الجامعة الأميركية في بيروت تطلق حملة «بكلّ جرأة»

أعلنت عن أكبر هبة تلقّتها منذ تأسيسها حتى اليوم

تانيا سمعان وكريمتها نور والدكتور فيليب خوري والرئيس فضلو خوري لحظة إعلان الهبة («الشرق الأوسط»)
تانيا سمعان وكريمتها نور والدكتور فيليب خوري والرئيس فضلو خوري لحظة إعلان الهبة («الشرق الأوسط»)
TT

الجامعة الأميركية في بيروت تطلق حملة «بكلّ جرأة»

تانيا سمعان وكريمتها نور والدكتور فيليب خوري والرئيس فضلو خوري لحظة إعلان الهبة («الشرق الأوسط»)
تانيا سمعان وكريمتها نور والدكتور فيليب خوري والرئيس فضلو خوري لحظة إعلان الهبة («الشرق الأوسط»)

أطلقت الجامعة الأميركية في بيروت حملة «بكل جرأة»؛ سعيًا إلى الريادة والابتكار والخدمة، معلنة خلالها عن أكبر هبة تلقّتها منذ تأسيسها حتى اليوم. وجاءت هذه الحملة كمناسبة لإطلاق اسم مارون سمعان على كلية الهندسة والعمارة في الجامعة، بعد أن تقدّمت المؤسسة التي تحمل اسمه بهبة كبرى دفعت بمجلس الأمناء في الجامعة الأميركية لرفع هدف الحملة من 500 مليون دولار إلى 650 مليون دولار.
جرى الاحتفال بهذه المناسبة في قاعة شارلز هوسلر في حرم الجامعة تخلله حفل عشاء حضره رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ممثلاً عن رئيس الجمهورية ميشال عون، إضافة إلى النائب علي بزي (ممثلاً عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي). كما حضره عدد من الوزراء: «مروان حمادة وغسان حاصباني وجان أوغاسبيان وغطاس خوري وأيمن شقير وعناية عز الدين ورائد خوري»، ورئيسا الحكومة السابقان فؤاد السنيورة وتمام سلام، والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الجمهورية اللبنانية إليزابيث ريتشارد، وغيرهم من أهل الإعلام والسلكين الدبلوماسي والجامعي.
واستهلّ الحفل بكلمة ألقاها رئيس مجلس الأمناء في الجامعة فيليب خوري إثر افتتاحه بالنشيدين الوطني اللبناني والخاص بالجامعة الأميركية. وأشار في كلمته عن افتخاره واعتزازه بما تشكّله الجامعة الأميركية من أهمية في المنطقة منذ تأسيسها حتى اليوم. ومما قاله: «يتوجّب علينا أن نضمن أن الجامعة الأميركية في بيروت ستستمر بتحفيز الأجيال القادمة لتُنبت القادة المفكرين والخلاقين والملهمين، الذين تتوق هذه المنطقة كما العالم أجمع لرؤيتهم في وقت تشتدّ فيه الحاجة الماسة إلى هؤلاء المواطنين المستنيرين والقادة الخدومين». وختم: «بمساعدتكم، يمكننا تحقيق رؤية رئيسنا الجديد وفريق قيادته الطموحة. وسواء من خلال دعمكم المالي الخاص السخي أو بإعطاء منحة من وقتكم وشغفكم، فنحن بحاجة إلى مؤازرتكم لمساعدتنا على تحقيق الأهداف التغييرية لهذه الحملة».
بعدها تحدّث رئيس الجامعة فضلو خوري، قائلاً: «الشدائد تتكاثر، والجامعة الأميركية في بيروت هي ملاذ. ولهذا السبب أطلقنا حملة (بكل جرأة)؛ سعيًا إلى الريادة والابتكار والخدمة. ولهذا نسعى لجمع خمسمائة مليون دولار. حتى نتمكن من تعليم أعداد أكبر من أي وقت مضى من الطلاب الجديرين الذين لا يستطيعون تحمل نفقات التعليم لدينا، وحتى نتمكن من تلبية حاجة مجتمعنا الماسة إلى الابتكار وريادة الأعمال التي تشتد الحاجة إليها مرة أخرى في مجتمعنا، وحتى نتمكن من خدمة أعداد أكبر من مواطنينا المحتاجين وغير المقتدرين. نحن لسنا مجرد مربّين للطلاب. نحن نموذج لمجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا وتعددية ونخدم كمثال للبنان والعالم العربي». وتابع أن «طموحنا يفوق ما حلمنا به سابقًا في تحقيقه».
وتم خلال الحفل عرض ريبورتاج مصور عن المهندس مارون سمعان وأهم إنجازاته، ليعتلي بعدها أفراد عائلته (زوجته وأبناؤه) المنصّة، حيث ألقت ابنته نور كلمة بالنيابة عن والدها الموجود في ولاية بوسطن الأميركية.
وأكد الدكتور عماد بعلبكي نائب رئيس قسم التقدّم في الجامعة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذا النوع من الحملات سبق وقامت به الجامعة الأميركية في بيروت بين سنوات 2002 و2007، وأن الحملة الحالية ستستمر لخمس سنوات مقبلة بهدف إكمال الرؤية الجديدة التي وضعتها الجامعة في برامجها الأكاديمية والصحيّة، وأخرى تتعلّق في تطوير البنى التحتية الخاصة بها. وأشار إلى أن الجامعة الأميركية في بيروت كانت قد جمعت حتى القريب العاجل مبلغ تبرعات من أصدقائها وخرّيجيها وصل إلى 275 مليون دولار، بهدف أن تبلغ مع اكتمالها مبلغ 500 مليون دولار، إلا أن الهبة التي تقدّمت بها مؤسسة مارون سمعان ساهمت في رفع سقف هذه التبرّعات إلى 650 مليون دولار، منوّهًا بأن هبة أخرى ستتسلمّها الجامعة في المقبل، فتشكّل ثاني أكبر هبة تلقّتها منذ تأسيسها حتى اليوم.
وسادت أجواء موسيقية مختلفة الحفل، بحيث قدّمت فرقة (طيارة ورق) المؤلّفة من طلاب وخريجين وعاملين في الجامعة، أغاني لبنانية بينها للراحل ملحم بركات وأخرى لفيروز ووديع الصافي. كما صفّق الحضور طويلاً لفريق «En Fa Mi» الغنائي الذي قدّم أغنية «آبندنس»، مفتتحًا فيها الحفلة، وقد كتب كلماتها رئيس الجامعة فضلو خوري. كما تخللّ المناسبة وصلات أوبرالية للتينورايليا فرنسيس لاقت صدى طيبًا من قبل الحضور.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».