عودة الأمل بإعادة افتتاح «قصر البيكاديللي» جوهرة مسارح بيروت

وزير الثقافة يأمل أن تكون فيروز أول من يعتلي خشبته

صالة مسرح بيكاديلي من الداخل... وفي الإطار مشهد من إحدى مسرحيات فيروز التي شهدتها خشبة المسرح (غيتي)
صالة مسرح بيكاديلي من الداخل... وفي الإطار مشهد من إحدى مسرحيات فيروز التي شهدتها خشبة المسرح (غيتي)
TT

عودة الأمل بإعادة افتتاح «قصر البيكاديللي» جوهرة مسارح بيروت

صالة مسرح بيكاديلي من الداخل... وفي الإطار مشهد من إحدى مسرحيات فيروز التي شهدتها خشبة المسرح (غيتي)
صالة مسرح بيكاديلي من الداخل... وفي الإطار مشهد من إحدى مسرحيات فيروز التي شهدتها خشبة المسرح (غيتي)

زيارة وزير الثقافة اللبناني غطاس خوري يوم أمس، إلى مسرح «قصر البيكاديللي»، في منطقة الحمرا، الذي يعتبر أحد أهم الصروح الثقافية، أيام عز بيروت ومجدها الذهبي، أعاد الأمل بافتتاحه، بعد أن كاد يفقد كليًا. وكان هذا المسرح الفخم الذي شهد ولادته الأولى عام 1965 في عهد رئيس الجمهورية شارل حلو، قد اضطر القيمون عليه لإغلاقه تكرارًا خلال الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان، ثم تعرض لحريق ضخم يوم 19 أغسطس (آب) عام 2000، أدى إلى توقفه عن العمل من حينها. ومنذ عام 2009 والكلام يتداول، بين الحين والآخر، حول إمكانية إعادته إلى الحياة، لكن تضارب مصالح المستثمرين، حال دون ذلك. ورغم أن كلامًا جديًا قيل عام 2011 حول افتتاح وشيك وأن التأهيل ماض على قدم وساق، فإن الأمور بقيت عالقة. ويبدو أن وزير الثقافة في الحكومة الجديدة، له رؤيا مختلفة، وزيارته التفقدية يوم أمس، للمسرح الأهم فعليًا في تاريخ بيروت الحديث، هي إشارة قد تكون إيجابية جدًا، بعد غياب طويل للدولة عن المشاريع الثقافية ذات الوزن والتأثير.
وعند وصول وزير الثقافة غطاس خوري إلى «قصر البيكاديللي» استقبله رئيس مجلس إدارة «مؤسسة ضمان الودائع» الدكتور خاطر بو حبيب، وهي المؤسسة التي في عهدتها هذا المسرح.
وبعد جولة في أرجاء المكان، قال الوزير خوري ردا على سؤال عن هدف الزيارة: «مسرح البيكاديللي، وباعتراف الجميع هو جوهرة المسارح في بيروت، خصوصا أنه مرتبط بتاريخ لبنان الثقافي وتاريخ العاصمة بيروت». وأضاف: «هذا المسرح الذي استقبل أهم المسرحيات والفنانين أمثال السيدة فيروز وعائلة الرحباني، لا بد من إعادة رونقه بالتعاون مع هيئة ضمان الودائع، لتجديده وافتتاحه، فيصير منارة في الشرق وتعود بيروت تتألق ثقافيا وحضاريا لاسترجاع الزمن الجميل».
وأعرب وزير الثقافة عن أمله في أن «تكون السيدة فيروز أول من يعتلي خشبة مسرح البيكاديللي»، لافتا إلى أن «كل شيء مرتبط بالفترة الزمنية للانتهاء من العمل داخل المسرح، ولدينا النية الحسنة والطيبة، والأهم أن هناك قرارا من رئيسي الجمهورية والحكومة لمعالجة كل المشاكل التي تواجه الثقافة في البلد، والعودة إلى نهضة ثقافية حقيقية تساعد النهضة الاقتصادية للوطن».
ومسرح «قصر البيكاديللي» ارتبط اسمه بفيروز والأخوين رحباني منذ افتتح، حيث شهدت خشبته مسرحيات «الشخص»، «صح النوم»، «المحطة»، «يعيش يعيش» و«هالة والملك» و«ميس الريم»، كما غنت على هذا المسرح الفنانة داليدا لأربع ليال، وعلى خشبته قدم عادل إمام «مدرسة المشاغبين» و«الواد السيد الشغال» و«شاهد ماشفش حاجة». هذا عدا العروض الكلاسيكية، والفرق العالمية التي استضافها مثل «باليه البولشوي»، و«الكوميدي فرنسيز»، و«رويال باليه». كما غنت على خشبته صباح وماجدة الرومي، وملحم بركات، ووقف زياد الرحباني مقدمًا عددًا من مسرحياته.
المبنى تزيد مساحته عن ألفي متر مربع، شيده المهندس اللبناني وليم صيدناوي، تتسع صالته الوثيرة لنحو 800 شخص، وتتميز بمقاعدها المخملية الحمراء وثرياتها الضخمة، التي بلغ سعر الواحدة منها حين إنشاء المسرح ما يقارب 50 ألف دولار.
وافتتاح مسرح «قصر البيكاديللي» في حال استكمل وزير الثقافة زيارته بخطوات تنفيذية، سيكون بداية عهد ثقافي جديد وواعد للبنان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».