المرأة و«الموساد»

أثار نشر تقارير عن دور المرأة في العمل الاستخباراتي الإسرائيلي قبل بضعة أيام، تساؤلات من نوع: لماذا يجري تسليط الأضواء على جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية «الموساد»، من آن لآخر، وبمبادرة من الموساد نفسه؟ هل هو لحجب الأضواء؟ أم هو ما وصفه رئيس سابق للجهاز «الغطرسة والغرور والثقة العالية في النفس»؟ أم هو تذكير لمن ينسى؟ أم استعراض لعمليات الموساد عبر تاريخه الطويل؟
عندما نشر جهاز «الموساد» (الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية) إعلانًا تجاريًا في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، عن حاجته إلى «نساء قويات للعمل» في صفوفه، في مطلع الأسبوع الماضي، فإنه قصد تسليط الأضواء عليه من جديد ومن باب مميز. وكما كان متوقعا، انتشر نبأ هذا النشر في العالم أجمع.
فما الغرض وراء هذا الإعلان؟ وهل هو فعلا قصد تجنيد المزيد من النساء؟ وهل هو فعلا يستخدم هذه الطريقة لتجنيد عملائه؟ فالمعروف أن النساء اللاتي يريدهن لصفوفه ينبغي أن تتمتعن بقدرات قتالية مجرّبة، ومثل هؤلاء موجودات في مكان واحد في إسرائيل فقط هو الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي، وبمقدوره أن يختار منهن أي عدد يريد من النساء.
القصد إذن هو مسألة ترويج دعائي لا أكثر. وحقًا من تقاليد جهاز «الموساد» في السنوات الأخيرة الاهتمام بالبقاء في رأس العناوين. وعندما تكون هناك أنباء في العالم تتحدث عن قدرات «الموساد» العالية وعن عمليات يتباهى بها، خصوصا في العالمين العربي والإسلامي اللذين يعتبران ساحة أساسية له، فإن مبادرته للإعلان أن 40 في المائة من العاملين فيه هن من النساء، تكون ذات غرض استفزازي بشكل خاص، كأن يقول: «إذا كانت نساؤنا تنفذ عمليات كهذه، تستطيعون تخيل ما يفعله الرجال».
ولعل هذا الأسلوب من النشر، هو الذي قصده الجنرال أفرايم هليفي، الذي تولى رئاسة «الموساد» ما بين السنوات 1998 وحتى 2002، في كتابه «رجل الظل» (الصادر عن دار النشر الأميركية سانت مارتن في نيويورك عام 2006)؛ إذ خصص فصلا كاملا بعنوان «الغطرسة والغرور والثقة العالية في النفس». ومنذ نشوء هذا الجهاز وهو يعاني هذه الصفات لدى الكثير من قادته وضباطه وحتى صغار عملائه، ولا يزال. وبعض قادته أدركوا خطورة هذه الميزات، خصوصا عند الإخفاقات وراحوا يحاربونها.

ما هو «الموساد»؟
في إسرائيل أجهزة أمن ضخمة عدة، الجيش والشرطة وحرس الحدود والاستخبارات العامة (الشاباك) وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ودائرة المعلومات السرّية في وزارة الخارجية، وكذلك «الموساد»، الذي يعنى بالاستخبارات الخارجية.
عدد أفراد «الموساد» سرّي، وكذلك عدد عملائه. ميزانيته عملاقة، تقريبا بلا حدود. ساحة عمله هي «بلاد الله الواسعة»، حيث لا يوجد مكان في الكرة الأرضية لم تطأ فيها أقدام عملاء «الموساد». مهمته جمع المعلومات، التي تفيد إسرائيل في حماية مصالحها الاستراتيجية، لكنه اشتهر أكثر في عملياته الحربية المتمثلة في اغتيال قادة في التنظيمات المعادية لإسرائيل، وشخصيات «لها وزن في الإخلال بالتوازن العسكري لإسرائيل» مثل علماء الذرة الإيرانيين ومهندسي القدرات العسكرية الفلسطينيين والعرب وقادة التنظيمات العربية والفلسطينية المسلحة، مثل الشيخ القعيد أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، قائدي حماس السياسيين، وأحمد الجعبري، قائد الجناح العسكري لحركة حماس، وغيرهم.
الفكرة الأولى لـ«الموساد» بدأت مع تأسيس تنظيمات الحركة الصهيونية في أوروبا، وتحديدا عام 1904 عندما بدأت تعمل بشكل سرّي على تشكيل فرق لحث اليهود على الهجرة إلى فلسطين. ثم تحوّلت هذه الدائرة إلى شعبة عسكرية عام 1937 وبعد قيام دولة إسرائيل بسنة، وتحديدا عام 1949 أصبحت مؤسسة تنسيق العمليات الأمنية خارج حدود إسرائيل، ومنذ عام 1950 أصبح يعرف بشكله الحالي بصفته جهاز الاستخبارات الخارجية.
كلمة «موساد» بالعبرية تعني «مؤسسة»، لكن الاسم الرسمي له هو «مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة». وهو يعمل في جميع دول العالم، باستثناء المناطق الفلسطينية التي يهتم بها «الشاباك». أما أهم ما يميّزه فهو أنه خارج القانون. إنه الجهاز الوحيد الذي يعتبر قانونه سريًا، فيعمل وفقا لأنظمة تتغيّر وتتبدّل من دون أن يعرف بها أحد. وعمله وميزانيته بلا رقيب ولا حسيب. ثم إنه هو تابع مباشرة لرئيس الحكومة.
غير أن تبعية «الموساد» مباشرة لرئيس الحكومة لا تعني أنه خاضع لسيطرته المطلقة؛ لأن الحرية التي يتاح له العمل فيها، تجعله يجمع قوة تمكنه من التمرد على رئيس الحكومة ومخالفته بشكل صدامي. وكمثال، رفض رئيس «الموساد» الأسبق مائير دجان فكرة شن حرب على إيران التي طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه حينذاك إيهود باراك بين 2011 و2012. ورئيس «الموساد» الأسبق أفرايم هليفي أبلغ نتنياهو عام 1998 بأنه يرفض الحصول على إذن منه في كل عملية خارجية خطيرة، وقال له إنه يطلب منه ألا يتدخل، ولكن في الوقت نفسه أن يساند «الموساد» في حال إخفاقه بشيء. ووافق نتنياهو على ذلك، وحصل إخفاق فعلا؛ إذ ألقي القبض على رجلي «موساد» وهما يصوّران موقعًا عسكريًا أثناء تدريب للجيش القبرصي عام 1999 من دون علم نتنياهو، ومع ذلك أعطى غطاء كاملا لـ«الموساد» وضباطه.

مهماته ومؤسساته
في الموقع الرسمي لـ«الموساد» يحددون مهماته على النحو التالي: «منذ إقامته، ينشغل الموساد في تجميع المعلومات الاستخباراتية حسب احتياجات الدولة وفقا للفحوص التي تمت صياغة نتائجها من حين لآخر. بطبيعة الحال نشاط الموساد سرّي. وقد طوّر الموساد عبر السنين علاقات استخباراتية مع أجهزة الاستخبارات المقابلة في الدول الأخرى، بما فيها مع دول لا تقيم علاقات علنية مع إسرائيل. وقد تم في الماضي الكشف عن علاقات عدة كهذه كانت قد ساهمت في مساعدة الموساد لقادة الدولة في الاتصالات السرية التي سبقت توقيع معاهدتي السلام مع مصر والأردن».
ويضيف «(الموساد) يقوم بعمليات خاصة لخدمة دولة إسرائيل، بلغت أوجها في إلقاء القبض على المجرم النازي، هكذا وردت، أدولف آيخمان وجلبه إلى البلاد في سنة 1960 لمحاكمته. ومثل آخر على ذلك، في قضية الطفل يوسلي شوحمكار في سنة 1962، الذي خطفه جده من ذويه في إسرائيل وجرى تهريبه إلى الخارج. وقد أثارت هذه العملية عاصفة في إسرائيل وبسبب الخوف من أن تتحول إلى حرب أهلية بين المتدينين والعلمانيين، أمر ديفيد بن غوريون (رئيس الوراء آنذاك) (الموساد) بالوصول إلى الطفل وإعادته إلى البلاد، وهكذا حصل. كما عمل (الموساد) على إنقاذ يهود من دول عاشوا فيها بضائقة وتم جلبهم إلى إسرائيل بعمليات خاصة مثل عملية موشيه لجلب يهود إثيوبيا. وكان (الموساد) ويبقى عنصرًا مركزيًا في الحرب على الإرهاب الموجه ضد يهود وإسرائيليين في الخارج. وكان لـ«الموساد» دور مركزي عبر السنين في منع حصول دول تعتبر عنصر تهديد لإسرائيل على أسلحة غير تقليدية». (وفق النص الحرفي).
وفي بند آخر عن المهمات، تتم إضافة البنود التالية «مسؤولية شاملة عن منع الدول المعادية من الحصول على قدرات تسليح غير تقليدية، مسؤولية عن تصفية عمليات إرهاب تم إعدادها في الخارج ضد أهداف إسرائيلية، مسؤولية شاملة عن جمع المعلومات في الخارج وفقا لاحتياجات المؤسسات الأمنية، تنفيذ عمليات سرية في الخارج وفقا للأهداف التي يضعها رئيس الحكومة والحكومة، تطوير وتعزيز العلاقات السياسية وغير السياسية مع الدول الأجنبية، إنقاذ اليهود في الأماكن التي لا تستطيع الوصول إليها مؤسسات ترتيب الهجرة لإسرائيل، الحصول على معلومات استخباراتية استراتيجية وسياسية وعملية لأجهزة الأمن ورئيس الحكومة والحكومة، تطوير القوى البشرية والقدرات الفنية من أجل توفير الإمكانات للعمل الجاري لـ«الموساد» بهدف تعزيز أمن دولة إسرائيل من خلال الالتزام لشعب إسرائيل».

عمليات 7 عقود
تحت هذه البنود، نفذ «الموساد» عملياته عبر نحو سبعة عقود.
في البداية، لم يكن «الموساد» وحيدا، بل عملت إلى جانبه جهات أخرى. فعلى سبيل المثال، وعلى عكس ما ينشر في الخارج، لم يكن «الموساد» هو الذي شغل الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سوريا، الذي وصل إلى أعلى مؤسسات الحكم هناك، بل «أمان» (شعبة الاستخبارات في الجيش). ولم يكن «الموساد» هو الذي شغل فرقة الإرهابيين في سنوات الخمسين في مصر، بل أيضًا «أمان» (تم تشكيل خلايا إرهابية تم تفعيلها لتفجيرات في مرافق أميركية وبريطانية في القاهرة والإسكندرية، لتظهر كما لو أنها إرهاب مصري ضد الغرب، وبذلك تخرّب العلاقات بين مصر وتلك الدول. وقد ألقي القبض على أفراد المجموعة وحوكموا). وفي لبنان لم يعمل «الموساد» في البدايات، بل الجيش و«الشاباك»، واستمر هذا الوضع إلى ما بعد الحرب الأولى في العام 1982، ولم يكن «الموساد» هو الذي قام بتفعيل الجاسوس الإسرائيلي في الولايات المتحدة جوناثان بولارد، بل جهاز استخبارات تكنولوجية خاص عمل من ديوان رئيس الوزراء نفسه. وأما تهجير يهود الاتحاد السوفياتي فقد أسس له جهاز خاص باسم «نتيف». لكن «الموساد» ظل مسؤولا عن غالبية العمليات الأخرى، وشيئا فشيئا سيطر على نشاط الأجهزة الأخرى.

تركيبته
هناك سبع دوائر تعمل في «الموساد»، لكل منها غرضها وأهدافها، هي:
- «تيفيل»: وتتخصص في العلاقات الاستخباراتية والدبلوماسية، وفي العلاقات مع أجهزة الاستخبارات في دول العالم، وإقامة علاقات سرية مع الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
- «تسومت»: وهي الدائرة التي تنظم عمل ضباط جمع المعلومات وشبكات العملاء في العالم.
- «قيسارية»: وكانت تسمى هذه الدائرة في السابق «مفراتس» (أي «خليج»)، وهي الدائرة المسؤولة عن العمليات الخاصة. وتضم وحدة «كيدون» (السهم)، التي تنفذ الاغتيالات، والتي كان أول رئيس لها عام 1963 إسحق شامير، الذي أصبح رئيس حكومة إسرائيل لاحقًا.
- «جبيعوت» (وتعني «كؤوس»)، وهي المسؤولة عن تحصيل معلومات استخباراتية بالوسائل الإلكترونية، بما في ذلك زرع أجهزة تنصّت في «أرض العدو».
- «دائرة الاستخبارات»: وهي التي تضم دائرة البحوث والتقديرات السياسية والاستراتيجية.
- «تسفريريم»، وهي الدائرة المسؤولة عن حماية اليهود في الخارج والسعي لتهجيرهم إلى إسرائيل. وهي التي نفذت عمليات التهجير لليهود من الدول العربية والإسلامية.
- «دائرة التكنولوجيا»، وهي التي تتخصص في تطوير اختراعات تكنولوجية عالية تضمن لـ«الموساد» التقدم التكنولوجي ومواكبة العصر في كل ما يتعلق بتطوير عمل «الموساد» وتنفيذ عملياته في الخارج.