يكاد أهالي طرابلس، شمال لبنان، لا يصدقون أن مدينتهم أصبحت منطقة «آمنة» إلى حد ما. باتوا يعيشون كل يوم بيومه. هم على يقين أن التسوية التي أدت إلى نجاح تنفيذ الخطة الأمنية بعد 21 جولة من القتال سقط خلالها مئات القتلى والجرحى، قد تعود وتندلع شرارتها في أي لحظة.
هذا الارتياح الحذر يعود بالدرجة الأولى وفق ما يقول مصدر في المدينة لـ«الشرق الأوسط» إلى «أشباح قادة المحاور»، الذين لا يزالون، وفق ما يؤكد الأهالي، موجودين في الشمال، بينما القوى الأمنية لم تتمكن حتى الآن من إلقاء القبض عليهم، مضيفا أن «من صنع هؤلاء لن يصعب عليه صناعة غيرهم إذا وجد القرار بذلك، ومن هرب رئيس الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد ووالده النائب السابق علي عيد، يستطيع أن يعيدهما، لكن الأكيد أنه لو كان هناك قرار بتوقيفهم، ما كانوا انتظروا أياما عدة، بعد الإعلان عن قرار الخطة، لبدء التنفيذ بها، ما سهل عليهم الهروب»، علما بأن مذكرات توقيف غيابية صدرت بحق قادة المحاور في طرابلس أبرزهم، سعد المصري، وزياد علوكي وغيرهما من رؤساء المجموعات المسلحة في باب التبانة (ذات الغالبية السنية)، إضافة إلى رفعت وعلي عيد، في جبل محسن (ذات الغالبية الشيعية).
وفي حين تشير المعلومات إلى أن قادة المحاور لا يزالون في منطقة الشمال، بات مؤكدا أن كلا من رفعت وعلي عيد، غادرا الأراضي اللبنانية، وهذا ما يشير إليه مصدر في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «الأكيد أنهما في دمشق، ينتظران حلا ما في هذا الملف الذي يبدو أنه أصبح جزءا من تسوية كبرى، يلعب فيها حزب الله دورا أساسيا، على حساب حلفائه المحليين والإقليميين»، فيما يؤكد قادة المحاور أنهم لن يسلموا أنفسهم ما لم يجر تسليم قادة جبل محسن.
وفي هذا الإطار، لا ينفي رئيس هيئة العلماء المسلمين الشيخ سالم الرافعي، أن قرار إبعاد قادة المحاور عن طرابلس، جاء تفاديا لأي تصادم بينهم وبين الجيش اللبناني، وهو الأمر الذي يبدو أن القوى الأمنية تتفاداه أيضا، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ما حصل قبل بدء تنفيذ الخطة بأيام من تسريب لأسماء المطلوبين، خير دليل على ذلك. وفي حين اعتبر الرافعي أنه لا بد من إيجاد حل لهذا الملف، رفض المساواة بين ما يعرفون بـ«قادة المحاور»، وبين رفعت وعلي عيد، قائلا: «من الظلم مساواة من يقود حزبا (الحزب العربي الديمقراطي) ومتهمين بتفجير مسجدين (في إشارة إلى تفجير مسجدي السلام والتقوى في أغسطس/ آب الماضي)، بمن حمل السلاح للدفاع عن أهله ومنزله في غياب الدولة وأجهزتها عن المنطقة». ولفت إلى أن شباب باب التبانة اضطروا لحمل السلاح، رافضا في الوقت عينه تحميل المسؤولية إلى جهة سياسية محددة، بل من يتحمل المسؤولية برأيه، كل الحكومات التي تعاقبت خلال الفترة التي شهدت طرابلس المعارك بين جبل محسن وباب التبانة، من دون أن تحرك ساكنا.
في المقابل، يقول القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط»: «المؤكد أن الأمن عاد إلى يوميات الطرابلسيين ونفوسهم، ونستطيع القول إن الهدوء مستمر إلى أجل غير مسمى». وأضاف أن «ما كان يحصل في طرابلس طوال خمس سنوات كان بتغطية أو تساهل أو تواطؤ مع القوى الأمنية، وبالتالي الإرادة نفسها التي كانت متسامحة خلال السنوات الماضية لم تعد كذلك اليوم وها هي تمسك بزمام الأمور».
وأشار علوش إلى أن ما مرت به طرابلس ليس أمرا بسيطا، وبالتالي يتطلب معالجة جذرية قد لا تكون متوفرة في الحل الأخير الذي تمثل بالخطة الأمنية». ويوضح علوش أن الإشاعات التي تنتشر يوميا وتفيد بأن المطلوبين من طرفي النزاع، باب التبانة وجبل محسن، موجودين ويتجولون في طرابلس، كما أن مخازن الأسلحة، لا تزال بدورها كما هي، مضيفا: «وبالتالي أمام هذا الواقع يبقى الخوف من أن التسوية المحلية – الإقليمية التي أدت إلى تنفيذ الخطة وولادة الحكومة بعد تعثر 11 شهرا، قد لا تدوم طويلا وتعود الأمور إلى سابق عهدها».
ورفض علوش اتهامات البعض التي تشير إلى مسؤولية لـ«تيار المستقبل»، عن المعارك التي شهدتها المدينة، إلى أن تشكلت الحكومة وبات جزءا منها، واتخذ بذلك قرارا بالتهدئة ورفع الغطاء عن المطلوبين، قائلا: «المسلحون ينتقدون ويهاجمون (المستقبل)، وهم في معظمهم ينتمون إلى قيادات معادية له. هذه اتهامات مغرضة هدفها تشويه صورة التيار في طرابلس، وما حصل في المدينة ليس إلا نتيجة تسوية وحل محلي وإقليمي، لتأمين نوع من الاستقرار للبناني وطرابلس بعيدا عن الأزمة السورية».
وفي حين أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي أمس، أن الخطة «لاقت ارتياحا واسعا لدى المواطنين، وعززت الثقة بالدولة والوطن»، مشيرا إلى «أن الجيش ماض في تنفيذها حتى استكمالها»، كاد الوضع يشتعل مجددا أول من أمس، في طرابلس، على أثر شيوع معلومات عن مداهمات يقوم بها الجيش اللبناني للبحث عن بعض قادة المحاور الهاربين إلى المدنية، حيث قطعت بعض الطرقات الفرعية، وأشعلت الإطارات، في حين أشار الرافعي إلى أن الانتشار الأمني في بلدة النبي يوشع في المدنية، لم يكن الهدف منه ملاحقة قادة المحاور، مرجحا أن يكون بهدف تقييد تحركهم. من جهته، قال قائد محور سوق القمح - الحارة البرانية، زياد علوكي، لـ«وكالة أنباء آسيا»: «قمنا بنصرة منطقتنا وطائفتنا، فهل يكون جزاؤنا التعرض للملاحقة من قبل الدولة اللبنانية؟ بينما بقية المجموعات التي كانت تقاتل مع تيار المستقبل تسرح وتمرح دون حسيب أو رقيب».
وأوضح ما حصل أول من أمس، قائلا: «بينما كنا موجودين في المكان الذي وضعتنا هيئة علماء المسلمين فيه ريثما يجري التوصل إلى تسوية لقضيتنا، تفاجأنا بالجيش اللبناني يطوق المنطقة، علما بأننا اتخذنا قرارا بعدم الاصطدام بالجيش». وكشف علوكي عن أن هيئة العلماء تواصلت مع المعنيين وأبلغتهم بضرورة انسحاب الجيش». من جانبه، أكد سعد المصري، قائد محور التبانة: «خرجنا من طرابلس بطلب من هيئة العلماء، ولتجنيب المدينة أي مواجهات، ولكننا تفاجأنا بقيام الجيش بتطويق النبي يوشع».
وأضاف: «لم نوجه سلاحنا إلى الجيش، ونطالب بأن تسري العدالة على الجميع، بل تشمل الشبيحة والمدسوسين». وتابع: «نحن قلنا سابقا، فليسلم رفعت عيد نفسه، وعندئذ سنسلم أنفسنا».
«أشباح قادة المحاور» تعكر هدوء طرابلس بانتظار «التسوية الكبرى»
الرافعي أكد أن إخراجهم من المدينة كان لمنع «تصادمهم مع الجيش»
«أشباح قادة المحاور» تعكر هدوء طرابلس بانتظار «التسوية الكبرى»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة