الغرب في مأزق بسبب مقاتلي «داعش»

من أوروبا إلى سوريا... والعكس

عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
TT

الغرب في مأزق بسبب مقاتلي «داعش»

عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)

حذر خبراء ومحللون من أن الغرب يواجه مأزقًا خطيرًا مُتمثلاً في عودة مُقاتلي تنظيم داعش الإرهابي إلى دولهم عقب الخسائر التي يمنى بها التنظيم بشكل يومي في أرض «الخلافة» (المزعومة) بسوريا والعراق. مؤكدين أن {الخطورة الأكبر التي تُسبب للغرب فزعًا ورعبًا ليس في العمليات التي قد يقوم بها عناصر التنظيم، بل في التمدد الداعشي داخل هذه الدول والدعوة لمبادئ التنظيم واكتسابه أعوانًا وأنصارًا ومؤيدين ومتعاطفين جُددًا، وحينها قد يكون من الصعب السيطرة على زحفهم وانتشارهم. ويرى المحللون أنه حال تضييق الغرب على عناصر «داعش» ستنحصر مهمتهم في تجنيد العناصر الجديدة لضمان مورد دائم بعيدًا عن أنظار السلطات. ومع أن البعض قد يظنون أن رجوع عناصر التنظيم لدولهم قد يُثنيهم عن تطرف أفكارهم وإعلان التوبة، فإن هذه العناصر ستتسلل وتتخفى بانتظار إيجاد مناخ يناسب تكتيكها العسكري.
حددت إحصائيات وتقارير عدد المُقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بنحو 20 في المائة من العدد الإجمالي المقدّر لعديد التنظيم. وهذا يعني أن هناك ما يقرب من 4 آلاف مقاتل أوروبي داعشي، مما يستتبع القول إن الغرب أمام مواجهات حقيقية. وإزاء تحذير الخبراء والمحللين من أن الغرب يواجه مأزقًا خطيرًا الآن، توقّعت دراسة مصرية أعدتها دار الإفتاء بمصر أن تصاحب تداعيات عودة المُقاتلين الأجانب مع صفوف الجماعات المتطرفة إلى بلدانهم أزمات أمنية كبرى، خصوصًا أن منهم من يعتزم تنفيذ عمليات انتحارية في تلك الدول انتقامًا لهزائم «داعش» في الشرق الأوسط.
معدو الدراسة أوضحوا أن «عودة المُقاتلين الأجانب إلى الدول الغربية يُعد تحديًا رهيبًا أمام تلك الدول لما يمثله هؤلاء من مخاطر محدقة على الأمن القومي والاستقرار المجتمعي والفكري فيها، وهي ما سيفرض على الدول تشديد الإجراءات على حدودها البرية والبحرية وفي موانئها ومطاراتها لمنع تسلل الإرهابيين المتطرفين عبر الطرق الملتوية، وكشف أي وثائق سفر مزوّرة».
الكلام السابق أكدته تحقيقات وتقارير أوروبية كشفت عن أن «داعش» اعتمد خطة لإعادة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا منذ بضعة أشهر، بعد توقيعهم على استمارات خاصة تتضمن عزمهم على تنفيذ عمليات في أوروبا، وهو ما عده مراقبون بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت وفي أي مكان بالعالم. كما هو معروف، يتوعد «داعش» الغربيين دائمًا بهجمات «تُنسيهم» - على حد زعمه، هجمات نيويورك يوم 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. ولقد توعد أخيرًا في تسجيلات الدول المُنضمة للتحالف الدولي ضده، من بينها أميركا وروسيا وبعض الدول العربية، بتنفيذ هجمات عنيفة، «ما لم يكفوا» عن دعم أميركا في هجومها على أراضي «دولته» المزعومة في سوريا والعراق.
* عمليات وتجنيد
الخبير الأمني المصري، العميد السيد عبد المحسن، أكد أن «كثيرًا من عناصر (داعش) عادوا بالفعل لدولهم للقيام بأعمال إرهابية والمُساعدة في تجنيد مُوالين جُدد للتنظيم في أوروبا، وإقناعهم للقيام بأعمال متطرفة عقب خسائر التنظيم الأخيرة في سوريا والعراق». وأردف: «حال تضييق الدول على هذه العناصر عند عودتهم ستنحصر مُهمتهم في تجنيد الشباب والفتيات والعناصر الجديدة، من أجل ضمان مورد دائم لتجنيد مقاتلين جُدد لصفوف التنظيم بعيدًا عن مُراقبة سلطات هذه الدول». ويتوافق هذا الرأي مع قول الدراسة المصرية إن دول العالم باتت تعيش حالة من التأهب لمواجهة التهديدات المحتملة من مقاتلي «داعش» العائدين إليها، خصوصًا دولاً مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا. وأكدت الدراسة توعد التنظيم بشن هجمات إرهابية مستقبلية في أوروبا انتقامًا من الهزائم التي لحقت به في سوريا والعراق وليبيا، مشددة على «أن محاربة الإرهاب لا تتحدد في جغرافيا، وأنه لم تعد هناك دولة بمأمن عن الإرهاب»، لذلك ينبغي اعتماد معالجات حقيقية لمحاربة الإرهاب والتطرف، وعدم اقتصار ذلك على تهديدات المقاتلين الأجانب في أوروبا فقط، بل في جميع أنحاء العالم.
وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي المصري الدكتور محمد أحمد الدش، إن التطورات الأخيرة في المواجهة مع «داعش» وهزائمه المتلاحقة «كشفت عن ترك بعض جنوده مناطق النزاع المسلح في سوريا والعراق، التي كان معظمها تحت سيطرته وقبضته والتوجه إلى دول غربية، تلك التي ينتمي إليها بعض هؤلاء الجنود، وخصوصًا ألمانيا وروسيا». وأضاف أن «أول ما يتبادر إلى الأذهان هو قيام العائدين إلى بلادهم بعمليات إرهابية داخل هذه الدول، على غرار ما حدث قبل ذلك من عمليات تفجيرية منفردة»، مشيرًا إلى أن الخطورة الأكبر التي تسبب للغرب فزعًا ورعبًا «ليست في تلك العمليات وحدها، بل في التمدد الداعشي داخل بلدانهم نتيجة الدعوة إلى مبادئ التنظيم واكتسابه أعوانًا وأنصارًا ومؤيدين ومتعاطفين، وحينها قد يكون من العسير السيطرة على زحفهم وانتشارهم، فتصبح تلك البلاد في وقت من الأوقات منطقة نزاع مُسلح».
* خطر رغم الانشقاقات
وحقًا، قال مراقبون إن «داعش» يحاول جاهدًا الآن الحد من الانشقاقات بداخله بعد كشف زيف قوته ووهم «الخلافة» المزعومة عن طريق مُصادرة جوازات سفر المنتسبين إليه ليضمن عدم هروبهم من التنظيم، وهذا، فضلاً عن إعدام مقاتليه الذين حاولوا الفرار من مواجهة القوات العراقية بتهمة الخيانة العظمى والسعي للانشقاق عن التنظيم. كذلك لفت المراقبون إلى أن جميع عمليات الإعدام التي ينفذها «داعش» إنما ينفذها في الأماكن العامة وأمام نظرائهم من المقاتلين، كنوع من التخويف وبث الفزع في نفوس المُقاتلين، حتى لا يفكروا في العودة إلى بلدانهم. ومن ثم، أكدوا أنه رغم ما يقوم به «داعش» ضد عناصره في سوريا والعراق، فإن بعض هؤلاء قد ينفذون جرائم وعمليات قتل في دولهم عند العودة نتيجة تشبعهم بأفكار التنظيم في القتل والتخريب.
والجدير بالذكر، أن «داعش» استهدف منذ ظهوره عام 2014 تجنيد أكبر عدد ممكن من المسلمين في الدول الأوروبية لأهداف استراتيجية، مستغلاً في ذلك حالة التخبط التي يعانيها الشباب في أوروبا، إما بسبب التهميش الاجتماعي أو غياب الوعي الديني الصحيح. وبالفعل ارتفعت أعداد المنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية خلال عامي 2014 و2015 ارتفاعًا ملحوظًا، وخصوصًا من فرنسا وبريطانيا، الذين توجه أكثرهم إلى سوريا. وفي فرنسا خصوصًا، أعلنت الحكومة خلال أبريل (نيسان) من عام 2014 أنها ستتبنى خطة لمعالجة مشكلة الفرنسيين الذين توجهوا إلى سوريا للقتال في صفوف «داعش». وفي المقابل، غير «داعش» لهجة تهديده لأوروبا من مُجرد عبارات رنانة تتوعد بالقتل وغير قابلة للتصديق مثل «لن تهنأ أميركا» و«سنفتح أوروبا»... إلى تهديدات حقيقية بتنفيذ عمليات فردية نفذها بالفعل أفراد يعيشون في الدول المهددة. وهذه الاستراتيجية أطلق عليها التنظيم «الذئاب المنفردة» حيث يقوم العنصر - بحسب الخبراء - بعمليات قتل وتفجير دون الرجوع لقيادة التنظيم الأم.
الدكتور الدش، وهو مدرّس للدعوة والثقافة الإسلامية بمصر، شدد على أن عودة المقاتلين الدواعش إلى دولهم لها تبعاتها على تلك الدول، ولا بد أن تكون البداية برصد تحركات عناصر التنظيم ودراسة منهجهم في التخطيط وأساليبهم في التخفي والقتال، وكذلك تكثيف المراقبة الأمنية على المواطنين. ولفت إلى أنه لو نجح «داعش» في التمدد والزحف الذي يطمح له «لا شك، سيؤثر سلبًا على تلك الدول سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا... سياسيًا بانشغال الساسة وأصحاب الرأي في كيفية المواجهة وسبل القضاء على تلك العناصر، واجتماعيًا بالترقب والحذر والرعب الذي يسود المجتمع نتيجة الإرهاب والتفجيرات المحتمل وقوعها في أي لحظة وأي مكان، واقتصاديًا بالتدمير والخراب الذي يلحق بتلك الدول وبنيتها ومواردها الاقتصادية». وتابع الدش أن «هذا ما يمكن أن يكشف المستقبل النقاب عنه، ولعل تلك الدول تعلم خطورة ذلك فتكثف جهودها في إجهاض محاولات التنظيم في التسلل داخل مدنهم لإيقاظ خلاياه النائمة وإحياء دعوته الدموية داخل تلك الدول الغربية». واستطرد: «قد يظن البعض أن رجوع عناصر هذا التنظيم المندحر إلى دولهم في الغرب يمثل نوعًا من الانثناء عن تطرف أفكارهم، وإعلان التوبة عن جرائمهم المنكرة. ولكن التكوين النفسي والعقلي لهؤلاء لا يُنبئ عن ذلك في أغلب أحوالهم، ولو صدقوا في ذلك لأعلنوا عن أنفسهم وتقدموا لمحاكمات عادلة تطهرهم وتغسل أيديهم من دماء الأبرياء. إنهم لا شك سيتسللون وسيتخفون لإيجاد مناخ جديد يُناسب تكتيكهم العسكري، وتجنيد عناصر جديدة لإلحاق الدمار والخراب والإتيان على الأخضر واليابس».
* استراتيجية لمكافحة الإرهاب
وفي هذا السياق، طالبت دراسة دار الإفتاء بإيجاد استراتيجية لمكافحة الإرهاب تلتزم بها جميع دول العالم، لافتة إلى أن «المبادرة التي دعا إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتشكيل اتحاد عالمي لمكافحة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها (داعش)، أصبحت ضرورة ملحة تجدر الاستجابة الفورية لها». كذلك حثت الدراسة جميع دول العالم إلى مراجعة السياسات الأمنية والدفاعية وتشديد الإجراءات على حدودها البرية والبحرية وفي موانئها ومطاراتها، مما لا يدع مجالاً لتسلل مقاتلي «داعش» أو غيره من التنظيمات المتطرفة، خصوصًا، أن هؤلاء أصبحوا على دراية بسلوك طرق ملتوية واستخدام وثائق سفر مزورة للعودة إلى أوطانهم، فضلاً عما يحملونه من أفكار متطرفة وأساليب مخادعة، يمكنهم بها جذب مزيد من العناصر لتشكيل خلايا صغيرة تعمل على تنفيذ عمليات انتحارية وإثارة القلاقل في تلك الدول. ودعت أيضًا دول العالم إلى تطوير مزيد من الأدوات «لوأد التطرف العنيف، وأن تعمل على إعادة تأهيل العناصر المتطرفة العائدة من مناطق الصراع إلى جانب التعامل الأمني معهم»، مؤكدة أن دول العالم بحاجة إلى توسيع أدوات التعامل مع المقاتلين العائدين إلى بلدانهم.
* اليقظة مطلوبة
وحول كيفية تصدي الدول للمقاتلين الأجانب عند عودتهم لدولهم، قال الأكاديمي الدكتور حامد المكاوي، إن «على الدول أن تكون يقظة في كل وقت، وأن تقوم بتتبع الجهلاء من هذه العناصر في دولهم، لأن ما يقرب من 75 في المائة منهم غير جامعيين اقتصر تعليمهم على مراحل قبل الجامعة، وينبغي عقد دورات دينية ونفسية لهم تحصنهم من استقطاب تلك الجماعات المتطرفة، فضلاً عن تأمين الحدود والتعامل مع كل من يرفض الوقوف للتحقق من شخصيته واستعمال كاميرات مراقبة ووسائل حديثة وكمائن»... وهذا، فضلاً عن مراقبة مجلة «دابق» الداعشية، أحد منابر التنظيم الإعلامية، على الإنترنت، فهي مصدر موثوق وحقيقي لفهم كيف يُفكر الدواعش في التعامل مع الأجانب الفارين لدولهم.
* الأطفال والأرامل
في غضون ذلك، تفيد التقارير بأن «داعش» يقوم بتنفيذ مخطط خطير لمواجهة هروب مقاتليه الأجانب وعودتهم إلى دولهم، وذلك عن طريق الاعتماد على الأطفال والأرامل للقيام بمهام مقاتليه في القتل والتفجير. وحسب الدراسة المصرية، فإن التنظيم ماضٍ في تنفيذ خطة لإعداد جيش جديد من الأطفال يدعم صفوفه، ويطلق عليهم «أشبال جند الخلافة». وهم الأطفال ما فوق العاشرة ودون الخامسة عشرة، ممن فقدوا ذويهم في عمليات «داعش» القتالية، فضلاً عن الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن. وأرجعت الدراسة المصرية لجوء «داعش» لهذا التدبير إلى ضعف الدعم اللوجيستي المقدم للتنظيم نتيجة تضييق الخناق عليه، ونقص القوة العددية نتيجة انفضاض مؤيديه عن التنظيم فكريًا، مما كان له عظيم الأثر في الحؤول بينهم وبين الانضمام لصفوف التنظيم، فكان سببًا رئيسيًا في هذه القلة العددية.
وبالفعل، تشير أحدث المعلومات إلى انخفاض عدد مقاتلي «داعش» في كل من سوريا والعراق إلى أقل من 22 ألف مُقاتل، مع أنه كان يُقدر في وقت سابق بنحو 30 ألف مُقاتل، وذلك بسبب تأثير الضربات التي يشنها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية التي تسببت في مقتل كثير من مقاتليه في الشرق الأوسط.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».