صناعة القوارب الخشبية في طريقها للانقراض بتركيا

لا يزال يفضلها الصيادون في منطقة البحر الأسود

صانعو القوارب الخشبية باتوا قلة في تركيا
صانعو القوارب الخشبية باتوا قلة في تركيا
TT

صناعة القوارب الخشبية في طريقها للانقراض بتركيا

صانعو القوارب الخشبية باتوا قلة في تركيا
صانعو القوارب الخشبية باتوا قلة في تركيا

يشكل صيد الأسماك في تركيا صناعة وهواية ومصدر رزق أيضًا لآلاف الصيادين الصغار الذين يخرجون بقواربهم الصغيرة للصيد وبيع ما يصطادون.
ولن يتعب هواة الصيد كثيرًا من أجل الاستمتاع بهويتهم المفضلة، سواء بالصيد في المياه العذبة أو المالحة، إذ يوجد في تركيا رحلات بحرية للجزر من أجل ممارسة هواية الصيد تختلف من حيث السعر وأماكن الأسماك الكبيرة والصغيرة، فالأسماك الكبيرة تتطلب رحلات أغلى من الأسماك الصغيرة، وأيضًا أماكن القواقع البحرية تختلف أسعار الصيد فيها عن أسعار مناطق صيد الأسماك.
وعلى الرغم من تطور صناعة قوارب الصيد، وتقدم التقنيات الحديثة فيها، فإن صيادي السمك في ولاية جريسون، في منطقة البحر الأسود (شمال تركيا)، لا يزالون يفضلون القوارب الخشبية يدوية الصنع، ويحافظون عليها حتى لو كان ذلك من خلال عدد قليل من المصنعين في الوقت الحالي.
وبات عدد المتخصصين في صناعة هذه القوارب قليلاً؛ يصنعون قوارب يتراوح طولها بين 4.5 متر و12 مترًا، إضافة إلى المجاديف حسب طلب الصيادين.
ويفضل صيادو منطقة شرق البحر الأسود القوارب الخشبية المصنعة يدويًا، حيث يتم سنويًا تصنيع مئات القوارب من خلال المتخصصين في صناعتها الموجودين في المنطقة.
ومن بين هؤلاء نجدت أوزيازجي الذي يعمل في مجمع مركز كوياملي للأسماك، ويمتلك ورشة لتصنيع القوارب الخشبية، ويقول إنه يعمل في هذه الحرفة منذ 26 عامًا، عندما كان يعمل في صيد الأسماك، حيث تعلم حرفة تصنيع القوارب الخشبية، وأصبحت هي مهنته لاحقًا.
وأضاف أنه لم يكن هناك معلمون حرفيون بشكل كبير، ومع اهتمامه الشديد بالمهنة، تعلمها مطورًا نفسه مع الزمن، لتتحول الحرفة إلى مهنة بالنسبة له.
وبالنسبة للقوارب التي تصنع يدويًا في ورشته، أشار إلى أنه يلبي طلبات زبائنه من القوارب التي يتراوح طولها من 4.5 إلى 12 مترًا، وأنهم يركزون في طلباتهم على القوارب الصغيرة المناسبة للصيادين.
وقال إن القارب الواحد يستغرق في صناعته ما بين 20 يومًا و3 أشهر، وذلك لأن القوارب تصنع يدويًا بشكل كامل، فهي بحاجة إلى وقت للتسليم، فالقارب الصغير يستغرق 20 يومًا للتسليم، ولكن القوارب التي يتراوح طولها من 10 إلى 12 مترًا بحاجة إلى 3 أشهر للانتهاء منها وتسليمها. ولفت إلى أن هذه المهنة في طريقها إلى الانقراض، فلم يعد هناك من يقبلون على تعلمها، في ظل انتشار القوارب الحديثة التي تعمل بالموتور.
ويعمل محمد غول في صناعة وإصلاح القوارب الخشبية، إلى جانب إنتاج القوارب العادية وقوارب الرحلات وقوارب الصيد بأحجام صغيرة، ويقول إن صيادي السمك في البحر الأسود، ورغم التطور التقني، فإنهم يفضلون القوارب الخشبية المصنعة يدويًا، ولا يستغنون عنها، ولكن لعدم توفر ظروف العمل المناسبة، فإن الطلبات التي تصلهم لا يمكن تلبيتها جميعًا أحيانًا.
ولفت غول إلى أن الصعوبة تكمن أحيانًا في طلب الصيادين لهذه القوارب، والصعوبة في تلبيتها، فإمكانيات الورشة محدودة، وظروف العمل ليست مناسبة بالشكل المطلوب، فلذلك يصعب تلبية الطلبات الواردة، بل يتم تصنيع عدد محدد من القوارب في ورشتهم.
وتتمتع تركيا بعدد من الإطلالات البحرية على عدد من البحار والبحيرات والأنهار، منها بحر مرمرة والبحر الأسود والبحر المتوسط وبحر إيجه، لذلك يكثر فيها صيد الأسماك، ومن أهمها أسماك السلمون الأحمر والقاروص والجران والسردين والدنيس والبوري الأحمر والدنيس الأحمر وقليل من التونة.
وينتشر في المياه العذبة سمك الكراكي وسمك السلور، وغيرها الكثير من الأسماك المغذية، إلى جانب الصيد البري في عدد من الأماكن الجبلية التي تتمتع بها تركيا، ولكن الصيد البري أصبح غير متاح الآن للمحافظة على الحيوانات من الانقراض.
ويتم إصدار تصاريح بالصيد في المناطق غير المحظورة، وفي المناطق غير العسكرية، لهواه صيد الأسماك، باستخدام المعدات غير التجارية وشباك الصيد التي لا تزن أكثر من 5 كيلوغرامات. وهناك شروط للصيد لا بد من الالتزام بها للمحافظة على الثروة السمكية، إذ إن الصيد التجاري يكلف الأجانب والسياح عقوبات وغرامات شديدة في بعض المناطق. ويتركز صيد الأسماك في المياه المالحة في أواخر الصيف إلى أوائل الشتاء، حيث تقترب الأسماك من المياه المالحة والشاطئ. وفي فصل الشتاء، يتراجع السمك إلى المياه العميقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».