فنانو «الحلية الشريفة» يتقابلون في إسطنبول

نمط من الفن الخطي نشأ في تركيا قبل نحو 3 قرون

مخطوطات من معرض أقلام نذرت نفسها للرسول («الشرق الأوسط») - لوحة من المعرض («الشرق الأوسط»)
مخطوطات من معرض أقلام نذرت نفسها للرسول («الشرق الأوسط») - لوحة من المعرض («الشرق الأوسط»)
TT

فنانو «الحلية الشريفة» يتقابلون في إسطنبول

مخطوطات من معرض أقلام نذرت نفسها للرسول («الشرق الأوسط») - لوحة من المعرض («الشرق الأوسط»)
مخطوطات من معرض أقلام نذرت نفسها للرسول («الشرق الأوسط») - لوحة من المعرض («الشرق الأوسط»)

يلتقي في مدينة إسطنبول حاليا وعلى مدى شهر محبو الفن، وبخاصة لوحات الخط والأعمال الفنية التي تروي صفات وأخلاق النبي محمد صلي الله عليه وسلم من خلال معرض «الحلية الشريفة» الذي انطلق الأسبوع الماضي تحت عنوان: «أثر أقلام من نذروا أنفسهم للرسول الكريم».
ويشهد المعرض نحو 25 مخطوطة يشارك بها فنانون من دول عدة، منهم الفنان التركي فؤاد بشار المختص بفن الخط والإبرو أو الرسم على الماء، الذي يعمل في مجال الخط منذ عام 1976 والحلية الشريفة منذ 1977 وحتى الآن.
وللفنان التركي مع الخط وفن الإبرو قصة عشق كبيرة؛ حيث ترك مهنة الطب من أجل سبيل احتراف هذا الفن، ويؤكد أنه تأكد من صحة قراره وهو يشارك في المعرض بعملين.
وفن الإبرو، أو ما يعرف في تركيا بالرسم على الماء، هو إبداع تشكيلي يدوي تقليدي آسيوي الأصل، اكتشفه التجار المسلمون منذ أكثر من ألف عام في تركمانستان شمال الصين ونقلوه إلى إيران.
ويقول بعض الخبراء، ومنهم أستاذ الخط والإبرو التركي، فؤاد بشار، إن التجار نقلوا هذا الفن إلى تركيا حيث اهتمت به الدولة العثمانية ومن ثم انتشر في باقي بلدان العالم، وبخاصة في أوروبا الغربية.
والإبرو كلمة فارسية تعني الغيوم أو السحاب، وباللغة التركية تعني حاجب العين أو الورق الملون والمجزع، أو الورق والقماش الملون بألوان مختلفة بشكل مموج يشبه حاجب العين، كما تجيء في التركية مرادفا لمعنى الورق أو القماش الملون الذي يستخدم في تغليف الكتب والدفاتر.
وما يميز هذا الفن بساطته في كل تفاصيله حيث يحتاج الفنان إلى حوض من الزنك مستطيل الشكل، حوافه ملساء تمكن من انسياب أي ورقة من الحوض دون خدوش، وإلى ماء يخلط بمادة «الخفرة» وهناك من يطلق عليها الكترة، وهي مادة تؤخذ من ساق عشبة تعرف باسم عفان، ومن أغصانها الكبيرة، وتترك المادة السائلة منها حتى تتصلب ثم تطحن لتستعمل في تقوية كثافة الماء.
واللوحات المعروفة في تركيا بـ«الحلية الشريفة» تستغرق في كتابتها زمنا يختلف من شخص لآخر، ويرتبط في الأساس بحجمها، فالأعمال كبيرة الحجم تأخذ وقتا في العمل.
والحلية الشريفة، نمط من الفن الخطي نشأ في مدينة إسطنبول قبل نحو 3 قرون، وكان من الأنماط الشائعة للخط العربي ذي النمط العثماني الكلاسيكي، وتعرض الحلية أخلاق النبي صلي الله عليه وسلم وصفاته متخذة شكل تصميم هندسي مزخرف.
ويقول الخطاط التركي سيد أحمد، وهو من مدينة بورصة شمال غربي تركيا، إنه بدأ فن الخط في عام 2000، وله مخطوطة خطها منذ خمس سنوات، يشارك بها في معرض إسطنبول، وهي مطابقة للنسخة التي خطها الخطاط العثماني الشهير حافظ عثمان.
وأضاف أحمد أن رسم شمائل الرسول الكريم محرمة في الدين الإسلامي، لذلك فهم يجسدونها بالكلمات والكتابة وهو ما أوجد الحلية الشريفة، وفي زمن الدولة العثمانية استخدمت الحلية الشريفة عامة لحفظ الناس من الحرائق والآفات، وفي السنوات الأخيرة، عاد التوجه إلى هذه المخطوطات، وبات الناس يفضلونها من جديد.
ونصح الخطاط التركي محبي كتابة الحلية الشريفة بأن «يحبوا هذا الفن ويجتهدوا فيه كثيرا، فالموهبة تأتي في المرتبة الثانية فيه، فالأهم هو حب الفن، ومن دون ذلك لا يمكن الاشتغال به».
وأضاف: «هناك كثير من الأصدقاء الموهوبين، ونظرا لعدم إظهارهم الاهتمام اللازم والمطلوب ولأنهم لم يحبوا هذا الفن، لم ينجحوا به، بينما كانت هناك مواهب ضعيفة لكنها محبة للفن فبرعت فيه، رغم أنه يأخذ وقتا أطول منهم».
أما الفنان محمد ماغ، أحد المشرفين على المعرض، الذي يعرض فيه بعض مخطوطاته أيضا، فقال إنه يعمل في هذا الفن منذ 20 عاما، لافتا إلى أن مخطوطاته تتضمن مرحلة أكاديمية وأخرى فنية تعليمية، وأنه واصل على نهج الفنانين الذين تعلم على أيديهم وبدأ به في مدينته، أرضروم شمال شرقي تركيا، قبل أن يستقر في إسطنبول، ويعمل فيها منذ عام 2000.
وأشار إلى أنه من المؤسسين والإداريين في المعرض الذي يتضمن 25 مخطوطة، كل واحدة منها لها تصميم مختلف، ومن بلدان كثيرة حيث تمتزج الحلية مع الثقافة المحلية للبلدان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».