فرقة كركلا تعيد جمهورها إلى طريق الحرير

عرض نقل «سحر ليالي بعلبك» إلى بيروت

الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري على الخشبة بعد انتهاء العرض - جوانب من العرض - «سيلفي» نشرها عاصي الحلاني مع سعد الحريري معلقاً: «أحلى سيلفي مع أطيب قلب»
الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري على الخشبة بعد انتهاء العرض - جوانب من العرض - «سيلفي» نشرها عاصي الحلاني مع سعد الحريري معلقاً: «أحلى سيلفي مع أطيب قلب»
TT

فرقة كركلا تعيد جمهورها إلى طريق الحرير

الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري على الخشبة بعد انتهاء العرض - جوانب من العرض - «سيلفي» نشرها عاصي الحلاني مع سعد الحريري معلقاً: «أحلى سيلفي مع أطيب قلب»
الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري على الخشبة بعد انتهاء العرض - جوانب من العرض - «سيلفي» نشرها عاصي الحلاني مع سعد الحريري معلقاً: «أحلى سيلفي مع أطيب قلب»

من بعلبك انتقل عبد الحليم كركلا بفرقته إلى بيروت، ليجعل عمله «إبحار في الزمن على طريق الحرير»، الذي قدّم صيفًا، في القلعة التاريخية بمناسبة العيد الستين لمهرجاناتها، في متناول الجميع، لمدة ثلاثة أشهر.
حضور كبير، في الافتتاح مساء الجمعة، وحشد صاخب، تقدمه رئيس الجمهورية ميشال عون وعقيلته، ورئيس الوزراء سعد الحريري، وعدد من الوزراء والمسؤولين، وشخصيات فنية. إجراءات أمنية مشددة جدًا، واحتفاء أشبه بعيد يليق بما يحبه كركلا. وسط بهجة الاجتماع انطلق الحفل بكلمة قصيرة لمؤسس الفرقة وكبيرها عبد الحليم كركلا محتفيًا بالضيفين الكبيرين شادًا على يدهما في مهمتهما الصعبة. قال كركلا للرئيس عون: «ألفت بين القلوب، فتضافرت الجهود وأشرق فجر عهد جديد يفتح أبواب العالم...».
وتوجه إلى رئيس الوزراء بالقول إن «وجودك يا دولة الرئيس، يا شيخ سعد مع فخامة الرئيس ميشال عون، فرصة للبنان نفتح بها هذا العمل الإبداعي الذي يحكي قصة الإنسان اللبناني الذي حمل من فجر التاريخ حلمه باكتشاف الدنيا ليحاور الحضارات ويبحر في الزمن».
مع تعديلات في السينوغرافيا استوجبها اختلاف المكان، والانتقال من رحابة القلعة وضخامتها إلى دفء الفوروم، انطلقت القصة - الرحلة على طريق الحرير، من بعلبك التي تعاني ضائقة عيش تدفع بأبنائها إلى البحث عن مخرج، وتنطلق القافلة، راغبة في التثاقف والتعارف إلى عمان، أرض البحارة وابن ماجد، حيث قوارب الصيد والغناء والبحث عن الرزق... ومن ثم تحط القافلة في الهند لنستمتع بألحانها وملابسها الخلابة وبخورها وتوابلها التي تنكّه الأغنياء. كل محطة تستوجب أدواتها وديكوراتها التي استعان فيها المخرج إيفان كركلا بتقنية «البعد الثلاثي» ليمنح المشاهد هيبتها. كل بلد يستدعي أجواءه، وموسيقاه، ورقصاته، وحيويته التي عملت عليها اليسار كركلا مستعينة براقصين من عدد من البلدان، لتفي العرض حقه.
الوصول إلى الصين، إلى بكين وكزايان، الالتقاء بالحاكم، يمنح العرض مزيدا من الغنى الاستعراضي الباهر. تمر القافلة بفينيسيا أيضًا. فرصة لتغيير المشهد الشرقي إلى الأجواء الأرستقراطية الغربية بقصورها وخمائلها، وأقنعتها ومراوحها ورقصها المتهادي. المحطة الأخيرة قبل العودة إلى المنطلق هي فارس، التي تخرج أيضًا كنوزها واستعراضاتها. وكما جرت العادة فإن الرقص اللبناني هو مسك الختام، حيث يشارك، في العادة، الرائع عميد الفرقة عمر كركلا، الذي باتت وصلته الأخيرة، ودبكته منفردًا أو مع الفرقة هي ما ينتظره الجمهور ليصفق بحرارة.
أم تيمور (هدى حداد) التي صدح صوتها بأغنيات الضيعة، وجوبيتر (رفعت طربية)، والرجل الحكيم (غبريال يمين)، والوالي (جوزيف عازار)، ومستشار الوالي (إيلي شويري)، هم أعمدة هذا العمل الاستعراضي الراقص الذي وجد في طريق الحرير ذريعة فنية استثنائية للاستفادة بصريًا ومشهديًا من غنى الألوان والفنون والموسيقى، وليبقى المتفرج متأهبًا بانتظار جديد لا بد أن يطل عند كل محطة تصل إليها القافلة البعلبكية.
فاقت الملابس التي يصممها ويشرف عليها رئيس الفرقة، عبد الحليم كركلا، حتى الرقص نفسه جمالا. تكاد الأزياء تخلب أكثر من متابعة حركة المؤدين أنفسهم. فتنة للبصر الذي يتابع حيوية الخشبة حتى لا يكاد يعرف ما يجري عليها. 150 شخصًا على المسرح تتحدى اليسار كركلا نفسها بأن تحركهم برشاقة تجعلهم يعتلون الخشبة ويتحركون وينسحبون وكأنهم مجرد ريشة هبّت عليها الريح.
بدءًا من أول من أمس «فرقة كركلا» تنتظر عشاقها على خشبة «فوروم دو بيروت»، بعد افتتاح حافل، انتهى بتصفيق حار وبصعود رئيس الجمهورية ميشال عون إلى المسرح مع عقيلته والرئيس سعد الحريري، وقد ألبس كل منهما عباءة وإلى جانبهما أفراد عائلة كركلا، وانضم إلى الجمع الشاعر طلال حيدر والفنان عاصي الحلاني... ولعل أكثر ما لفت النظر في هذا الحفل، هو بقاء سعد الحريري على المسرح لفترة متعرفًا على أعضاء الفرقة، ملتقطًا صور السيلفي مع الفنانين، التي انتشر بعضها على وسائل التواصل، ونشر عاصي الحلاني واحدة من أجملها مع الرئيس سعد الحريري، معلقًا: «أجمل سيلفي مع أطيب قلب».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».