مهرجان الفنون الملتزمة يطل على تونس بأربع سهرات مرموقة

مسك ختامها عرض لفرقة «رحالة» اللبنانية

الفنان اللبناني سامي حواط
الفنان اللبناني سامي حواط
TT

مهرجان الفنون الملتزمة يطل على تونس بأربع سهرات مرموقة

الفنان اللبناني سامي حواط
الفنان اللبناني سامي حواط

عاشت مدينة صفاقس التونسية على وقع أربع سهرات فنية مميزة ضمن الدورة الأولى لمهرجان الفنون الملتزمة الذي نظم بمناسبة احتفال المدينة بتظاهرة «صفاقس عاصمة للثقافة العربية 2016» الأسبوع الماضي وانتهت فعالياته أمس.
وكانت السهرة الختامية رائقة أحيتها فرقة «رحالة» لسامي حواط من لبنان حيث تمتع متابعو المهرجان بحفلات تعمق الجانب الإنساني وتهتم بكثير من القضايا الوطنية والإقليمية والإنسانية عبر الكلمة الهادفة واللحن الملتزم والأداء الراقي. ويعتبر حواط من رواد الأغنية ذات الطابع السياسي في العالم العربي وعرف بدفاعه القوي عن الفن بمختلف معانيه ولغاته. وقد اشتهر سامي حواط بالتزامه السياسي وغنى عن الفوارق الطبقية والفقر والتطرف الديني، والحب المحرم، والمشكلات اليومية.
وبشأن هذه التظاهرة الثقافية المختلفة عن باقي الأنشطة، قالت هدى الكشو منسقة تظاهرة «صفاقس عاصمة للثقافة العربية 2016»، إن المهرجان قدم أربعة عروض لمجموعات موسيقية آلت على نفسها أن تتغنى بالحرية والنضال لأجل الكرامة والقضايا العادلة منها ثلاث مجموعات تونسية تفاعلت سواء في أسمائها أو اختياراتها الغنائية مع الأغنية العربية الملتزمة ومبدعيها ورواد الكلمة الهادفة. وأكدت أن هذه السهرات الفنية تأتي في سياق احتفالات تونس بثورة 2011 المشبعة بالقضايا التي شغلت وما زالت تشغل الجماهير على حد تعبيرها.
وإضافة إلى الموسيقى الغنية بالمعاني الإنسانية، تضمن مهرجان الأغنية الملتزمة فقرة علمية تبحث عن التلاقح الفكري بين المشاركين من مفكرين وفنانين عبر مائدة مستديرة محورها «الفنون الملتزمة... إبداع ورسائل».
وقدمت فرقة «الكرامة» بقيادة التونسي سمير إدريس أغاني ثمنت معاني الحرية وأعلت شأن الكادحين وغنت لفلسطين والعروبة. وقد قضت هذه الفرقة الموسيقية أكثر من ثلاثة عقود في الغناء الملتزم وقدمت خلال السهرة باقات غنائية من مختلف الأقطار العربية ولمختلف رواد الأغنية الملتزمة مثل المصري الشيخ إمام وفرقة العاشقين الفلسطينية.
أما مجموعة سيد درويش بقيادة التونسي زهير اللجمي، فقد انتهجت نفس النهج ورددت أغاني تنتصر للثقافة التقدمية البديلة عن الثقافة السائدة من أجل التحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي. وتغنت بقصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش وشعراء الحركة الوطنية التونسية ومسيرة التحرر الوطني الفلسطيني.
ويعرف التونسيون جيدًا فرقة الفنان التونسي الأزهر الضاوي فقد تغنت طوال سنوات لنضالات العاملين في المناجم ومقاطع استخراج مادة «الفوسفات» فيما يعرف في تونس بمناطق الحوض المنجمي (جنوب غربي تونس) وتفاعل الحاضرون مع أغنية «يا شهيد» التي أداها الفنان الضاوي خلال ثورة الخبز في تونس التي تعود إلى سنة 1984. وليس أفضل من الفن والموسيقى للتذكير بالحقوق المسلوبة كالأراضي الفلسطينية التي بدورها حازت على نصيبها في سجل الأغاني التي رددتها مجموعة الأزهر الضاوي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».