زوجان تركيان يهجران الحياة الصاخبة إلى «قرية القطط»

كان حلمًا ساعدهما على تحقيقه فيلم «فيلسوف المزرعة»

قرية القطط
قرية القطط
TT

زوجان تركيان يهجران الحياة الصاخبة إلى «قرية القطط»

قرية القطط
قرية القطط

حول زوجان تركيان قصة الفيلم السينمائي «فيلسوف المزرعة»، الذي حقق نجاحًا كبيرًا، إلى واقع تحقق من خلاله حلمهما بإنشاء قرية لجمع القطط الضالة والعناية بها في مدينة أنطاليا السياحية جنوب تركيا، لتتحول الفكرة إلى عمل مؤسسي، من خلال مشاركة جمعيات رعاية الحيوانات ومحبي الحيوانات الأليفة.
وتعد «قرية القطط» التي أسسها محمد وموشجان أورهان هي المبادرة الأولى من نوعها في تركيا لإقامة مجتمع للقطط التي تتجول في الشوارع، ولا تجد مأوى لها.
قصة حب محمد أورهان وزوجته للحيوانات تعود إلى الطفولة، وبعد زواجهما في إسطنبول راودتهما بقوة فكرة إنجاز عمل يخدم البيئة من جانب، ويوفر وسطًا آمنًا لقطط الشوارع من جانب آخر.
الزوجان أورهان عاشا في مدينة إسطنبول المزدحمة على أمل أن يأتي اليوم الذي ينفذان فيه حلمهما، ولمعت الفكرة في ذهنيهما عندما شاهدا الفيلم التركي «فيلسوف المزرعة»، الذي شكّل نقطة فارقة في حياتيهما.
الفيلم الذي قام ببطولته مفيد صاتشنتي، وحقق نجاحًا أدى إلى تقديم أربعة أجزاء منه حتى الآن يسرد قصة أكاديمي مثقف سئم حياة المدينة والأماكن المزدحمة، فيترك وراءه كل شيء ويتجه إلى الطبيعة، دفع الزوجين إلى بيع سيارتهما، والسفر إلى الجنوب، وتحديدًا إلى بلدة كونيا ألتي في محافظة أنطاليا، حيث استأجرا قطعة أرض على مساحة دونمين، وراحا يجمعان قطط الشوارع التي تبحث عن الدفء والطعام والشراب، وبدآ في شراء بعض الأخشاب والمستلزمات لنصب بيوت أطلقوا عليها اسم «فيلات» وأحواض مياه، فضلاً عن مرافق وألعاب أخرى للقطط.
يقول الزوج محمد أورهان: «بدأنا على مدار عامين كاملين بعد انتقالي من إسطنبول في توزيع الأطعمة والمياه في صناديق صغيرة كل يوم على جانبي الطرق، وفي أماكن تجمع القطط».
وأضاف: «شعرنا في المرحلة التالية بحاجتنا إلى بناء يجمع داخله جميع محبي الحيوانات الأليفة، وينظم أعمالهم، مما سيعود بالنفع على الحيوانات بشكل مباشر». وتابع: «أسسنا بالتعاون مع عدد كبير من محبي الحيوانات، جمعية حماية ورعاية حيوانات الشوارع في أنطاليا، وبدأنا تحت سقف الجمعية تطبيق حلمنا في إنشاء أول تجمع خاص لرعاية القطط في البلاد».
وعن الأيام الأولى للمشروع، أوضح أورهان أن فكرته جذبت عشرات من المتطوعين، عقب ترويجه لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلت ذلك مرحلة تجهيز أرضية الموقع وإزالة الأحجار والعوائق الطبيعية منه، فضلاً عن تشييد بضعة بيوت خشبية صغيرة للقطط. وأشار إلى أنه بعد إنهاء الاستعدادات وتجهيز الموقع بوسائل تدفئة بدأ هو وزوجته في جلب القطط إلى قريتهما، الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تجاوزت أعدادها الآن 100 قطة. وعبر أورهان عن سعادته لأن فكرة قرية القطط لاقت اهتماما وتعاطفا كبيرين من قبل الأهالي، لدرجة أن كثيرين راحوا يرسلون مبالغ مالية كبيرة دعما للمشروع، لكنه أكد أنه لم يقبل أي دعم مالي مباشر، لكنه طلب من الراغبين في تقديم الدعم زيارة المشروع وتنفيذ دعمهم بأيديهم على الأرض.
وأشار إلى أنه عند الحاجة إلى أطعمة أو أي مستلزمات أخرى يقوم بنشر الطلبات على حسابه وحساب زوجته على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الفور يأتي كثير من المتطوعين من محافظات مختلفة و«ننفذ معا ما نريد». وعن أنواع القطط التي تعيش في قريته، أوضح أن غالبية قطط القرية جُمعت من الشوارع إلى جانب أنواع أخرى مثل قطط النرويج، وفان (شرق تركيا) وأنقرة.
وقالت إحدى المتطوعات التي جاءت لزيارة القرية مع زوجها غنهما اتيا لطلاء بعض بيوت القطط والمساعدة في قضاء بعض احتياجات القرية: «إننا ننظم فعاليات في القرية باستمرار، ونشوي اللحم ونطهو أطعمة أخرى لنا وللقطط ونشعر بسعادة كبيرة وراحة أكبر وسط الطبيعة، ونقضي وقتًا ممتعًا في رعاية القطط».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».