بلجيكا: إجراءات مكافحة الإرهاب ساهمت في تراجع معدلات الجريمة

تضارب في الأرقام حول معدل الاعتداءات ضد الشرطة العام الماضي

تواجد أمني مكثف في شوارع العاصمة بروكسل عقب تفجيرات مارس الماضي (رويترز)
تواجد أمني مكثف في شوارع العاصمة بروكسل عقب تفجيرات مارس الماضي (رويترز)
TT

بلجيكا: إجراءات مكافحة الإرهاب ساهمت في تراجع معدلات الجريمة

تواجد أمني مكثف في شوارع العاصمة بروكسل عقب تفجيرات مارس الماضي (رويترز)
تواجد أمني مكثف في شوارع العاصمة بروكسل عقب تفجيرات مارس الماضي (رويترز)

ساهمت الإجراءات الأمنية، التي اتخذتها الحكومة البلجيكية، لمواجهة التهديدات الإرهابية، في تراجع معدلات الجريمة في العاصمة بروكسل خلال العام الماضي وبخاصة ما يتعلق بسرقة السيارات والنشل. وكان أبرز هذه الإجراءات، نشر الكثير من عناصر الشرطة والجيش في الشوارع، وحول الأماكن الاستراتيجية، وانخفضت أيضا الأرقام المتعلقة بعدد الاعتداءات ضد أفراد الشرطة في سنة 2016.
واتخذت السلطات البلجيكية حزمة إجراءات أمنية في أعقاب تفجيرات باريس، التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015، وجرى مضاعفة تلك الإجراءات في أعقاب التفجيرات التي ضربت بروكسل مارس (آذار) الماضي، ووفقا لوسائل الإعلام البلجيكية، انخفض معدل الجريمة في مدينة بروكسل بنسبة 8 في المائة عام 2016، وكان أكبر انخفاض في عدد من سرقة السيارات وحالات النشل.
ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض إلى وجود الشرطة أكبر في الشوارع على حد سواء خلال النهار والليل وبشكل مكثف.
وتجدر الإشارة إلى أن وجود جنود الجيش في الشوارع في مواقع استراتيجية أيضًا كان له تأثير على معدلات الجريمة في العاصمة. جدير بالذكر، أن عمدة مدينة بروكسل إيفان مايور دومًا ما يشدد على ضرورة التواجد الأمني في كل مكان في شوارع بروكسل، ولا سيما الحساسة والاستراتيجية منها.
من جهة أخرى، وفي الإطار نفسه، انخفضت الأرقام المتعلقة بعدد الاعتداءات ضد أفراد الشرطة في سنة 2016. ووفقا لتقارير إعلامية محلية في بروكسل، أعلن رودي فيرفورت، رئيس إقليم بروكسل المنتمي للحزب الاشتراكي، أن «هذه الاعتداءات سواء كانت جسدية أم لفظية، في انخفاض بالنسبة لمناطق العاصمة الست، رغم سياق التهديد الإرهابي».
ووفقا للمسؤول البلجيكي، ففي منتصف نوفمبر 2016، وإذا ما أخذنا الأشهر الاثني عشر الماضية: «كان هناك 1141 اعتداء مقابل 1393» التي حدثت قبل سنة، و1704 اعتداءات قبل عامين.
وقال رئيس الإقليم في رد على سؤال كتابي من النائب الإقليمي الاين ديستسكي، المنتمي لحزب حركة الإصلاح الفرانكفوني الليبرالي: «تظهر هذه الأرقام التي تستند إلى سنة كاملة، انخفاضا من هذا النوع من الاعتداء اللفظي أو الجسدي في السنوات الأخيرة».
ولكن النائب الليبرالي قدم بيانات أخرى، التي وفقا لها كان الاتجاه تصاعديا بدلا من ذلك، وأشارت تلك الأرقام إلى وجود 809 اعتداءات خلال النصف الأول من السنة وحده، حسب ما أشارت إليه صحيفة «لادورنيير ايير».
وأضاف النائب أن 809 حالات يعني «أكثر من أربعة اعتداءات ضد أفراد الشرطة يوميا»، مشيرا أيضا إلى الهجومين على أفراد الشرطة، ومنها الاعتداء بساطور على شرطيتين بشارلروا في أغسطس (آب) الماضي وآخر بمولنبيك في أكتوبر (تشرين الأول). وأضاف النائب أن «هذه الأرقام تنافس بالفعل أرقام سنة 2015».
من جهته، قال رئيس إقليم بروكسل: «على أي حال، تم في الوقت الراهن تدريب أفراد الشرطة ببروكسل على إدارة أعمال العنف». وأشار إلى أن نشرة تنص على أن كل شرطي: «يجب أن يتلقى تكوينا وتدريبا على السيطرة وعلى الحفاظ على الأمن. ولذلك؛ طورت المدرسة الإقليمية للشرطة برنامجا محددا للتدريب الأساسي يشمل 164 ساعة من التكوين في إدارة العنف، ونموذجا للتواصل بخصوص (كيفية مواجهة العنف)، ونموذجا يحفز على الحذر في وسائل الإعلام الاجتماعية وأخيرا ثماني ساعات مخصصة لإدارة الإجهاد والتي تتم خلالها مناقشة إشكالية العنف اللفظي». ويضيف «كما تم أيضا توفير عرض تكوين مستمر، يتكون من نموذجين في إدارة العنف اللفظي وثماني ساعات مخصصة لوسائل الإعلام الاجتماعية. كما يجب ملاحظة أن أفراد الشرطة وموظفي الشرطة يتلقون معدات معينة لمزاولة مهامهم الميدانية (مثلا السترة المضادة للرصاص، هراوة الشرطة والدرع)».
وفي أغسطس من العام الماضي قام شاب من أصول عربية يبلغ 33 سنة، مقيم بصفة غير شرعية ببلجيكا بالاعتداء على شرطيتين عند نقطة تفتيش تابعة لمركز الشرطة بشارلروا. وقُتل المعتدي فيما أصيبت إحدى الشرطيتين بجروح غير خطيرة. وغداة الاعتداء أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم، حسب ما ذكرته هيئة الدعاية لتنظيم داعش وكالة «أعماق».
ووصف وزير الداخلية جان جامبون حادث الاعتداء، بأنه حالة فردية، وشكك الوزير في تورط تنظيم داعش في الهجوم، الذي وقع بشارلروا جنوب البلاد، وحذر مما وصفهم بـ«المقلدون» الذين يشكلون خطرا، ومن الصعب على رجال الأمن مراقبتهم؛ لأنهم يفعلون أمورا يقلدون فيها تصرفات عناصر من «داعش»، دون أن يكون لهم خلفية جنائية.
وتحدث الوزير عن حادث شارلروا الذي نفذه شاب من أصول إسلامية من دون أوراق إقامة قانونية في البلاد، وقال أعتقد أن الأمر كان أقرب إلى «عمل معزول، وأعتقد أننا نواجه ظاهرتين مختلفتين. فربما هناك من جهة تنظيم داعش مع شبكة من الأشخاص المدربين، المسؤولين عن الهجمات الكبرى. ثم ربما هناك هذه الحالات المعزولة التي شهدتها بلادنا في بعض المدن».
ويضيف: «بطبيعة الحال، هذه الحالات المعزولة هي بالأساس أكثر تعقيدا لتتمكن أجهزتنا الأمنية من الكشف عنها. والخطر هم (المقلدون)، وهم الأشخاص الذين حاولوا القيام بالشيء نفسه والفرضية التي يجب التصديق عليها من خلال التحقيق الجاري هي أن حالة شارلروا عمل معزول». حتى إنه يذهب بعيدا حين يشير إلى أن «داعش» قد تعلن مسؤوليتها عن هجمات حتى من دون أن تكون متورطة بها بالفعل. يقول: «في نهاية المطاف، تنظيم داعش بنفسه لا يقوم بشيء آخر. فقد أعلن مسؤوليته عن الهجوم، وهو أمر سهل جدا بالنسبة له».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟