الفنان مصطفى عبد الوهاب يختزل مسيرته في معرض «هواجس سرمدية»

يحتضنه متحف الفنون الجميلة بمناسبة عيد ميلاده السبعين

الفنان مصطفى عبد الوهاب يتوسط ابنته الفنانة التشكيلية مريم عبد الوهاب والمخرج الفني لجريدة «الشرق الأوسط» عادل نعمان والفنانة الكبيرة نعيمة الشيشيني وعددا من الحضور - من أعمال الفنان مصطفى عبد الوهاب في المعرض  بقاعة الفنان حامد عويس - الفنان مصطفى عبد الوهاب اختار عيد ميلاده الـ70 لعرض لوحاته  ({الشرق الأوسط})
الفنان مصطفى عبد الوهاب يتوسط ابنته الفنانة التشكيلية مريم عبد الوهاب والمخرج الفني لجريدة «الشرق الأوسط» عادل نعمان والفنانة الكبيرة نعيمة الشيشيني وعددا من الحضور - من أعمال الفنان مصطفى عبد الوهاب في المعرض بقاعة الفنان حامد عويس - الفنان مصطفى عبد الوهاب اختار عيد ميلاده الـ70 لعرض لوحاته ({الشرق الأوسط})
TT

الفنان مصطفى عبد الوهاب يختزل مسيرته في معرض «هواجس سرمدية»

الفنان مصطفى عبد الوهاب يتوسط ابنته الفنانة التشكيلية مريم عبد الوهاب والمخرج الفني لجريدة «الشرق الأوسط» عادل نعمان والفنانة الكبيرة نعيمة الشيشيني وعددا من الحضور - من أعمال الفنان مصطفى عبد الوهاب في المعرض  بقاعة الفنان حامد عويس - الفنان مصطفى عبد الوهاب اختار عيد ميلاده الـ70 لعرض لوحاته  ({الشرق الأوسط})
الفنان مصطفى عبد الوهاب يتوسط ابنته الفنانة التشكيلية مريم عبد الوهاب والمخرج الفني لجريدة «الشرق الأوسط» عادل نعمان والفنانة الكبيرة نعيمة الشيشيني وعددا من الحضور - من أعمال الفنان مصطفى عبد الوهاب في المعرض بقاعة الفنان حامد عويس - الفنان مصطفى عبد الوهاب اختار عيد ميلاده الـ70 لعرض لوحاته ({الشرق الأوسط})

يخرج الفنانون التشكيليون هواجسهم وأحاسيسهم وأفكارهم في لوحات أو صور؛ تلخص تجربتهم النفسية وارتحالاتهم الروحية وتغمرها خبرتهم الإبداعية المتراكمة عبر سنوات الممارسة، وفي معرضه المقام حاليا بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية قدم الفنان الإسكندراني الكبير د. مصطفى عبد الوهاب هواجسه فيما يزيد عن 50 لوحة متنوعة في أحجامها في قاعة الفنان حامد عويس. حضر حفل الافتتاح نخبة كبيرة من الفنانين التشكيليين المصريين ومن بينهم: ابنته الفنانة التشكيلية مريم عبد الوهاب والمخرج الفني لجريدة «الشرق الأوسط» عادل نعمان، والفنانة الكبيرة نعيمة الشيشيني.
يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «هذه اللوحات تقدم تلخيصا لفترة من الهواجس عشتها خلال عام 2016 كانت لدي أحاسيس مختلطة وأفكار جسدتها في هذه اللوحات الجديدة والتي تعرض لأول مرة، لذا أطلقت عليه (هواجس سرمدية) وهو يكلل تجربتي الفنية وقد اختار د. خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية أن يقام المعرض تزامنا مع عيد ميلادي السبعين».
تأثر الفنان في تلك التجربة الإبداعية التي تختزل مسيرته الفنية بمخزون معرفي أثرى مخيلته منذ الطفولة، حينما تأثر بقراءة سلسلة «الفردوس المفقود» للشاعر الإنجليزي جون ميلتون، والتي كان يعبّر فيها بشكل شعري ملحمي عام 1667م عن عملية هبوط الإنسان من الجنة إلى الأرض بإغراء من إبليس. تمتزج فيها الصوفية مع رؤية الفنان للكون والطبيعة وتفاعله معهما على جانب ولعه بتدرجات ألوان الأرض والسماء وما بينهما.
وقد استعان الفنان بألوان الأكليريك وبضربات فرشاة متقنة استطاع أن يأخذ المتلقي ليحلق معه في عوالمه السرمدية بل ويهيم به بين التكوينات اللونية الغنية، وقد اقتنت مكتبة الإسكندرية لوحة كبيرة من بين لوحات المعرض المتميز.
وحول تلك التجربة الفنية للفنان مصطفى عبد الوهاب، قال الناقد د. محمد كمال الذي أصدر دراسة فنية متكاملة عن أعمال عبد الوهاب ومسيرته الفنية: «الأرض عند مصطفى عبد الوهاب هي إحدى صور السماء كما كانت عند أجداده المصريين القدماء، وهو ما دفعه لهذا الفعل التصويري الإيهامي المثير، حتى وصلت عنده المسافة بين الاثنتين إلى نقطة الصفر، مع الانفعال الخطي والنطر اللوني والنقر النوراني، بما يكشف عن توتر روحي درامي كوني متتابع داخل وجدان الفنان على صراط دقيق يفصل بين النسبي والمطلق... بين المادي والروحي، في سياق بحثه الدؤوب عن الفردوس المفقود الذي يفرز بدوره هذه الحراكات الإعصارية القرطاسية المندفعة لأعلى، في مقابل الطفو البحري لكتل فقدت وزنها الأرضي ومن هذا الاحتكاك تتولد شذرات النور المتطايرة بين ثنايا المسطح التصويري وافدة من النواة الروحية عند مصطفى عبد الوهاب الباحث بلهفة واشتياق عن الفردوس المفقود».
ويضيف: «ربما في هذا الإطار تكون الروح عند مصطفى هي الأسبق والأسرع في التقاط المشاهد التصويرية، مدعمة بإرثه البصري البيئي من الإسكندرية الذي يستخدمه كمنصة إطلاق نحو إدراك المجهول وكشف المستور خلف الحواجز المرئية للعقل المحدود، لذا يتفجر النور من بطن تصاويره في هيئة انشطارات وتوالدات وتكاثرات تشعر الرائي باصطحاب الفنان له بعيدًا عن الأسوار الذهنية المانعة... وفي هذا قد نرى تلك الخطوط الفضية اللامعة في أعمال الفنان كالخيط الصراطي العابر الذي يحمله إلى عالمه المنشود مع الهلال والقمر والسلم على النسيج الساتاني البارق كالشهب في ليل حالك الظلام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».