بند غير معلن في «آستانة» شرّع التكتل لقتال المتشددين بالشمال السوري

وضع «فتح الشام» أمام خيارين سيقودانها إلى التفكك

المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا يتحدث إلى الصحافيين في اليوم الثاني من مؤتمر آستانة (أ.ف.ب)
المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا يتحدث إلى الصحافيين في اليوم الثاني من مؤتمر آستانة (أ.ف.ب)
TT

بند غير معلن في «آستانة» شرّع التكتل لقتال المتشددين بالشمال السوري

المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا يتحدث إلى الصحافيين في اليوم الثاني من مؤتمر آستانة (أ.ف.ب)
المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا يتحدث إلى الصحافيين في اليوم الثاني من مؤتمر آستانة (أ.ف.ب)

شرّعت مباحثات النظام السوري ومعارضيه في آستانة، عاصمة كازاخستان، ظهور تكتل عسكري سوري معارض للقضاء على تنظيم «جبهة فتح الشام»، («جبهة النصرة» سابقًا)، استباقًا لتحضيراته القاضية بقضم الفصائل المعارضة التي يستشعر خطرًا منها، إثر مشاركتها في المؤتمر.
التنظيم المتشدد كان قد بدأ خلال الأسبوع الماضي مهاجمة الفصائل المعارضة المعتدلة في شمال سوريا عبر السيطرة على مقرات لحركة «أحرار الشام» الإسلامية في جبل الزاوية وغيرها في ريف محافظة إدلب، قبل أن تهدأ إثر اتفاقات موضعية. وبعدها تابع مخططه بمهاجمة «جيش المجاهدين» الذي احتمى بـ«أحرار الشام»، ثم كرّت السبحة ليهاجم مقرات تابعة لـ«جيش الإسلام» و«الجبهة الشامية» وغيرها، وهو ما دفع بالفصائل أمس للتكتل في غرفة عمليات واحدة لمواجهة خطر «فتح الشام»، والانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم.
وفق التقارير، بادر التنظيم إلى مهاجمة الفصائل الأخرى على ضوء ما تسرّب من حيثيات «اتفاق آستانة» غير المعلنة وخلفياتها؛ إذ أفادت مصادر سورية مطلعة على مُجريات المباحثات في عاصمة كازاخستان، لـ«الشرق الأوسط» بأن بندًا غير معلن في الاتفاق «يقضي بتثبيت وقف إطلاق النار وتثبيت القوى المنخرطة في الصراع، وهي النظام وحلفاؤه من جهة، وقوى المعارضة من جهة ثانية، في مواقع نفوذها، باستثناء التقدم على حساب (جبهة النصرة) و(داعش)، وهما الفصيلان المستثنيان من اتفاق وقف إطلاق النار». وبالتالي، فإن «انتزاع مواقع من التنظيمات المتشددة، يعد مشروعًا، وسيُضم إلى مناطق نفوذها».
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن هذه النقطة غير المعلنة في الاتفاق «أطلقت تسابقًا بين فصائل المعارضة والنظام على قضم مناطق نفوذ (النصرة)»، مشددة على أن البند «حوّل (جبهة فتح الشام) إلى كعكة يتسابق الطرفان على قضمها لزيادة نفوذهما الجغرافي، ومن ثم، فإن ذلك من شأنه أن يحفّز المعارضة على الحصول عليها، أو سيزيد من طاقتها لانتزاع حصة أكبر».
ويكرّس هذا الجانب من الاتفاق في آستانة، بندًا مشابهًا في «اتفاق أنقرة» بين روسيا وتركيا تحدث صراحة عن أنه سيجري استهداف «فتح الشام». وقالت المصادر عينها إنه «تم تحذير الفصائل بعد اتفاق أنقرة من أي تحالفات معها، لأنها باتت مستهدفة من قبل تركيا وروسيا بموجب اتفاق مشترك»، مشيرة إلى أنه «على ضوء ما تسرّب من تلك الاتفاقات، استشعرت (جبهة النصرة) أنها دخلت مرحلة جديدة من الحصار، فسارعت إلى تسريع المعركة ضد الفصائل، وحفّزها ذلك على مهاجمة (أحرار الشام) الأسبوع الماضي».
وبعد انطلاق الحملة الجديدة لـ«فتح الشام»، ضد عدد من الفصائل الثورية، في خطوة هي الأولى للتنظيم بعد فك ارتباطه بـ«القاعدة»، تكتلت القوى العسكرية المعتدلة ضده؛ إذ توجهت قوة من «أحرار الشام» و«صقور الشام» و«جيش الإسلام» و«تجمُّع فاستقم» إلى مناطق ريف إدلب الشمالي وريف محافظة حلب الغربي لوقف هجوم «فتح الشام» على «جيش المجاهدين»، كما ذكرت شبكات المعارضة. أما شبكة «الدُّرر الشامية» فأشارت أمس إلى أن حركة «ألوية صقور الشام» بسطت سيطرتها على بلدة بنين بريف إدلب وأخرجت «فتح الشام» منها. في حين أفادت «شبكة شام» باندلاع اشتباكات بالأسلحة بين «فتح الشام» والفصائل الأخرى في عدة بلدات وقرى في جبل الزاوية، وسط حالة احتقان شعبية كبيرة للمدنيين رفضا لحالة الصراع الدائر في المنطقة بين مكوّنات الثورة.
ويربط خبراء ومتابعون الاتفاق بين الفصائل العسكرية المعتدلة على قتال المتشددين في الشمال الآن، بتجربة القضاء على وجود «داعش» خلال العام 2014 في المنطقة نفسها؛ إذ بدأت في مطلعه الحرب من الفصائل المقاتلة والإسلامية ضد «داعش»، لإنهاء وجوده في محافظتي حلب وإدلب والساحل السوري ومناطق سورية أخرى. ووفق عبد الرحمن الحاج، الباحث السياسي والخبير في حركة التنظيمات المتشددة، فإن «مؤتمر آستانة» أطلق الصدام بين الفصائل و«فتح الشام»، وأن «الحل السياسي ومساعي عزل (النصرة)، من المبادئ الأساسية». ولفت الحاج إلى أن «ذهاب جميع الفصائل بمن فيها (أحرار الشام)، (التي لم تشارك في مؤتمر آستانة تجنبًا لاشتباكات مع (النصرة) ستؤدي إلى انقسامات فيها)، أدى إلى دعم هذا الاتجاه، ما يعني أن هناك استهدافًا لـ(جبهة فتح الشام) التي سارعت إلى مهاجمة فصائل المعارضة المعتدلة».
وقال الحاج لـ«الشرق الأوسط» إن «فتح الشام» كانت من قبل «تحتمي بالفصائل، غير أن شعورها بالخطر الآن دفعها للتصادم، في ظل يقينها بأن مشروعها الخاص في إدلب (في إشارة إلى إعلان كيان متشدّد مواز لكيان داعش في الشرق) ظهرت استحالته في ظل وجود قوى كبيرة مثل (أحرار الشام)، فحاولت اتباع استراتيجية القضم البطيء للفصائل، وفعلاً قضت على 14 فصيلاً خلال سنتين لتوسيع رقعة نفوذها».
لكن «أحرار الشام» لم تستطع أن توقف هذا المد للمتشددين، واتخذت سياسة «التريث»، بحسب ما قال الحاج، الذي أوضح أن الأسباب تعود إلى أن «تكوين (الأحرار) هشّ، بالنظر إلى أن جزءًا منهم قريب من (النصرة) آيديولوجيًا، وبالتالي فإن أي معركة مع (النصرة) ستقسم (الأحرار) وتقودها إلى التفكك. وهكذا أجلت المعركة لتجنب انقسامها». واستطرد الحاج قائلاً: «لكن ما كان مؤجلاً، فرض مؤتمر آستانة التعجيل به، ولم يعد تأجيل عملية التصادم بالنسبة لـ(النصرة) مجديًا، فبادرت إلى الهجوم، وهو ما دفع الفصائل للتكتل ودفع الخطر بشكل مشترك».
وأكد الحاج أن ما يجري الآن «هو الخطوة الأولى لإنهاء (جبهة النصرة) أو تفكيكها، وهي (يعني فتح الشام) اليوم أمام خيارين أساسيين: الخيار الأول هو تقلص نفوذها لصالح المعارضة، مما سيعني اندفاعها إلى مناطق نفوذ منفصلة عن الآخرين وخاصة بها، وهو ما سيساعد التحالف الدولي على إبادتها، والقوات الروسية على استهدافها»، أما الخيار الثاني فهو «الانكفاء إلى مناطق جغرافية صعبة واللوذ بها، مثل جبال محافظة اللاذقية، حيث تتمتع، إضافة لحلفائها في الحزب التركستاني ومتشددين أجانب، بوجود محصّن، أو في جبال القلمون (قرب حدود لبنان)، وهكذا ستكون أمام سيناريو التفكك أمام الضربات، لكنها ستكسب مزيدا من الوقت».
وبالإضافة إلى هذين الخيارين الصعبين، فإن المسار المتوقع أيضا، بحسب الحاج، هو «انشقاق قياديين فيها، وانضمامهم إلى (داعش)، وهو التنظيم الربيب آيديولوجيًا لها، أو التحوّل باتجاه (الجهاد العالمي) مرة أخرى»، مشددًا على أن العناصر السوريين «بالتأكيد سينشقون عنها في ظل الخلافات مع الفصائل السورية المعتدلة، وذلك سيؤدي إلى أزمة اجتماعية لا تستطيع (النصرة) احتواءها، وهو ما يسرّع بتفكيكها».



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.