الفوارق بين الجماعات المقاتلة السنّية والشيعية

أمام دورَي المرجعية والدولة

قوات مكافحة الإرهاب الخاصة العراقية تحمل علم «داعش» بعد تحرير منطقة الكرامة في الموصل من المتطرفين (غيتي)
قوات مكافحة الإرهاب الخاصة العراقية تحمل علم «داعش» بعد تحرير منطقة الكرامة في الموصل من المتطرفين (غيتي)
TT

الفوارق بين الجماعات المقاتلة السنّية والشيعية

قوات مكافحة الإرهاب الخاصة العراقية تحمل علم «داعش» بعد تحرير منطقة الكرامة في الموصل من المتطرفين (غيتي)
قوات مكافحة الإرهاب الخاصة العراقية تحمل علم «داعش» بعد تحرير منطقة الكرامة في الموصل من المتطرفين (غيتي)

إن حمل السلاح في سبيل الإيمان الديني ليس مفهوما سنيًا فقط، بل تؤمن به كل الفرق الإسلامية، وكما هو حاضر في جماعات منسوبة للسنة، مثل تنظيمات الجهاد والقاعدة وداعش وغيرها، فهو حاضر في غيرها، وخاصة لدى التنظيمات الشيعية الحركية المسلحة مثل «حزب الله» (لبنان) و«أنصار الله» (اليمن) و«الحشد الشعبي» و«عصائب الحق» و«سرايا الأشتر» وألوية «أبو الفضل العباس» (العراق) و«فاطميون» الذي أسس في مايو (أيار) 2015 و«حزب الله في سوريا» الذي أسس في يناير (كانون الثاني) من العام نفسه، وعشرات غيرها من الجماعات المتطرفة المرتبطة بـ«أمير» و«مرشد» لها و«ولي فقيه» يمثل مرجعية ملزمة لدى قادتها وأعضائها، مهما تعددت بلدانها ومناطقها أو اختلفت ساحاتها.
تلتقي الفئتان المسلحتان من التنظيمات السنية والشيعية المتشددة التي ترفع لواء الدين في التفافها حول «أمير» و«رمز» أو «ولي فقيه عالم» تدين له بالسمع والطاعة والتقليد. ولكن بينما تتوزع التنظيمات السنّية المعولمة على تنظيم داعش الصاعد والقاعدة المتراجع بعد زعامة أيمن الظواهري، تبدو الجماعات – أو قل الميليشيات – الشيعية أكثر صلابة في التفافها حول «مركز» واحد و«أمير» واحد تأتمر بأمره وتوجهاته دون سواه هو «مرشد الثورة الإيرانية» وليس غيره، أو من يفوضه عنه ويرتبط به.
* التشابه في الخطاب
دائما ما تتشابه المنطلقات والشعارات في كلا الخطابين المتشددين السني والشيعي، من دعاء «الموت لأميركا» و«الغرب» مرورًا بـ«مواجهة التغريب» و«الشيطان الأكبر» إلى دعوى «تحرير القدس» - التي لم يخوضوا معركة حقيقية من أجلها - ووصولاً إلى «الحكومة» و«الحاكمية الإسلامية» كما صكها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وآية الله الخميني في كتاباتهم، ويوصف القتلى في كلا الفريقين بـ«الشهداء».
لكن بينما الجماعات السنّية المسلحة جماعات معادية تناهض الدول والأنظمة السنّية التي تنتمي إليها، يحتضن نظام «الولي الفقيه» الإيراني الميليشيات الشيعية ويدعمها أذرعًا ووكلاء لتوسعاته وتدخلاته في شؤون المنطقة وانقلابًا على أعدائه فيها. ولقد صرحت نعيمة مستشاري المرشدة الطلابية لقوات «الباسيج» - التي أسسها الخميني عام 1979 ويعتبر الحرس الثوري «الباسدران» أحد فروعها - لراديو فردا الفارسي في 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن هذه الروح بقولها إن «الباسيج ليس مجرد اسم أو منظمة، بل هو جيش مكوّن من 80 مليون شخص هم عدد أفراد المجتمع الإيراني، وهذا الجيش هو الدرع الحامي للثورة الإسلامية والذي ينفذ أهدافها ومخططاتها داخل إيران وخارجها. لا بد أن يكون جيش الباسيج في حالة تأهب قصوى من أجل الحفاظ على استقرار النظام الجمهوري الإسلامي وحلفائه الإقليميين».
وأضافت مستشاري عن هوية ووظيفة الباسيج بقولها «إن الهدف الرئيسي لقوات الباسيج اليوم هو الحفاظ على الهوية الإيرانية وقيمها في مواجهة الشيطان الأكبر وحلفائه وحماية المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والتصدي لجميع المخاطر التي تواجه إيران من البلدان المجاورة».
وهكذا يوظف هذا النظام أمواله وثروات شعبه لدعم هذه التنظيمات المتطرفة بينما يعاني الإيرانيون والشعوب الإيرانية من أزمات عميقة واحتياجات الحياة الأساسية، حيث يزيد معدل التضخم حسب الخبراء الإيرانيين أنفسهم. وفي حين يتهم رموز النظام بجرائم فساد كبيرة تبلغ المليارات، يعيش ما يقرب من مليون إيراني في مساكن غير إنسانية، وتنتشر فيه أوجاع الجوع والمرض والفساد، حسب الإعلام الإيراني نفسه.
* بين دعم إيران ومعاداة دول المنطقة
يمكن وصف الحالتين الميليشياويتين الشيعية والسنّية بأنها «جماعات دولة» لكنها موالية إيرانيًا ومعادية إسلاميًا، فهي تدافع في ناحية عن نظام الثورة الإسلامية و«ولاية الفقيه» ومصالحه وولاءاته - وفي الحالة السنّية عن أشباه دول غير معترف بها هي إمارات دينية مثل «داعش» وطالبان، ومن ناحية أخرى تجابه وتستنزف الدول المعادية والمعتدلة وتريد «الانقلاب» عليها وتراها جميعا نتاجا لما بعد سايكس بيكو في العالم العربي والإسلامي، وطاغوتًا يحكم بغير ما أنزل الله ويوالي أعداءه!
وفي فكرة الانقلاب تتقارب كل الجماعات، سنية وشيعية. وليس ما فعلته جماعة الحوثي (أو «أنصار الله») من مايو 2014 بغزو دماج المجاورة، ثم احتلال عمران ثم محاصرة العاصمة صنعاء والحكومة في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه بحجة رفع أسعار الوقود وإقالة الحكومة في البداية، إلا انقلابًا مرحليًا تم بمحاصرة الرئاسة ومؤسسات الدولة في ديسمبر (كانون الأول) 2014، ثم جاءت مطاردتها بعد فبراير (شباط) 2015 إلا تعبيرا عن هذا الانقلاب المعتقد لدى جماعات شيعية كما هو موجود أساسا وسلوكا ومنهجا للتغيير بشكل واضح لدى الجماعات السنية المتشددة مثل تنظيمي «الجهاد الإسلامي» وحزب التحرير الإسلامي الذي اشتهر بمركزية هدف الخلافة ومنهج «الانقلاب» عنده.
وفي المقابل فإن الجماعات السنية والشيعية ليست جماعات «دعوة وهداية روحية» غالبا، بل مؤسسات تجنيد تنظيمي ووجداني وسلوكي يقوم على أساس السمع والطاعة، بينما جهد الهداية الروحية والجوانية تتصوره جهدًا تقليديًا تتركه للتقليديين، بل يتطور مفهوم الهداية عندها إلى «خارجية» يسميها المراقبون «التجنيد» وهو يشبه ما كان يراه الخوارج من مغادرة «القعود» و«الهجرة» إلى الميدان والقتل والقتال، وقد يكفرون على ذلك كما كان يكفّر الخوارج الأزارقة.
* من الوفاق للصدام في سوريا
حتى فاصل الثورة السورية التي انطلقت مدنية لا عنفية من براءة أطفال درعا في مارس (آذار) 2011 كان هناك تحالف غير معلن ومشبوه بين الاتجاهين، لم يغيره إلا استباق الميليشيات الشيعية لنصرة نظام بشار الأسد ضد ثورة شعبه ضده.
وهي حقًا بدأت مدنية ولم تتعسكر ابتداء إلا بانشقاقات ضباط عن جيشه مثلها الضابط الراحل حسين هرموش في يوليو (تموز) 2011، ثم رياض الأسعد في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. وهذه الانشقاقات حصلت رفضا للفظائع والجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية أو الميليشيات الطائفية بحق المدنيين السوريين، والتي مثل قدومها المبكر من أبريل (نيسان) 2011 مبررًا وحافزًا لدخول «جبهة النصرة» المنسوبة للسنة، والتي انقسمت بينها وبين «داعش» فيما بعد، وأسلمة وطوأفة الصراع بعد عسكرته، الذي مثل عبئًا على ثورة هدفت للديمقراطية ومبادئ التقدم والمواطنة والمساواة التي ترفضها وتعارضها الميليشيات الطائفية الشيعية والسنّية على السواء كما يعارضها بشار الأسد.
ولا تزال الميليشيات الشيعية والسنّية تخوض معاركها في هذه الساحة التي فجر اشتعالها النيران في سائر بلدان المنطقة، خاصة عامي 2014 و2015، بعد إعلان «داعش» «الخلافة» المزعومة وسيطرته على الموصل وبضع محافظات سنّية عراقية. ومن ثم، بعد شنه عملياته في سائر أنحاء المنطقة والعالم - باستثناء إيران - وتنشيطه فروعه بحثًا عن ملاذات آمنة وبؤر توحش جديدة في ليبيا ومصر وعمليات استنزافية بطول العالم وعرضه، بعد أن أصبحت ملهمة لسائر المجموعات الإرهابية، وجاذبة لـ«الخلايا النائمة» و«الذئاب المنفردة» في المنطقة والعالم. وكما مثّل زلزال الانتفاضات العربية فرصًا هائلة وضخمة للمتشددين العرب السنة، مثل كذلك حضورًا ومكسبًا كبيرًا لإيران ومتشدديها الشيعة بشكل واضح.
* فارق المرجعية بين السنة والشيعة
والحقيقة أنه لا توجد في العالم الإسلامي السنّي مرجعية واحدة، بل ثمة مرجعيات متعدّدة وفضاء مفتوح من المفتين، يرجع إليهم الأفراد بحريّة كاملة، قد يكونون رسميين أو غير رسميين. ولا يمثل تقليدهم أو اتباعهم إلزامًا عقديًا لدى السنة، بل لدى المؤمنين والتابعين لهم من أبناء السنة. وهذا ما يجعل الفضاء الديني السنّي واسعًا وفضفاضا، يصعد فيه الاختلاف والتنوّع وتصعد فيه وجوه جديدة. وكما تستمر فيه وجوه وتصعد فيه أصوات وتخفت من آن لآخر، قد تصعد فيه بعض أفكار التطرف حرة طليقة بعيدًا، في شكل تنظيمات ذات أدبيات ومرجعيات خاصة، أو فتاوى فردية لأفراد في مسائل معينة، لكنها لا تمثل في الغالب عن المؤسسة الرسمية تاريخيا التي تتفق في طرحها وممارساتها مع توجّهات الدولة التي يكفرها هؤلاء.
ولا تمثل المؤسسة الدينية الرسمية في العالم السنّي - مثل الأزهر ووزارات الأوقاف وهيئات العلماء ومجامع البحوث - إلا كيانات مرتبطة بالدولة وإدارة الشأن الديني العام وتنظيم أمر المساجد والمعاهد وترتيب شؤونها وموظفيها وتحديد مناهجها ومراجعة ما يتعلق بالشأن الديني من قرارات أو قوانين، وخاصة تلك ذات الصفة الرسمية، أو يرتبط بها ورؤاها وأفرادها.
على العكس من ذلك، تمثل المرجعية وتقليدها اعتقادًا وتوجيهًا والتزامًا عند الطائفة الشيعية الإمامية. إلا أنها ظلت ساكنة وتقليدية ومحافظة حتى ظهور حراكها مع «ولاية الفقيه» عن طريق الخميني (توفي سنة 1989) الذي نجح في التمكين لمرجعيته وتفجير الثورة من سواكن التقليد بالتعاون مع القوى المدنية والسياسية المعارضة للشاه، ثم صفّى تلك القوى وأخرجها من الساحة فيما بعد، وصارت الدولة التي أنشأها تمثل مرجعية وولاء دينيًا قبل أن تكون ولاء دينيًا وسياسيا.
ومع الخميني، وبعده «المرشد» الحالي علي خامنئي، ظلت مرجعية «الولي الفقيه» ملزمة للمؤمنين بها. ونجحت في إقصاء سواها، وخاصة المعتدلين في الفضاء الشيعي، وطرد المعترضين على توجهاتها، مثل آية الله حسين منتظري، نائب الخميني الأسبق، الذي يحاكم ابنه من قبل خامنئي ونظامه الآن، كما سبق أن أقصى حفيد الخميني نفسه من الانتخابات السابقة، لاتهامه بالاعتدال، ومعارضة «الولي الفقيه» أو التحفظ عليه. واليوم تكتظ السجون الإيرانية بالمئات الذين ينحرفون قليلا عن توجهاته، كما لا يزال «الإصلاحيون» وقادة «الحركة الخضراء» التي برزت في انتخابات 2009 قيد الإقامة الجبرية، وتعني البيعة والسمع والطاعة له الإيمان والإخلاص لـ«الثورة الإسلامية» و«الإمامة» معًا، كما صرح قبيل الانتخابات الأخيرة للبرلمان وهيئة «مصلحة تشخيص النظام» ويصرح دائما.
ومثلما يطرد «الولي الفقيه» من بلاطه وسلطانه كل المتحفّظين عن أو المعترضين على توجهاته، حتى من أبناء «الثورة الإسلامية» الإيرانية، تطرد الجماعات السنّية المتشددة المنشقين عليها أو المعترضين على أوامر «أمرائها». إذ ليس للخلاف مكان في فكر الجهتين، وليس للشورى مكان إلا في تنفيذ الأوامر وتحقيق الأهداف.
ختامًا، بينما يبدو التنظيم السنّي المتشدّد نظامًا للسمع والطاعة خارج الأطر الرسمية وضد توجهات الدول في العالم العربي والإسلامي، واستنزافًا وإنهاكًا مستمرا لها، تبدو التنظيمات الشيعية المتشددة في حضن الدولة والنظام الإيراني وجزءًا فاعلاً وجوهريا من أولوياته، وتدين لـ«أميره» الذي هو «الولي الفقيه» بالسمع والطاعة كذلك. وبينما تكون مرجعية «الولي الفقيه» رسمية وأساسية وشعبية في شكل تنظيم يشبه الدولة، تمثل سلطة «الأمير» المرجعية الوحيدة لدى التنظيمات السنّية المتشددة.
والجهتان قادرتان على طرد وإقصاء مخالفيها وتحقيق ما تريدانه من عناصرهما وأتباعهما. لكن بينما التنظيمات السنّية ترفض السياسة وتكفر بها وبمفرداتها، وتبدو محشورة ومحصورة في أهداف التنظيم الضيقة، فتضرب خبط عشواء حيثما استطاعت وفي كل مكان، نرى التنظيمات الشيعية جزءًا من استراتيجية دولة وثورة إسلامية عالمية هي الثورة الإيرانية، ومن نزوع سياسي وتوسّعي وتدخلي لا يرفض السياسة بل يوظفها، وبالتالي فهي لا تمتلك أهدافًا خاصة، ولا تستنزف جهودها وأعداءها إلا فيما يخدم مصالح نظام طهران وحلفائه وتوجهاتهم كما هو ماثل اليوم في سوريا واليمن والعراق ولبنان وغيرها.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».