«يوروبول» تستعيد آلاف القطع الأثرية المهربة من مناطق النزاع

عملية شملت 18 دولة وعثرت على أكثر من 4 آلاف تحفة وعمل فني

بعض الآثار التي استعادتها عملية الشرطة الأوروبية (أ.ف.ب)
بعض الآثار التي استعادتها عملية الشرطة الأوروبية (أ.ف.ب)
TT

«يوروبول» تستعيد آلاف القطع الأثرية المهربة من مناطق النزاع

بعض الآثار التي استعادتها عملية الشرطة الأوروبية (أ.ف.ب)
بعض الآثار التي استعادتها عملية الشرطة الأوروبية (أ.ف.ب)

شاركت بلجيكا في عملية أمنية واسعة شملت 18 دولة وانتهت باستعادة الآلاف من القطع الأثرية، واعتقال العشرات ممن تورطوا في هذا الملف. كما أشارت الوكالة إلى أن هناك قطعًا أثرية البعض منها يعود إلى عصر الدولة العثمانية وأخرى تعود إلى عهد الدولة البيزنطية، ونوهت الوكالة البلجيكية للأنباء إلى أن العملية الأمنية قد ساهمت في العثور على قطع أثرية وأعمال فنية قيمة، وخصوصا من الدول التي عرفت صراعات.
ومن جانبها كشفت وكالة تطبيق القانون الأوروبية أمس عن استعادة أكثر من 4000 من الأعمال الفنية والقطع الأثرية، وإلقاء القبض على 75 شخصًا، في عملية قامت بها الشرطة الأوروبية «يوروبول»، وشملت 18 دولة.
وتهدف العملية - التي يطلق عليها اسم «باندورا»، والتي جرت خلال شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين تحت قيادة الشرطة القبرصية والإسبانية - إلى تضييق الخناق على العصابات الإجرامية التي تقوم بتهريب التحف الفنية والمواد الثقافية في أوروبا.
وقد تم ضبط أكثر من 3500 تحفة فنية ذات قيمة ثقافية، نصفها تقريبًا من القطع الأثرية. كما استعادت العملية أيضًا أكثر من 400 قطعة نقدية، تعود إلى فترات زمنية مختلفة. وتم العثور على 500 قطعة أثرية تاريخية في مدينة مورسيا الإسبانية وحدها، كانت 19 منها قد سرقت من متحف الآثار في المدينة في عام 2014. وشملت العملية دولاً مثل النمسا وألمانيا واليونان وإيطاليا ومالطا، ومنظمتي اليونيسكو والجمارك العالمية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي انعقدت في العاصمة الإماراتية أبوظبي أعمال المؤتمر الدولي «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر».
وصدر عن المؤتمر بيان ختامي أكد المشاركون فيه التزام جميع الأطراف الحاضرة والموقعة على «إعلان أبوظبي» بإنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي المعرض للخطر في أوقات النزاع المسلح، يساعد في تمويل العمليات الوقائية والطارئة ومكافحة الاتجار غير المشروع في القطع الأثرية الثقافية، والمساهمة في ترميم الممتلكات الثقافية التي لحقت بها الأضرار.
كما أكد «إعلان أبوظبي» – الصادر في ختام أعمال المؤتمر – الالتزام بإنشاء شبكة دولية من الملاذات الآمنة لحماية الممتلكات الثقافية المعرّضة لخطر النزاع المسلح أو الإرهاب على أراضيها، أو في بلد مجاور إذا كان تأمينها على المستوى الوطني غير ممكن، أو في بلد آخر كملاذ أخير، وذلك وفقًا للقانون الدولي وبناءً على طلب من الحكومات المعنية، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والسياقات الوطنية والإقليمية للممتلكات الثقافية المطلوب حمايتها.
وفي نوفمبر الماضي أعلنت مديرية مكافحة الجريمة المنظمة التابعة لوكالة الاستخبارات، العراقية، عن اعتقال شخص بحوزته قطعة أثرية وسط محافظة بابل. وقالت المديرية في بيان إن «مديرية مكافحة الجريمة المنظمة في بابل ألقت القبض على المتهم (ع س ف) وبحوزته قطعة أثرية بعد نصب كمين له في مركز المحافظة». وذكرت تقارير إعلامية عراقية أن عمليات تهريب الآثار العراقية نشطت بشكل لافت للانتباه بعد أبريل (نيسان) 2003، بعد تعرض الكثير من المتاحف العراقية إلى عمليات سلب ونهب مع تعرض المواقع الأثرية في عموم البلاد إلى عمليات نبش عشوائي وسرقة في ظل غياب الحراسة عليها، كما أقدم تنظيم داعش بعد 2014 على هدم عدد ليس بقليل من الآثار العراقية والمراقد الدينية في محافظة نينوى.
وفي نوفمبر الماضي أيضًا استضافت باريس عاصمة فرنسا يومي 21 – 23 في مقر وزارة الخارجية ومنظمة اليونيسكو مؤتمرًا دوليًا حول حماية التراث والمتاحف، وأعلنت الحكومة الفرنسية عن إطلاق مبادرة لإنشاء صندوق من أجل حفظ الآثار المهددة في مناطق النزاعات والحروب بقيمة مالية تصل لـ100 مليون دولار، وذلك لحماية التراث العالمي المعرض للخطر.
وفي هذا الشأن تحدث الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية الفرنسية في المؤتمر الدولي لحماية التراث العالمي المعرض للخطر جاك لانج قائلاً إن «الهدف من المؤتمر هو حماية التراث الإنساني والحضاري للبلدان التي تشهد النزاعات والحروب وعلى رأسها سوريا والعراق، والتي تعرضت للدمار والنهب والسلب على يد من وصفهم بأعداء الحضارات الإنسانية».
وأضاف لانج في تصريحات للصحافيين في وقت سابق أن النظام السوري حصد الكثير من المعالم والحضارة السورية، وخصوصًا في مدينة حلب، وأيضًا ما حدث في العراق، وهذا شيء مؤلم ومؤسف، والأهم من ذلك هو فقدان مفهوم الإنسانية والأرواح التي تحصد كل يوم في تلك الدول إثر النزاعات البشعة والأعمال الإرهابية. وبين أن المؤتمر يساهم في إيقاظ الحس والوعي، ويمثل حجر الأساس لمحاولة إيجاد حلول لتلك الدول المنكوبة، حيث ستعمل منظمة اليونيسكو على متابعة ما يقره مجلس الأمن للأمم المتحدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».