دونالد ترمب... قصة نجاح فاجأت الجميع

طبّق نصيحة والده بدراسة الاقتصاد بدل السينما

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)
TT

دونالد ترمب... قصة نجاح فاجأت الجميع

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)

لم يكلف رجل الصفقات الناجحة دونالد جون ترمب أبدًا في مرحلة من مراحل عمره، عناء البحث عن وظيفة حكومية أو تحمل مشاق الوصول إليها. بل إنه لو تقدم لشغل وظيفة إدارية عادية في البيت الأبيض لما وجد في سجله ما يؤهله للحصول على الوظيفة العادية. لكن الرجل لم يكن شخصا عاديا، ولم يبحث عن وظيفة عادية، بل وضع نصب عينيه الموقع الأول في البلاد دون سواه، الذي يتصارع عليه عادة مخضرمو السياسة.
ومن المفارقات أن أول وظيفة عامة يشغلها رجل الأعمال الأميركي دونالد ترمب في حياته هي وظيفة رئيس الولايات المتحدة الأميركية. وعندما أجريت له مراسم التنصيب الرسمي في العشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي، كانت هي المرة الأولى في تاريخه يؤدي فيها اليمين الدستورية، في حين أن مدعويه من كبار رجال الدولة قد أمضوا حياتهم في أداء قسم بعد آخر.
ولهذا، فقد جرى حفل تنصيب ترمب في جو تقاسمه الفرح والحزن، وخيم الوجوم على وجوه عشرة رجال وامرأة واحدة على الأقل، من المنافسين السابقين لترمب، ممن سعوا حثيثا للفوز بأهم وظيفة شاغرة في العالم عام 2016، وكان كل منهم يتمنى أنه مكان ترمب ليؤدي القسم الأخير في حياته، بدلا من أن يستمع للقسم الأول في حياة ترمب.
وبأدائه القسم، يكون ترمب قد نجح في تحقيق ما عجز عنه سياسيون كبار، من بينهم حكام ولايات محورية، وأعضاء بارزون في مجلس الشيوخ، ووزيرة خارجية سابقة. ولا غرابة في ذلك، فقد كان المنخرط في الأعمال الحرة يردد على مسامعه دومًا المقولة الرائجة في المجتمع الأميركي، «إن وظائف الحكومة للفاشلين فقط»، ولم يتعمد ترمب الأب أن يغرس هذه القناعة في تفكير الابن عبثًا، بل كان قد لمس من ابنه ميولاً نحو العمل العام مثلما كان يلمس منه حبه للظهور، وعشقه للشهرة. وكان الأب يخشى على ابنه من أن يسلك طريق الفقر، ويخسر فرصًا ذهبية أمامه كفيلة بصنع الثراء، والاستفادة من أصول عقارية مترامية الأطراف يملكها والده.
* أول صفقة رابحة
دونالد ترمب هو الابن الرابع من بين إخوته، ولد في 14 يونيو (حزيران) 1946 في حي كوينز بنيويورك، والتحق بإحدى مدارسه النموذجية وهي مدرسة «كيو فورست» التي عرف فيها بأنه تلميذ شقي. وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره، أرسله والداه إلى أكاديمية شبه عسكرية على أمل تحسين سلوكه. وبالفعل، حقق ترمب في الأكاديمية تفوقًا دراسيًا ورياضيًا، حيث أصبح نجمًا في لعبة الإسكواش وهو في السادسة عشرة من عمره. وكان الشاب النيويوركي المراهق يتمنى لنفسه أن يصبح ممثلاً أو إعلاميًا أو بطلاً رياضيًا مشهورا، وكان والده يخشى عليه من عشقه المخيف للشهرة وحب الظهور. وجاء استحقاق تقرير المصير عند إكمال دونالد ترمب سنين التعليم العام (الثانوية العامة)، حيث يبدأ مفترق الطرق.
وكما كان يخشى الأب، فقد علم من ابنه الشاب بأنه يعتزم دراسة السينما أو الفنون الجميلة أو الإعلام التلفزيوني، فوقع النبأ على الأب وقع الصاعقة، وقرر أن يعقد معه صفقة، كانت هي أول صفقة رابحة في حياة دونالد ترمب.
وطبقًا لما رواه ترمب في أكثر من مناسبة، فقد اقترب منه الأب محيطًا إياه بذراعيه ثم همس في أذنه قائلا: «أنصحك يا ولدي أن تدرس علم الاقتصاد والتجارة، لكي تؤسس نفسك بالمال وبعدها يمكنك شراء أي شيء ترغب به». وأضاف الأب مازحًا: «وإذا أصبح لديك مال كافٍ فتستطيع أن تشتري محطة تلفزيونية لنفسك، وتحقق الشهرة عن طريق محطتك الخاصة بدلاً من العمل لدى أي جهة أخرى حتى لو كانت هذه الجهة هي الحكومة الفيدرالية ذاتها». ومضى الأب يشرح لابنه أهمية المال وضخامة القوة والنفوذ الذي يصنعها المال لأصحابه. ولكن الأب كان يعتبر العمل السياسي، حتى لو كان في البيت الأبيض، مضيعة للوقت وخسارة لا مبرر لها. ولكي يحمي ابنه من المهن المتعبة، عرض عليه صفقة مغرية بمنحه رأسمال قيمته مليون دولار أميركي مؤجل التسليم إلى أن يحصل الابن على شهادة في الاقتصاد، ليبدأ بعد ذلك في استثمار رأس المال المقدم من الأب، والعمل على مضاعفته مستندًا إلى تأهيل أكاديمي مجدٍ. ولم يتردد الابن في قبول الصفقة وبدأ من تلك اللحظة في رحلة طويلة من الصفقات الناجحة باستثناء القليل جدًا منها.
وحسب ما يرويه ترمب في كتابه «فن الصفقات»، فإنه بعد أن أنهى المرحلة الثانوية في الأكاديمية العسكرية بنيويورك عام 1964، فكر بدراسة السينما التي كانت تستهويه، لكنه قرر في النهاية دراسة الاقتصاد تطبيقا لنصيحة والده لأنه عن طريق المال سيصبح قادرا على شراء السينما وغير السينما. ولهذا التحق أولا بجامعة فوردهام لمدة عامين قبل أن ينتقل إلى كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس في الاقتصاد تخصص تمويل.
وعلى نقيض ما يعتقد البعض بأن دونالد ترمب رجل عصامي بنى ثروته بنفسه، فهو لم يولد فقيرًا بل إن مؤسسته العقارية تعود في الأساس لوالده الثري الذي كان أحد كبار ملاك العقارات في مدينة نيويورك، وورث نجله عن أعماله. فوالده هو رجل الأعمال النيويوركي الشهير فريدريك كريست ترمب المولود في نيويورك في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 1905، وتوفي في منتصف العام الأخير من القرن الماضي 1999. أما والدة ترمب، فهي ماري ماكلويد المولودة باسكتلندا في 10 مايو (أيار) 1912، وتوفيت بعد عام واحد تقريبا من وفاة والده.
وإذا كانت جذور الأم اسكتلندية، فإن جذور الأب تعود إلى ألمانيا التي جاء منها أجداد دونالد ترمب المهاجرين إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر الميلادي، ولهذه الجذور البيضاء تأثير شديد على شعوره بالانتماء لعرق متميز، وعدم اكتراثه بأي جذور أخرى للآخرين.
تزوج والده من والدته عام 1936، وأنجبا خمسة أطفال؛ ثلاثة أولاد توفي أكبرهم وبنتان المعروفة منهما الشقيقة الكبرى ماري آن ترمب باري، وتبلغ من العمر حاليا 78، وكانت قاضية شهيرة في محكمة استئناف فدرالية.
بعد تخرج ترمب في عام 1968 انضم إلى شركة والده العقارية المعروفة باسم مؤسسة ترمب العقارية التي كان أكثر نجاحا لها هو بناء وتأجير المجمعات السكنية.
وركز دونالد في البداية على الطبقة المتوسطة أسوة بوالده بتأجير الشقق السكنية في بروكلين وكوينز، وعمل على تنشيط وتحديث مجمع سكني يدعى سويفن فيلج في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو فحول 1200 وحدة سكنية، من نسبة شغور 66 في المائة إلى نسبة امتلاء 100 في المائة في غضون سنة واحدة. وما لبث أن باع المبنى ذاته بـ12 مليون دولار، محققا ربحا من الصفقة يبلغ 6 ملايين دولار.
وفي عام 1971 انتقل ترمب إلى مانهاتن، حيث الفرص الاقتصادية والمشاريع الكبيرة وحول فندق كومودور المفلس إلى فندق غراند حياة الناجح، فعلمته التجربة أن النجاح يبدأ بالإفلاس، فاستمر في استغلال معاناة مدينة نيويورك من مصاعب تهدد بعض مقاطعاتها بالإفلاس فحصل على تنازلات وتخفيضات هائلة في ضرائب العقارات ساعدته على التوسع في مشاريعه، إلى أن امتلك في مانهاتن مئات الآلاف من الأمتار المربعة التي لم تعد تقدر بثمن حاليا.
ولاحقًا، بدأ ترمب بتأسيس منتجعات ترمب الترفيهية التي تدير الكثير من الكازينوهات، والفنادق وملاعب الغولف والمنشآت الأخرى في جميع أنحاء العالم. لكن توسعه في بعض المشاريع التجارية أدى إلى تصاعد الديون عليه في أوائل التسعينات، فضلا عن تزايد الأخبار عن علاقاته خارج نطاق الزوجية، الأمر الذي تسبب في طلاقه من زوجته الأولى، إيفانا ترمب. وعلى الرغم من أنه عزز أعماله التجارية بقروض إضافية وتأجيل مدفوعات الفائدة، إلا أن زيادة الديون عليه بحلول عام 1991 أجبرت ترمب إلى إشهار الإفلاس التجاري وأصبح على حافة الإفلاس الشخصي. وفي 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1992، اضطر فندق ترمب بلازا لتقديم طلب من الفصل 11 لقانون الإفلاس الأميركي بعد أن عجز عن دفع أقساط الديون. وبموجب حكم قضائي، وافق ترمب على التخلي عن حصة 49 في المائة من الفندق الضخم للمقرضين مقابل الاحتفاظ بمنصبه كرئيس تنفيذي للشركة المالكة للفندق.
وبحلول منتصف التسعينات، كان ترمب قد تمكن من تسديد جزء كبير من الديون الشخصية وخفض الديون التجارية بعد أن خسر بعض ممتلكاته لبنك تشيس مانهاتن، ومقرضين آخرين في سبيل أن يتمكن من الحفاظ على ممتلكات أخرى.
وقد سمح له الملاك الجدد بأن يضع اسمه الذي أصبح علامة تجارية على المباني التي ارتفعت قيمتها وقيمة ممتلكاته المتبقية فتمكن من تحويل 3 مليارات من الديون إلى ما يوازيها من الثروة العقارية أو يزيد.
وفي عام 2001، أتم برج ترمب الدولي، الذي احتوى على 72 طابقًا ويقع هذا البرج السكني على الجانب الآخر من مقر الأمم المتحدة. كذلك، بدأ بناء «ترمب بلس»، وهو برج متعدد الخدمات على جانب نهر هدسون. وامتلك ترمب مساحات تجارية في «ترمب إنترناشيونال أوتيل آند تاور»، الذي يتألف من 44 طابقًا للاستعمال المختلط (فندق وشقق سكنية).
وطوال السنوات العشر اللاحقة كان ترمب يحقق نجاحات ويعمد إلى حل مشكلات أي مشروع فاشل يقدم عليه بإعلان إفلاس الشركة المسؤولة عن المشروع، وهو إفلاس لا يلحقه شخصيا بالأذى بقدر ما تعيد به أي شركة من شركاته التي قد تمنى بالفشل جدولة ديونها والنهوض من جديد.
* تحقيق النجومية
ورغم النجاحات المتتالية التي حققها من الصفقات التجارية، فإن حبه للأضواء وحياة النجومية ظل مهيمنًا على وجدانه ولم يقو على التخلي عنه منذ أن فكر في دراسة السينما قبل الاقتصاد.
ولإرضاء هذه الرغبة، عمل على تقديم برنامج ترفيهي على محطة «إن بي سي»، واضطر في البداية لأن يدفع للمحطة مقابل تقديم البرنامج. ولكن سرعان ما حقق البرنامج نسبة مشاهدة عالية وأرباحا من الإعلانات، فأصبحت المحطة تدفع له كأكثر النجوم تقاضيا للأجور. كما عمد إلى تنظيم مسابقات ملكات جمال الكون وابتكار أنشطة كثيرة تكسبه الأضواء التي يعشقها.
كانت آخر صفقات ترمب الناجحة هي التي عقدها مع آخرها مع الناخبين الأميركيين لتسليم البيت الأبيض له لمدة أربع سنوات، مقابل أن «يجعلهم يكسبون مثلما ظل يكسب هو طوال حياته»، و«استعادة عظمة أميركا المفقودة، وإنقاذ الأميركيين من البطالة وتوفير الوظائف بإعطاء الأولوية للمنتجات الأميركية، وإقامة الأسوار أمام تدفق المهاجرين واللاجئين». وباختصار: «جعل أميركا أولاً...».
وبصفته رجل أعمال، فإنه يدرك جيدا أن أعظم خطوات النجاح لا تأتي إلا بعد فشل، لكنه يرفض اعتبار الفشل واردًا أو القبول به مسبقًا. ولهذا، عندما خاض حملته الانتخابية لإنجاز آخر صفقة مهمة في حياته، كان يتلقى أسئلة عن خياراته في حال فشله في الحصول على أصوات كافية، فلم يكن يقبل بالرد على مثل هذه الأسئلة وإنما يؤكد تصميمه على النجاح، ويزعم مسبقًا أن النتائج ستكون مزورة إذا لم يكن هو الفائز بها.
وعلى الجانب الآخر، كانت منافسته هيلاري كلينتون ترد بدبلوماسية فائقة بأنها ستقبل النتائج كما هي وأن خسارتها لن تكون نهاية العالم. ويبدو أن نتائج الانتخابات قد أثبتت اعتقادًا سائدًا في الذاكرة الشعبية أن التفاؤل بالنجاح يساعد على تحقيق النجاح، وأن التشاؤم أو الاستعداد المسبق للفشل هو نصف فشل في حد ذاته.
وقليلون جدا هم من كانوا يتوقعون أن يصل ترمب إلى مرحلة المنافسة مع كلينتون، فقد كان الاعتقاد السائد بأن الرجل مثير للجدل ويفتقد لأدنى الخبرات التي تؤهله لتمثيل الجمهوريين أمام صاحبة الشعبية الكاسحة هيلاري كلينتون، ناهيك بقدرته بالفوز عليها. وليس هذا فحسب، بل سارع سياسيون كبار جمهوريون وديمقراطيون على حد سواء بالجزم أن شخصا مثل دونالد ترمب لا يمكن أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة على الإطلاق.
ومن بين هؤلاء الرئيس السابق باراك أوباما الذي ذرفت عيناه بالدموع عندما رأى هيلاري كلينتون تشارك في حفل تنصيب ترمب رئيسا. وكان الجازمون بأن ترمب سيكون وبالا على الحزب الجمهوري، يستندون في تقييمهم له بأنه يطلق شعارات مثيرة للجدل، ولم يدركوا حينها أن مكمن قوته كان في لغة الناس وفي ابتعاده عن اللغة النخبوية المتعالية.
* استراتيجية انتخابية ناجحة
لقد كان ترمب طوال حملته الانتخابية يجاهر بعدائه للنخب السياسية ويصف أحاديث السياسيين في واشنطن بـ«الجوفاء»، قائلاً إن السياسيين المحترفين منافقون يخادعون المجتمع بأكاذيبهم ويمارسون عكس ما يقولون.
ما كان يهمه أثناء رحلته نحو البيت الأبيض هما أمران اثنان، أولهما إثارة الجدل حوله بما يفيد حملته ويلفت انتباه الناخب إليه، وثانيًا تمثيل الأغلبية البيضاء والتعبير عن مكنونات «الرجل الأبيض» أو الناخب الأبيض.
وقد بدأ ترمب هذه الاستراتيجية في اليوم الأول لإعلانه اعتزامه ترشيح نفسه للمنافسة على تمثيل الحزب الجمهوري، بأن تعمد مهاجمة القادمين من المكسيك بشكل خاص، فقوبلت تصريحاته بانتقادات واسعة مهدت له طريق الانتشار، ولفتت انتباه الناخبين البيض إليه بسبب جرأته في قول ما يتردد في قوله حتى المواطن العادي من الأغلبية البيضاء، غير أن النتائج اللاحقة أثبتت أنهم يتفقون معه.
واستمر ترمب على المنوال ذاته، ينفذ خطته الإعلامية بنجاح، مستفزًا مناصري هيلاري كلينتون، التي وصفها بـ«السياسية المحتالة». وهاجم كذلك شرائح أخرى مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم. لكن ردود الفعل من شرائح المجتمع الأميركي التي تعرضت للإساءة لم تكن قوية بالقدر الذي كان يأمل ترمب، فوجد ضالته لاحقًا في المسلمين بالتزامن مع أحداث تخدم هدفه، لكنه بذلك لم يستفز المسلمين فقط بل جميع الرافضين للتمييز الديني، سواء لدواع سياسية أو كمبدأ يؤمنون به.
لكن صدق ترمب في تعبيره عن مكنوناته وبساطة لغته كانا أجدى نفعا مما يصفه بـ«أكاذيب» جميع منافسيه الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. فرغم ما في طروحاته من تمييز جنسي وعرقي وديني، فإن هذه الصراحة حققت له نجاحًا عجز عن تحقيقه الآخرون، حسب ما دلت عليه استطلاعات الرأي العام منذ أول إساءة له ضد المكسيكيين حتى تفجيره القنبلة المدوية ضد المسلمين عندما طالب بمنع دخولهم الأراضي الأميركية.
واتخذ ترمب استراتيجية نابعة على ما يبدو من خبرته التجارية، فلم يعط بالاً لما يسمى بالذوق السياسي، ولا اهتمامًا برأي النخب وشعاراتها الرنانة، بقدر ما ركز كل همه على إرضاء الأغلبية الأميركية البيضاء التي يستمد منها عصبويته السياسية.
* المسيرة السياسية
في أكتوبر 2007، ظهر ترمب في برنامج لاري كينغ لايف وشن هجوما لاذعا على الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش الابن بسبب تداعيات غزو العراق. وقال إن أي مرشح للرئاسة يطالب بإرسال المزيد من القوات إلى العراق لن يفوز بالانتخابات.
لكن تعليقاته السياسية قبل أن يرشح نفسه للرئاسة كانت نادرة وأقل إثارة، مما هي عليه بعد قراره خوض المعترك السياسي.
وكان ترمب منذ البداية يدرك تمامًا أنه مهما كانت قدرته في الاستغناء عن الجمهوريين ماليًا أو الاستغناء عن المتبرعين من جماعات الضغط، فإن قدرته كفرد على حشد الناخبين الداعمين له لا تقارن بإمكانيات حزب كبير يطمح في الترشح باسمه. وكان يدرك أن ليس بمقدوره على الإطلاق أن ينجح في الوصول إلى البيت الأبيض، إلا بصفقة يعقدها مع الحزب الجمهوري للقبول به مرشحا عن الحزب. وقد تم له ذلك بسبب استمرار تصدره لقائمة المرشحين في الانتخابات التمهيدية. ولكن الحزب الجمهوري المحافظ لم يقدم على مغامرة اختيار ترمب إلا على مضض امتثالا لرغبة الناخبين.
وكان قادة الحزب الجمهوري يخشون من تبعات سجل ترمب العائلي الذي يعتقد بعض الجمهوريين أنه سجل ينم عن انفتاح أو ليبرالية، لا عن محافظة أو إيثار للقيم العائلية. كما أن تبرعاته لسياسيين ديمقراطيين وجمهوريين في وقت واحد كانت تجعلهم يعتبرونه تاجرا سياسيا، أو سياسيا تاجرا أكثر من كونه مؤطر حزبيا.
ومن النقاط التي كان الجمهوريون يخشون من أن يثيرها الحزب المنافس لهم في حال القبول بترشيح ترمب حياته الزوجية التي لم تكن مستقرة؛ إذ إن ترمب تزوج من مواطنة تشيكية هي إيفانا ترمب وأنجبا ثلاثة أطفال: دونالد الابن، وإيفانكا وإريك. وفي عام 1992 انفصلا عن بعضهما. وفي عام 1993، تزوج مارلا مابلس وأنجبا طفلا واحدا لكنهما انفصلا في 1999. ويقال إن سبب الانفصال هو علاقات ترمب الواسعة خارج نطاق الزوجية، وهو الأمر الذي يرفضه الجمهوريون المحافظون بشدة.
وإلى جانب ذلك، كانوا يخشون أن يفقدهم ترمب بعض قواعدهم الانتخابية بين الأقليات التي يهاجمها. إلا أنه كان يتعمد أن يخسر غالبية الأقليات من أجل أن يكسب كامل الأغلبية البيضاء، فكل ناخب من الأقليات يفقده ترمب يحصل بديلا عنه. في المقابل، فإن هذه الأغلبية تدرك أنه من دون أشخاص في مثل جرأة ترمب يسكنون البيت الأبيض، فلن تظل أغلبية بل ستفقد اللقب لغيرها خلال عقود قليلة مقبلة.



جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.