إسرائيل تتخوف من تسرب معلومات حساسة إلى إيران

في أعقاب أنباء عن اختراقات روسية

إسرائيل تتخوف من تسرب معلومات حساسة إلى إيران
TT

إسرائيل تتخوف من تسرب معلومات حساسة إلى إيران

إسرائيل تتخوف من تسرب معلومات حساسة إلى إيران

على الرغم من حماس حكومة اليمين الإسرائيلي لعهد دونالد ترامب في البيت الأبيض، كشفت مصادر سياسية وعسكرية في تل أبيب عن تخوف من اختراق روسي يترك أثرا سلبيا وأضرارا على المصالح الإسرائيلية، وقالت هذه المصادر إن «دخول ترامب القريب إلى البيت الأبيض، يقض مضاجع جهات الاستخبارات الإسرائيلية».
وأضافت أنه «في نقاشات مغلقة أجريت مؤخرا، تم طرح التخوف من تسلل معلومات استخبارية إسرائيلية، وطرق العمل والمصادر التي تم كشفها خلال العقد والنصف عقد الأخيرين، أمام جهات الاستخبارات الأميركية، لروسيا، ومن ثم إلى إيران». ويرجع سبب القلق، وفقا لتلك المصادر، إلى «الشبهات بوجود علاقات غير معلن عنها، بين الرئيس المنتخب دونالد ترامب أو المقربين منه وبين الكرملين، الذي توجد علاقات بين عملائه والجهات الاستخبارية في طهران». هذه المخاوف التي بدأت مع انتخاب ترامب، ازدادت في أعقاب اللقاء الذي عقد، مؤخرا، بين جهات من الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية؛ فخلال اللقاء، حسب ما قالته الجهات الاستخبارية الإسرائيلية، أعرب نظراؤهم الأميركيون عن اليأس إزاء انتخاب ترامب الذي يكثر من التهجم على الاستخبارات الأميركية، وقالت الجهات الأميركية للإسرائيليين إن وكالة الأمن القومي الأميركية تملك «معلومات على مستوى بالغ الأهمية» تفيد بأن أجهزة الاستخبارات الروسية FSB وGRU هي التي اخترقت حواسيب الحزب الديمقراطي خلال الحملة الانتخابية وسربت معلومات حساسة إلى موقع «ويكليكس» التي سببت الضرر لهيلاري كلينتون.
كما قالت الجهات الأميركية إنها تعتقد أن بوتين «يملك رافعات من الضغط» ضد ترامب، لكنها لم توضح ما المقصود. وكما يبدو، فقد قصدوا ما تم نشره حول المعلومات المحرجة التي جمعتها المخابرات الروسية بهدف ابتزاز الرئيس المنتخب.
ووفقا للمصادر: «فقد لمح الأميركيون إلى نظرائهم الإسرائيليين، بأن عليهم، ابتداء من 20 الحالي، يوم أداء ترامب اليمين الدستورية، الحذر من تحويل المعلومات الاستخبارية إلى البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الخاضع للرئيس». وحسب ادعاءات الإسرائيليين الذين شاركوا في اللقاء، فإن الأميركيين أوصوهم بعدم الكشف عن مصادر حساسة لرجال الإدارة الجديدة، طالما لم يتضح بعد بأن ترامب لا يرتبط بروسيا ولا يخضع للابتزاز، وذلك تخوفا من وصول المعلومات إلى الإيرانيين. وقالوا: «إذا كانت أسرار إسرائيل المتوفرة لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية غير محفوظة، فإن هذا يعني تشكيل خطر شديد على أمن الدولة، وبخاصة أن التعاون بين جهات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية اتسع وتضخم منذ بداية سنوات 2000، وقاد ذلك من الجانب الإسرائيلي رئيس شعبة الاستخبارات، في حينه، أهرون زئيفي فركاش (الذي حصل على وسام تقدير من وكالة الأمن القومي الأميركية) ورئيس الموساد مئير دغان وخليفته في المنصب تمير باردو. وحسب مصادر أجنبية، فقد تم توجيه غالبية العمليات المشتركة بين الطرفين، ضد إيران، وبعضها ضد ما يسمى «حزب الله» وحماس. وخلال العقد السابق تعززت العلاقات بشكل أكبر على خلفية العلاقات الوثيقة بين رئيس الحكومة الأسبق، آريئيل شارون وخليفته إيهود أولمرت، وبين الرئيس السابق جورج بوش. وفي 2008، حصل التعاون الاستخباري بين إسرائيل والولايات المتحدة على نوع من الرسمية، الذي انعكس في توقيع أول اتفاق رسمي بين الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، ينص على التعاون الشامل وكشف المصادر وطرق العمل، وهو ما وصفه مصدر سياسي رفيع بـ«رقصة التعري المتبادل والمطلق».
ويقول الخبير الإسرائيلي في شؤون الاستخبارات، رونين برغمان: «هذا التعاون العميق الذي تواصل لسنوات قاد إلى نتائج مثيرة شملت، حسب منشورات أجنبية، تشويش المشروع النووي الإيراني». وحسب وسائل الإعلام الأجنبية، فقد وقفت على رأس العمليات المشتركة حملة «الألعاب الأولمبية»، التي تم في إطارها إنتاج فيروسات حاسوب، من بينها فيروس «ستاكسانت»، الذي سبب ضررا كبيرا للمشروع النووي الإيراني. كما نشرت وسائل الإعلام الأجنبية أن الموساد والـ«سي آي إيه» تعاونا في اغتيال عماد مغنية في دمشق في 2008. عندما بدأت الاتصالات السرية بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي في 2013 أمر أوباما بوقف النشاطات الهجومية ضد إيران، لكن هذا التوقف لم يغير عمق الانكشاف الاستخباري الإسرائيلي أمام الولايات المتحدة، ومن شأن تسرب جزء من هذه الأسرار أن يسبب ضررا كبيرا، إن التخوف في إسرائيل وليس من روسيا، وإنما من إيران، وقد أشارت جهات الاستخبارات الأميركية، أمام الجهات الإسرائيلية إلى معلومات تضمنتها وثائق سنودن حول النشاط الأميركي السري في إيران. الأميركيون على اقتناع بأن سنودن سلم تلك المعلومات لأجهزة الاستخبارات الروسية - جزءا من الصفقة التي حصل بموجبها على اللجوء السياسي - وأنه تم تحويل أجزاء منها إلى طهران، وذلك في إطار سياسة بوتين الهادفة إلى زيادة التعلق الإيراني، وليس السوري فقط، بموسكو، وهذا كله في سبيل خدمة الهدف النهائي: «عودة روسيا لتكون القوة المؤثرة في المنطقة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.