روسيا من «مطارد» إلى «طريدة»

مواجهة إلكترونية بين موسكو وكييف تتسبب باستقالات في الكرملين

مؤتمر حول الأمن الإلكتروني في ليل بشمال فرنسا (أ.ب)
مؤتمر حول الأمن الإلكتروني في ليل بشمال فرنسا (أ.ب)
TT

روسيا من «مطارد» إلى «طريدة»

مؤتمر حول الأمن الإلكتروني في ليل بشمال فرنسا (أ.ب)
مؤتمر حول الأمن الإلكتروني في ليل بشمال فرنسا (أ.ب)

تتسع مساحات جبهة «المواجهة الإلكترونية» عالميًا، بينما تبقى روسيا عنصرًا رئيسيًا في صدارة العناوين حول فصول تلك الحرب الخفية، بعد أن انتقلت مع مطلع العام الحالي من موقع المتهم بشن هجمات وقرصنة مواقع أميركية وأوروبية، إلى «ضحية» تتعرض مواقعها لهجمات ومحاولات اختراق من قراصنة الشبكة العنكبوتية. وأكدت هيئة الأمن الفيدرالي الروسية («الكي جي بي» سابقًا) أن المواقع الروسية على الإنترنت تعرضت خلال العام الماضي لنحو 70 مليون هجمة إلكترونية.
وفي وقت سابق من شهر يناير (كانون الثاني) الجاري، توقف ديميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، عند الهجمات الإلكترونية، لكن هذه المرة لم يكن بموقف الدفاع أمام الاتهامات الموجهة لبلاده بهجمات يزعم أنها طالت مواقع أحزاب أميركية، وإنما كان بموقف «توجيه الاتهامات» إلى دول بشن هجمات إلكترونية على مواقع روسية. هذا في الوقت الذي أعلنت فيه إسبانيا عن اعتقال شاب روسي، يتهمه الأمن الفيدرالي الأميركي بإعداد برامج فيروسات لسرقة الأموال، بينما كانت صحف روسية تتناقل معلومات تشير إلى علاقة بين استقالات في الكرملين ونشر قراصنة إنترنت من أوكرانيا لما يزعمون أنها مراسلات أحد كبار الموظفين في الإدارة الرئاسية الروسية.
وكان نيكولاي موراشوف، ممثل مركز أمن الاتصالات في هيئة الأمن الفيدرالي الروسية، قد أكد في تصريحات نقلتها «إنتر فاكس»، أن مواقع حساسة من البنى التحتية المعلوماتية في روسيا تعرضت خلال العام الماضي لهجمات إلكترونية 70 مليون مرة. وقال المسؤول الأمني الروسي، خلال جلسة برلمانية يوم أمس، لمناقشة مشروع قانون حول أمن البنى التحتية المعلوماتية الحساسة، إن معظم تلك الهجمات كان مصدرها من خارج الأراضي الروسية، مؤكدًا أن روسيا تملك ما فيه الكفاية حاليا من القدرات في مجال تطوير الأمن المعلوماتي، موضحًا أن مؤسسات مثل «شبكة النقل عبر السكك الحديدية، وشركة (غاز بروم)، تستخدم بفعالية وسائل الحماية الإلكترونية»، لافتًا في الوقت ذاته إلى «شركات ومؤسسات لا تمنح هذه الأمر الاهتمام الكافي».
وفي وقت سابق، أكد ديميتري بيسكوف، المتحدث الصحافي باسم الكرملين، أن «مئات آلاف الهجمات الإلكترونية تستهدف يوميًا المنظومة الرقمية في روسيا الاتحادية»، لافتًا إلى أن «بعض تلك الهجمات تجري من الأراضي الأميركية، والعشرات مصدرها الأراضي الألمانية، وبريطاينا». ومع تأكيده أن موسكو لا تعتبر أن الحكومات في الدول الغربية هي المسؤولة عن تلك الهجمات، أشار بيسكوف إلى «أدلة متوفرة لدينا بأن بعض أجهزة الاستخبارات الغربية تقف خلف بعض الهجمات» التي وصفها بأنها «عدائية للغاية»، و«استهدفت مصارف روسية ومواقع رسمية في روسيا»، مشككا من جانب آخر بمصداقية الاتهامات حول هجمات إلكترونية روسية، ومشددا على أنه «لا الحكومة الروسية ولا الكرملين، ولا الرئيس بوتين شخصيًا، ولا الاستخبارات العسكرية، يقفون خلف تلك الهجمات، هذا إن كانت هناك هجمات في الواقع».
في موازاة ذلك ذكرت صحف روسية أن فلاديسلاف سوركوف، مساعد الرئيس الروسي، أي أحد كبار الموظفين في الإدارة الرئاسية الروسية، استقال من عمله بعد الكشف عن رسائل من بريده الإلكتروني، يقول قراصنة إنترنت من أوكرانيا، إنهم حصلوا عليها نتيجة اختراق بريده. وذكرت صحيفة «فيدوموستي»، نقلا عن مصادر مقربة من الإدارة الرئاسية، أن سوركوف قدم استقالته في شهر ديسمبر (كانون الأول) نهاية العام الماضي، على خلفية حادثة اختراق بريده. بينما قالت الدائرة الرئاسية لشؤون التعاون الاقتصادي مع بلدان رابطة الدول المستقلة، التي كان سوركوف على رأسها، إن استقالته جاءت بناء على طلب منه. وكان قراصنة أوكرانيون يطلقون على أنفسهم «كيبرخونتا»، قد أعلنوا أنهم تمكنوا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016 من اختراق بريد فلاديسلاف سوركوف معاون الرئيس الروسي، وأنهم يتحكمون بمراسلاته. ويؤكدون أن بعض تلك الرسائل التي خاطب عبرها مساعده، تحتوي على «خطة روسيا» حول «اقتراح باحتلال الأراضي غرب أوكرانيا»، و«خطة لزعزعة الحياة السياسية في أوكرانيا، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة». وتعود تلك الرسائل إلى عامي 2013 - 2014. حينها رد الكرملين على تلك الادعاءات، وقال ديميتري بيسكوف، إن سوركوف «شخص ذكي جدًا، ولهذا دوما يتهمونه بأمور ما، وغالبا ما تكون تلك الاتهامات منفصلة عن الواقع»، مؤكدًا أن سوركوف لا يستخدم البريد الإلكتروني أبدًا.
في شأن متصل، تنظر السلطات الإسبانية حاليا بطلب الولايات المتحدة ترحيل المواطن الروسي ستانيسلاف ليسوف، الذي اعتقله الأمن الإسباني منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي، بطلب من الأمن الفيدرالي الأميركي، بتهمة تصميم واستخدام فيروس يساعد على سرقة ملايين الدولارات. وليسوف مواطن روسي يعمل في مجال تصميم برامج الإنترنت، وفتح الأمن الفيدرالي الأميركي تحقيقا حوله منذ عامين بسبب ذلك الفيروس. وحسب وكالة «رويتر»، أدت عمليات التفتيش على المواقع ومخدمات الإنترنت التي يتحكم بها ليسوف، في ألمانيا وفرنسا، إلى الكشف عن سرقة قواعد بيانات من المصارف وحالة الحسابات المصرفية. وفي أحد المواقع التي يتحكم بها ليسوف تم العثور على ملف يحتوي على ملايين التفاصيل المتعلقة بالوصول إلى الحسابات المصرفية، بما في ذلك أسماء المستخدمين، وكلمات السر، والأسئلة السرية.
ويقول الأمن الإسباني، إن ليسوف كان تحت المراقبة طيلة فترة وجوده في كتالونيا، وتم اعتقاله بينما كان يستعد للمغادرة من إسبانيا باتجاه دولة أوروبية أخرى. ويتعين على المحكمة الإسبانية العليا اتخاذ القرار بتسليم المواطن الروسي ليسوف إلى الولايات المتحدة. ويقول ألكسندر إيفانوف، المحامي الذي يمثل ليسوف، إنه حصل على وثائق من وزارة العدل الأميركية، تشير إلى الاتهامات التي تنوي الولايات المتحدة توجيهها إلى موكله، وهي «تآمر إجرامي بهدف اختراق منظومات كومبيوترية»، و«تآمر إجرامي بهدف القيام بعملية احتيال باستخدام وسائل الاتصالات الإلكترونية». ويوضح المحامي أن القضاء الأميركي قد يحكم بموجب تلك الاتهامات بالحبس حتى 35 عامًا.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.