السودانيون يحتفلون بالذكرى المئوية لوفاة السلطان علي دينار

أنشأ مصنعًا لكسوة الكعبة الشريفة وأول حديقة حيوان في أفريقيا

متحف قصر السلطان علي دينار  يضم قطعا تؤرخ لحقبة السلطان وتروي سيرته وأبرز المحطات تحت حكمه منها تأسيس نظام اداري وإقامة مجلس  للشورى ({الشرق الأوسط})
متحف قصر السلطان علي دينار يضم قطعا تؤرخ لحقبة السلطان وتروي سيرته وأبرز المحطات تحت حكمه منها تأسيس نظام اداري وإقامة مجلس للشورى ({الشرق الأوسط})
TT

السودانيون يحتفلون بالذكرى المئوية لوفاة السلطان علي دينار

متحف قصر السلطان علي دينار  يضم قطعا تؤرخ لحقبة السلطان وتروي سيرته وأبرز المحطات تحت حكمه منها تأسيس نظام اداري وإقامة مجلس  للشورى ({الشرق الأوسط})
متحف قصر السلطان علي دينار يضم قطعا تؤرخ لحقبة السلطان وتروي سيرته وأبرز المحطات تحت حكمه منها تأسيس نظام اداري وإقامة مجلس للشورى ({الشرق الأوسط})

تشهد مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور احتفالات السودان بالذكرى المئوية لوفاة السلطان ذائع الصيت «علي دينار»، الزعيم الذي اشتهر بصناعة كسوة الكعبة الشريفة وبالمحمل المقدم لحجاج بيت الله الحرام، وباهتمامه المشهود بارتباط إقليمه بالعالم الإسلامي ومراكزه المهمة واهتمامه بالعلوم الإسلامية وعلوم القرآن، والذي حكم سلطنة «الفور» الشهيرة في الإقليم، وكان في الوقت ذاته فارسًا وكاتبًا وشاعرًا وحاكمًا قوميًا.
وينظم في الفاشر - زهاء 1000 كيلومتر غرب الخرطوم - ابتداءً من السادس من فبراير (شباط) المقبل احتفال كبير، بمناسبة مرور مائة عام على وفاة السلطان علي دينار، تستمر أنشطته طوال عام 2017 في كل ولايات دارفور والعاصمة الخرطوم لمدة عام كامل، ويفتتحه نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن.
وقال عضو اللجنة العليا للاحتفال خالد أبو رقة لـ«الشرق الأوسط»، إن الدولة رأت الاحتفال بالذكرى المئوية لوفاة السلطان، باعتباره بطلاً قوميًا، حافظ على استقلال دولته عن دولة الاستعمار الثنائي، ورجل دولة تاريخي أقام علاقات مع دول خارجية مثل بريطانيا وتركيا والسعودية وغيرها، وانحاز للمعسكر الإسلامي.
وأوضح أبو ورقة أن الرجل بالإضافة لكونه زعيمًا مكانيًا بارزًا، فقد كان في الوقت نفسه زعيمًا زمانيًا، اهتم بالتراث والثقافة الإسلامية، وبـ«خلاوى» ومعاهد تحفيظ القرآن ودعمها. وأنه حين تقاعست الدولة المصرية وقتها عن إعداد كسوة الكعبة الشريفة، أقام مصنعًا لكسوة الكعبة الشريفة في عاصمته الفاشر، أشرف على إعدادها وإرسالها سنويًا للبيت الحرام.
وفضلاً عن كونه قائدًا وفارسًا فقد كان السلطان شاعرًا وكاتبًا، وله كتاب «العمران» ألفه بنفسه ومنعت سلطات الاستعمار طباعته في مصر، وسمحت بنسخ محدودة منه للاستخدام الشخصي، ويتضمن أشعارًا ومدائح نبوية، وتعد «الجلالة» الشهيرة: «فقرا شيلوا جلالة لعلي ود زكريا والنبي خير البرية»، بعضًا من قصيدة من تأليفه مدونة في الكتاب.
وأحاطت الكثير من الحكايا والأساطير بسيرة الزعيم الكبير وقتها، لتدلل على عظمة الرجل وعلو كعبه، لكنه كان يحكم إقليمه على أساس قومي ووطني، حرص فيه على تمثيل كل المجموعات العرقية والثقافية السودانية في حكومته، فكان قاضي قضاته «إدريس الدنقلاوي» من منطقة دنقلا شمال البلاد، وقائد جيوشه كان من إثنية الشايقية وهو القائد «سليمان برا».
وتنسب مصادر تاريخية للسلطان دينار اهتماماته بالعالم الإسلامي، وأنه حفر عددا من الآبار على مشارف المدينة المنورة، تعرف الآن بـ«آبار علي»، والتي تنسب إليه وأصبحت ميقاتًا مكانيًا لحجاج المدينة المنورة، وأن له أوقافًا بالحجاز.
ووفقًا لأبو ورقة فإن الاحتفالات بذكرى وفاته المئوية ستستمر لمدة عام كامل، وتتضمن مناشط احتفالية مختلفة في كل ولايات دارفور وفي العاصمة الخرطوم، ومن أبرزها مهرجان تجسيد (محاكاة) للمحمل الذي كان السلطان يرسله للحجاج سنويًا، وليلة ثقافية كاملة تقوم على التراث الذي كتبه السلطان بنفسه في كتابه (العمران)، والذي رفضت سلطة الاستعمار طباعته في القاهرة، ولم تسمح إلاّ بطباعة نسخ محدودة منه.
وتشارك في الاحتفالات الكثير من سفارات دول العالم التي كانت لها علاقة بالسلطنة، وأهمها إنجلترا وتركيا والمملكة العربية السعودية، لما كانت تربطه بها من علاقات، وتنظر الدولة لهذه الاحتفالية باعتبارها جزءًا من إعادة سيرة الرجل واستلهامها، فضلاً عن إعطاء أهل دارفور حقهم التاريخي لإسهامهم القومي.
ويعد السلطان علي بن زكريا محمد الفضل الشهير بالسلطان (علي دينار) آخر سلاطين الفور من سلالة «الكيرا» الذين حكموا إقليم غرب السودان المعروف حاليًا بدارفور، وهو أحد أشهر وأعظم السلاطين الذين حكموا في غرب البلاد، بل يعد بعض المؤرخين أعظم السلاطين الذين حكموا في السودان.
ولد السلطان علي دينار ولد بقرية «شاواية» غرب مدينة نيالا - إلى الجنوب من الفاشر - وتسلم عرش السلطنة في 1891، وحكم الإقليم إلى وفاته في معركة (برنجية) ضد الجيش البريطاني الغازي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 1916، وتمكن الإنجليز من تبديد جيش دارفور البالغ 3600 مقاتل بعد أربعين دقيقة من القتال، وقتل في المعركة نحو ألف رجل من جيش دارفور، واستخدم في هذه المعركة سلاح الطيران لأول مرة في أفريقيا، وقتل الزعيم وعدد من قادته ومرافقيه، وانتهى بمقتله استقلال سلطنة دارفور عن الحكم الثنائي - البريطاني المصري - للسودان لقرابة عشرين عامًا.
تقول حفيدته هاجر محمد يوسف علي دينار إن الاحتفال بالمناسبة المئوية وحدها بحق جدها وإنه كان يستحق احتفاءً إن لم يكن سنويًا فعلي الأقل كان من الممكن الاحتفاء بالذكرى الفضية والذهبية والماسية لذكراه قبل المئوية، لكنها تضيف: «الاحتفاء بالذكرى المئوية للسلطان علي دينار مناسبة لتذكر مآثره وإحياء للقيم العظيمة التي أرساها».
وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن عظمة جدها أنه قدم للبلد والمسلمين الكثير، قاتل الاستعمار البريطاني في معركة (كرري) الشهيرة وعمره 16 عامًا، وبعد سقوط الدولة المهدية توج سلطانًا، حكم بالشريعة وأرسى حكمًا راشدًا، وكان عمره وقتها 18 عامًا، وأن لقبه - دينار - مشتق من «دي نار»، وباللهجة المحلية «هذه نار»، وتطلق على المحارب القوي والشجاع في الثقافات السودانية (رجل من نار).
وحرص السلطان علي دينار على مشاركة كل سكان الإقليم في إعداد كسوة الكعبة الشريفة، فتبرعت النساء بذهبهن والرجال بالأموال والمحاصيل والأغذية، وكان يقام للمحمل احتفال وداع كبير، ويستغرق وصوله من دارفور إلى أرض الحرمين ثلاثة أشهر.
وشهدت فترة حكم السلطان علي دينار تطورًا كبيرًا في الوعي السياسي للقادة المحليين في السودان بل وأفريقيا، إضافة إلى درجة كبيرة من الوعي الديني والإداري، مكنه من إقامة سلطنة أقام لها شبكة علاقات خارجية كبيرة، كشفت عن نضج سياسي لافت.
وأقام الرجل نظامًا إداريًا داخليًا معقدًا بمعايير ذلك الزمان، أقام مجلسًا للشورى، وعين مفتيًا للسلطة، ومجلس وزراء، وشرع في تكوين جيش حديث أوكل تدريبه لضابط مصري، ووضع نظامًا للضرائب مستندًا على الشريعة الإسلامية.
وينقل عن سيرته أنه كان من المهتمين بالبيئة والتنوع الإحيائي، ومن ذلك أنه أقام أول حديقة حيوان في أفريقيا، جلب لها حيوان من السودان وخارجه، وعمل على تشجير مدينته الفاشر، رغم شح المياه في المدينة التي تقع في الإقليم شبه الصحراوي، بأن نصح كل مصلٍ بالوضوء في المكان الذي شتل فيه شجرة فعمت الخضرة المدينة.
سيرة السلطان علي دينار العظيمة وتجربته السياسية والدينية والثقافية والإدارية تجعل من شعار عام الاحتفال «حكم فعدل، رجل المحمل»، تعبيرًا عن عظمة الرجل الذي وقف بوجه الغزو البريطاني، واستشهد مدافعًا عن استقلال بلاده في اليوم السادس من نوفمبر عام 1916.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».