تنافس أميركي ـ آسيوي في سرعة المصاعد الكهربائية

تتحرك بسرعة 18 مترًا في الثانية

عمال تنظيف في الجزء الخارجي من ناطحة سحاب برج شنغهاي في الحي المالي (رويترز)
عمال تنظيف في الجزء الخارجي من ناطحة سحاب برج شنغهاي في الحي المالي (رويترز)
TT

تنافس أميركي ـ آسيوي في سرعة المصاعد الكهربائية

عمال تنظيف في الجزء الخارجي من ناطحة سحاب برج شنغهاي في الحي المالي (رويترز)
عمال تنظيف في الجزء الخارجي من ناطحة سحاب برج شنغهاي في الحي المالي (رويترز)

قد لا تكون المصاعد الكهربائية شيئًا يستحق التوثيق، لكن بمجرد أن تطأ قدماك مصعد برج شنغهاي، حتمًا سترى الناس تخرج الكاميرات من جيوبها. في أغلب فترات القرن العشرين كانت أسرع المصاعد يجري تركيبها في المدن الأميركية، لكن سباق السرعة انتقل بعد ذلك إلى آسيا.
فمع غلق الأبواب، تظهر شاشة بجوار لوحة المؤشرات توضح الطابق الذي بلغه المصعد والثواني التي استغرقتها الرحلة، إلى أن يصل إلى سطح المبنى المخصص للمشاهدة الذي جرى افتتاحه أخيرًا. ويتولى موظف أنيق إخبار الركاب بأن المصعد الآن يتحرك بسرعة 18 مترًا بالثانية، أي 40 ميلاً بالساعة تقريبًا. وكان هذا ما عبر عنه أحد الركاب أثناء رحلة صعود جرت أخيرًا داخل البرج، بقوله: «بالفعل هذا المصعد سريع جدًا»، والسبب أنه في الحقيقة أسرع مصعد في العالم.
وفي احتفال أقيم بالعاصمة اليابانية طوكيو بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسلمت مصاعد برج شنغهاي وشركة «ميتسوبيشي إليكتريك» المصنعة لها جائرة موسوعة «غينيس ريكورد للأرقام القياسية العالمية». لكن كثيرًا من الركاب قد لا يمرون بتجربة السرعة القصوى للمصعد، لكن إن أردت أن تفعل، يجب أن يكون بصحبتك فني متخصص من شركة «ميتسوبيشي» ليدير ذرًا ليجعل مؤشر لوحة المفاتيح يتحول للون الأحمر، ويعني ذلك أن المصعد يرتفع بسرعة 20.5 متر بالثانية (45.8 ميل بالساعة).
وتشهد الصين حاليًا طفرة في تركيب المصاعد الكهربائية، ففي العقد الأخير فقط، كانت النسبة الأعلى من المصاعد التي جرى تركيبها حول العالم في الصين، التي زادت فيها معدلات الهجرة إلى المدن، ومعها زاد التوسع الرأسي ببناء مزيد من ناطحات السحاب. وبحلول عام 2020، من المتوقع أن تستوعب الصين وحدها نحو 40 في المائة من المصاعد الكهربائية في العالم، وفيما يتعلق بالسرعة، لن يستطيع العالم مسايرتها.
ويعتبر برج خليفة بدبي الوحيد في العالم الأعلى من برج شنغهاي، لكن مصاعده الكهربائية تتحرك بالكاد بنصف سرعة نظيره الصيني. وفي الغرب، فإن أسرع مصعد كهربائي موجود بالمركز التجاري العالمي بولاية مانهاتن، حيث يرتفع بسرعة 23 ميلاً بالساعة. والمثير أن مصعد برج شنغهاي يرتفع بسرعة تتخطى سرعة مصعد الرعب «توايلايت زون تاور أوف تيرور» بمدينة ألعاب ديزني لاند بالولايات المتحدة الذي يجتذب عشاق الإثارة، علمًا بأنه يرتفع في الجو بسرعة 39 ميلاً فقط في الساعة.
فلو أنك نظرت الآن إلى قائمة أسرع 10 مصاعد في العالم، فسوف تجد أن 5 منها في الصين. والغريب أنه على الرغم من تلك الطفرة، فقد أصيبت سوق المصاعد الضخمة في الصين بالتباطؤ، ونتيجة لذلك اشتدت المنافسة بين الشركات العالمية المنتجة لها على جميع المستويات.
فشركات مثل «ميتسوبيشي» دخلت في منافسة مع شركات من جميع أنحاء العالم للحصول على عقود ضخمة، فيما كانت شركة يابانية أخرى هي «هيتاتشي» على وشك الفوز بعقد برج شنغهاي، لكن بدلاً من ذلك حصلت على عقد بتركيب مصاعد بمقاطعة غوانزو الصينية، ثم أعلنت عن خططها لمنافسة سرعة مصاعد «ميتسوبيشي» عن طريق مصعدها الجديد الذي يعمل بسرعة 44.7 ميل في الساعة. وفي النهاية ركبت «ميتسوبيشي» معدات جديدة في أحد مصاعد برج شنغهاي، لتخطف الرقم العالمي مجددًا من منافستها «هيتاتشي»، وكان ذلك بعد فترة قصيرة من خسارتها الرقم العالمي. وأفاد ممثلو شركة «ميتسوبيشي» بأن زيادة السرعة جاء بناء على طلب العميل، وهو كونسورتيوم مرتبط ببلدية شنغهاي. وكان أول مصعد آمن في العالم من إنتاج شركة «أوتيس» الأميركية عام 1857 بأحد فنادق نيويورك، وكان يرتفع لـ5 طوابق فقط بسرعة تقل قليلاً عن نصف ميل في الساعة.
ووفق لي غراي، أستاذ مساعد الهندسة المعمارية بجامعة نورث كارولينا بولاية تشارلوت، فقد تطورت سرعات المصاعد بفضل الانتقال من المحركات التي تعمل بالبخار، والتي كانت اختراعًا مذهلاً في وقتها إلى النظام الهيدروليكي الأكثر كفاءة، وبعد ذلك جاءت الأنظمة الكهربائية. والطريف أن أعصاب الزوار الأوروبيين كانت تثار من سرعة المصاعد في الولايات المتحدة، «فكنت تجد مثلاً البريطانيين الذين يزورون الولايات المتحدة ويستخدمون المصعد يقولون: يا إلهي لماذا يرتفع بهذه السرعة»، بحسب غيري.
*خدمة «واشنطن بوست»
ـ خاص بـ {الشرق الأوسط}



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».