ذهب المسلحون واستنفر الفنانون لاستعادة طرابلس

أول الغيث.. «مهرجان سينمائي» و«أوركسترا موسيقية» مع «برايك دانس»

كورال الفيحاء استمر في تدريباته تحت زخ الرصاص  -  أحد أنشطة جمعية فنون متقاطعة الثقافية
كورال الفيحاء استمر في تدريباته تحت زخ الرصاص - أحد أنشطة جمعية فنون متقاطعة الثقافية
TT

ذهب المسلحون واستنفر الفنانون لاستعادة طرابلس

كورال الفيحاء استمر في تدريباته تحت زخ الرصاص  -  أحد أنشطة جمعية فنون متقاطعة الثقافية
كورال الفيحاء استمر في تدريباته تحت زخ الرصاص - أحد أنشطة جمعية فنون متقاطعة الثقافية

اليوم الخميس يفتتح في «مركز الصفدي الثقافي» «مهرجان طرابلس للأفلام» الأول، بعد ثلاثة أسابيع فقط على توقف المعارك الحربية المنهكة بين «جبل محسن» و«باب التبانة» التي دامت ست سنوات، دمرت حياة المدينة. والمهرجان، الذي يرعاه وزير الثقافة ريمون عريجي ويرأسه فخريا المخرج اللبناني - العالمي جورج نصر، وصله 59 فيلما من 19 بلدا، اختير منها 32 فيلما سيجري عرضها لغاية 29 من الحالي، ضمن ثلاث فئات وهي «الوثائقي الطويل» و«الوثائقي القصير» و«الأنيميشن» وتتنافس على ثلاث جوائز هي الذهبية والفضية والبرونزية التي ستكون عبارة عن جوائز نقدية مجزية.
وسيعرض في حفل الافتتاح فيلم قصير أعده المخرج جورج نصر لوزارة السياحة اللبنانية في سبعينات القرن الماضي، يصور مدينة طرابلس في حقب ذهبية.
يذكر أن نصر الذي وصل إلى العالمية هو طرابلسي الأصل خرج من أسواق المدينة وتربى في أزقتها، وأوصله طموحه إلى هوليوود ومهرجان كان، وها هو يعود إلى مدينته الجريحة ليساهم في استنهاضها.
الأفلام التي تعرض جديدة، جرى اختيارها من قبل لجنة يرأسها إتيان لويس، مدير المركز الثقافي الفرنسي، الذي لعب دورا كبيرا في دعم هذا المهرجان، لحماسته للمدينة وحبه لها. ومن الأفلام التي ستعرض «غزة كولينج» و«حدن»، «أولمست شاينا»، الفيلم الإيراني «نامو» والفرنسي المغربي «سند سعيد هوم» و«عنزوف» للبنانية ليدا كبارة، وكذلك فيلم عن طرابلس بعنوان «آب 23 طرابلس» لإلياس خلاط. وهو حول الطريقة التي تعاملت بها مدينة طرابلس مع انفجاري التقوى والسلام اللذين وضعا أمام مسجدين ظهر الجمعة وانفجرا بشكل متزامن، وأوديا بحياة أكثر من خمسين شخصا ومئات الجرحى.
وإلياس خلاط هو مخرج ومؤسس جمعية «تريبولي فاونديشن» التي تنظم المهرجان السينمائي، وعمر الجمعية هو من عمر المعارك، وهو أحد الأشخاص الذين قاوموا الدمار والبؤس بالكاميرا والفنون والأنشطة المتواصلة التي كان ينظمها في طرابلس، وعمل على تنظيم المهرجان منذ مدة طويلة ليخرج إلى النور اليوم وقد هدأت أصوات الرصاص. والرجل هو دينامو لحركة الحفاظ على «قصر نوفل»، وكذلك استعادة محطة القطارات الشهيرة في طرابلس التي يريد لها أن تستعيد الحياة.
واللافت أن المهرجان السينمائي خصص ليلتين هما 25 و27 لأهالي منطقتي جبل محسن وباب التبانة، حيث ستنصب شاشة كبيرة على خط التماس السابق الذي شهد أضرى المعارك خلال السنوات الماضية، وستعرض كل ليلة ثلاثة أفلام لأهالي المنطقة.
وكانت طرابلس بمجرد أن أعلن تسلم الجيش لمناطق النزاع وتنظيفها، شهدت احتفالا رياضيا كبيرا نظمته «مدرسة روضة الفيحاء»، كان أشبه بكرنفال كبير، عبر خلاله الأهالي عن بهجتهم بعودة الحياة الطبيعية.
كشف ما حدث بعد اختفاء حفنة من المسلحين وهروبهم، الوجه الحقيقي لطرابلس وإرادة الحياة عند أهلها. جمعية «فنون متقاطعة» التي جمعت في مقرها شبابا من المناطق الأكثر فقرا، لم تتوقف عن العمل طوال السنوات الماضية. هناك من يغني الراب ومن يرقص ومن يعزف أو يرسم. هؤلاء نصبوا ورشهم في كل مكان، أحيوا مناسبات، أنجزوا جداريات، سجلوا أسطوانات، مشوا في تظاهرات، وذهبوا إلى بيروت لينادوا من خلال عروضهم بعودة السلام إلى مدينتهم. ومنذ أيام نظمت الجمعية حفلا قدمت خلاله كل هذه العروض التي احتضنها الشارع في أحلك الأوقات، مؤطرة من قبل كمال عباس وبراق صبيح. رأينا على المسرح شبانا موهوبين وآخرين أقل موهبة، في أمس الحاجة للتدريب للوصول إلى الاحتراف. لكن ميزة «فنون متقاطعة» أنها فتحت أفقا، في زمن حالك، شجعت نهجا آخر في التعبير، ساندت يافعين على فهم مختلف للحياة. بين هؤلاء من بلغ مستوى رائعا في رقص البريك دانس، وفي غناء الراب. منهم من فتحت لهم آفاق ليسافروا ويشاركوا آخرين أحلامهم. على «مسرح الرابطة الثقافية» التي ذكروا أنها كانت مكانا لعروض قدمها كبار مثل روجيه عساف ونضال الأشقر وجواد الأسدي، قالوا أيضا، على طريقتهم، إنهم بحاجة إلى ملعب ومدرسة وإنهم باحثون عن تحقيق أحلام صغيرة، لكنها بالنسبة لهم خلاص وطوق نجاة.
الشاب سدير كان يقطع الطريق من بيته في شارع المئتين سيرا على الأقدام إلى منطقة الجميزات، بينما الرصاص الطائش والقذائف تمطر المدينة ليتدرب مع عشرات آخرين من «كورال الفيحاء» على أداء الأغاني بالطريقة الجماعية التي خلبت الألباب في مهرجانات كبرى حول العالم. آخرون كانوا يأتون من مناطق أكثر خطورة غير مبالين بما يمكن أن يتعرضوا له. يقول سدير: «إن التحدي كان جميلا واستكمال الغناء على وقع الرصاص كان يمده بكثير من الإرادة والقوة». «كورال الفيحاء» ماركة لبنانية فنية مسجلة في المهرجانات العالمية اليوم، ولم تزده الحروب العبثية الطرابلسية إلا إصرارا وثباتا.
صمت الرصاص إذن، وهرب المسلحون، واستنفر الفنانون الطرابلسيون بكل ثقلهم لاستعادة الساحات والشوارع والمسارح والأزقة الصغيرة. منذ أيام أطلق مشروع الفرقة الموسيقية الأوركسترالية، وجرى اختيار مجموعة أولى من الشبان الذين سيجري تدريبهم مجانا وتزويدهم بالآلات الموسيقية. المشروع جاد ولا شيء سيقف في وجه تطويره، ولا تزال الأبواب مفتوحة لضم المزيد من محبي تعلم الموسيقى.
وإحدى المبادرات الجميلة هي التي حملت اسم «من الفيسبوك إلى الواقع» حيث تجمع ما يقارب 500 شخص منذ أيام بدعوة من فدى الحمصي وواصف عدرة في غرفة التجارة والصناعة في طرابلس، للانتقال من مرحلة اللقاءات الافتراضية بين أبناء المدينة الواحدة إلى التعارف الحي، في رغبة من الجميع لبلورة أفكار جديدة وخلاقة.
مهرجان الأفلام إذن في دورته الأولى يبصر النور، والفرقة الموسيقية انطلقت، وجمعية «فنون متقاطعة» إلى مزيد من التطوير، و«كورال الفيحاء» يستعد لجولة أوروبية، و«كورال روضة الفيحاء» سافر ليمثل مدينته وكل لبنان في تركيا، ويوم 26 يصادف الاحتفال بتحرير طرابلس من الصليبيين، سيشهد «شارع عزمي» أحد الشوارع الرئيسة احتفالات فنية وتجارية، تعيد للشارع ألقه. وداعا للحرب (يقول أحد التجار) وأهلا بالفنانين.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».