي تسدد السودان ما عليها من التزامات مالية للدائنين، كان عليها أن تدفع نحو مليار دولار سنويا فوائد على الديون، وهو مبلغ يفوق إجمالي صادراتها السنوية.
- يتعين على السودان الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لا لكي تكون مستعدة للوفاء بمتطلبات الصندوق عام 1984، لكن لتجنب التخلف عن التزاماتها لسنوات. لكن فرص إجراء تغييرات هيكلية تحتاج إليها البلاد على المدى البعيد لكي تتعافى اقتصاديا باتت باهتة

أهمية السودان ونظام النميري للولايات المتحدة
1 - يعد السودان أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، ويحتل موقعًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي. وفي السنوات الأخيرة لعبت حكومة الرئيس جعفر النميري دورًا مهمًا في دعم جهود الولايات المتحدة لمنع تمدد النفوذ الليبي والسوفياتي في المنطقة، وكذلك في حماية طريق إمداد الولايات المتحدة باحتياجاتها النفطية.
2 - وفي مارس (آذار) 1981، عرضت الحكومة السودانية السماح للولايات المتحدة استخدام القواعد العسكرية السودانية، حيث وافق السودانيون العام الجاري رسميًا على السماح للولايات المتحدة بنشر معدات تابعة للقيادة العسكرية الأميركية بميناء بورت سودان، وكذلك سمح النميري بنشر طائرات «بوينغ» بميناء الخرطوم الجوي خلال فترة الأزمة مع تشاد الصيف الحالي.
3 - ساند النميري الأهداف السياسية للولايات المتحدة في المنطقة، منها اتفاق كامب ديفيد، وفي سبتمبر (أيلول) 1982، دعم مبادرة السلام الأميركية في الشرق الأوسط. في السودان استثمارات أميركية خاصة كبيرة، حيث يعمل عدد كبير من الشركات النفط الأميركية في مجال الاستكشافات وتنمية قطاع النفط في السودان.



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».