الانتخابات الهندية ودلالاتها الجيوسياسية داخل النظام العالمي

أمام خلفية الفوز شبه المؤكد لليمين القومي الهندوسي

مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
TT

الانتخابات الهندية ودلالاتها الجيوسياسية داخل النظام العالمي

مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)

تمتد التبعات الجيوسياسية للانتخابات الهندية، التي هي الأكبر على الإطلاق في العالم، إلى ما وراء حدود الهند. ومع اقتراب فترة ولاية ثالثة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، تستحوذ هذه الانتخابات على اهتمام دبلوماسي عالمي؛ نظراً لتداعياتها على الاستقرار الإقليمي والعالمي. وكذلك تزداد أهمية نتائجها في ضوء إلى النفوذ الهندي المتنامي على الساحة الدولية. ولكون الهند الدولة الأولى من حيث عدد السكان في العالم، وواحدة من أكبر أسواقه الاستهلاكية، يرى الخبراء المراقبون أنه عندما يتعلق الأمر بالتحديات الكبرى التي يواجهها العالم كالحرب الروسية - الأوكرانية، وأوضاع الشرق الأوسط الساخنة، وملف الصين وتايوان، بجانب التغييرات المناخية والإرهاب والاقتصاد العالمي، يبدو من الصعب التفكير في حلول لأي من هذه القضايا العابرة للحدود من دون مشاركة فاعلة من الهند.

الانتخابات الهندية 2024 آفاقيبدو فوز رئيس الوزراء الهندي اليميني ناريندرا مودي شبه مؤكد بولاية ثالثة، وهذا الأمر يستوجب فهماً أعمق لأهداف السياسة الخارجية لنيودلهي في الفترة المقبلة، وكيف ترغب في تشكيل العلاقات الدولية وكذلك التحولات الدبلوماسية المحتملة.

وبما يخصّ الحرب الروسية - الأوكرانية ظهر جانبان من مواقف مودي أثناء حملته الانتخابية الأخيرة أمام رئيسي روسيا فلاديمير بوتين وأوكرانيا فولوديمير زيلينسكي. الأول - كما نشر الزعيم الهندي على موقع «إكس» - أنه ناقش موضوع تعزيز شراكة الهند مع البلدين. أما الآخر، فكان عملياً طمأنة الزعيمين إلى أن نيودلهي لا تزال ملتزمة بمساعدة موسكو وكييف على إيجاد حل سلمي للصراع بينهما.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، أرسل مودي مستشاره للأمن الوطني، أجيت دوفال، إلى إسرائيل ليبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بأنه لا ينبغي له أن يعتبر دعم الهند له أمراً مفروغاً منه، وناشده ألا يتجاهل الاحتجاجات الدولية المتزايدة على الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في غزة. وهنا، عبّر المحلل السياسي الهندي ناريش كوشيك، عن اعتقاده بأن مودي، عبْر تناوله صراعين عالميين رئيسيين، «حتى أثناء انخراطه بعمق في حملة الانتخابات العامة في الداخل، يظهر للجميع أنه يتعامل بجدية مع مسؤولية الهند على الساحة الدولية. والأهم من ذلك، أنه يكشف عن أن العالم هو الآخر، يأخذه على محمل الجد، وأن الهند تحت قيادته أصبحت لاعباً عالمياً مهماً».

الجدير بالذكر، هنا، أن الهند كانت القوة الكبرى الوحيدة، التي حافظت على حيادها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل سنتين. وعلى الرغم من العلاقات التاريخية الوثيقة التي لنيودلهي بموسكو، تكلم مودي بنبرة حازمة إلى بوتين في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخبره أن الوقت ليس مناسباً للحرب؛ الأمر الذي حظي إشادة القوى الغربية على نطاق واسع. وأيضاً، تحترم القيادة الإسرائيلية، آراء مودي، لا سيما وأنه كان أول زعيم غير غربي يدين هجوم جماعة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويعتبره «عملاً إرهابياً».

من جهة ثانية، بفضل تمتع الهند باقتصاد أقوى، أتيحت فرص جديدة ليس فقط لها، بل كذلك للدول الأخرى الراغبة في الاستفادة من سوقها الضخمة. وهذا يتطلّب بالضرورة مناخاً سياسياً مستقراً وصديقاً للأعمال. ولقد وفّر الزعيم الهندي اليميني ذلك. واليوم يُعد الاقتصاد الهندي سبباً بارزاً آخر يدفع العالم لأن يولي اهتماماً وثيقاً بالبلاد. والحقيقة، أن الأمر لا يتعلق بحجم الهند فحسب، بل أيضاً لكون اقتصادها الأسرع نمواً بين اقتصادات الدول الكبرى. ومعلومٌ، أن الحرب في أوكرانيا أثرت سلباً على معظم الاقتصادات الأوروبية، في حين يعاني الاقتصاد الصيني - ثاني أكبر اقتصادات العالم - من تداعيات جائحة «كوفيد - 19».

تنافس موسكو وواشنطن

ناريش كوشيك يرى أن الخلاف الأخير بين الولايات المتحدة وروسيا حول الانتخابات الهندية، «يُعد مؤشراً واضحاً على الأهمية الجيوسياسية لهذه الانتخابات». وكانت واشنطن قد اضطرت أخيراً إلى إعلان رفضها الرسمي كلام الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بشأن تدخل اميركي مزعوم في الانتخابات الهندية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر، في توضيح للموقف: «لا، بالطبع، نحن لا نقحم أنفسنا في الانتخابات بالهند... كما أننا لا نقحم أنفسنا في الانتخابات بأي مكان في العالم». إلا أن السؤال هنا، هو إذا كان من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز مودي، وحزبه «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي، بالانتخابات، فلماذا تستحوذ الانتخابات الهندية على اهتمام دولي واسع النطاق؟

لقد حافظت الهند على صفتها كدولة ديمقراطية منذ الانتخابات الأولى التي شهدتها في الفترة 1951 - 1952، في وجه التحديات الكثيرة التي واجهتها. ومع أن تجربتها ليست خالية من العيوب، فإن الحكومات على مستوى الولايات الهندي، وأيضاً على المستوى المركزي، يجري تغييرها عن طريق الاقتراع. وبناءً عليه؛ تعد الهند الديمقراطية الوحيدة غير الغربية التي أنجزت ذلك مراراً وتكراراً على مر السنين. وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة، لا يزال الدستور في الهند يحظى بالاحترام على نطاق واسع، وتتولى سلطة قضائية مستقلة حماية مواده بقوة.

التحديات أمام مودي في جنوب الهندلقد فرض رئيس الوزراء ناريندرا مودي سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الهندية منذ صعوده إلى السلطة قبل عشر سنوات، مع استثناء واحد يتمثل بفشل في الفوز في ولايات الجنوب، الأكثر ثراءً في البلاد، التي كانت معقلاً لأحزاب إقليمية أو حزب «المؤتمر». وللعلم، فإن أكبر المكوّنات العرقية - اللغوية في ولايات الجنوب الخمس ذات الغالبية العرقية الدرافيدية، هي: التيلوغو (ولايتا أندرا براديش وتيلانغانا) والتاميل (ولاية تاميل نادو مع أقليات في ولايات مجاورة) والكانادا (ولاية كارناتاكا) والمالايالام (ولاية كيرالا ومقاطعتا لاخشاذويب وبونديشيري).

في ظل هذا الوضع، يواجه حزب «بهاراتيا جاناتا»، الممثل الرئيسي للعرقية الهندية الهندوسية المتركّزة في ولايات ما يسمى «الحزام الهندي»، صعوبات في اختراق معظم الولايات الجنوبية. واليوم يلاحَظ أن حركة «هندوتفا» القومية الهندوسية الهندية - التي تشكّل صلب تأييد حزب «بهاراتيا جانا» - تحاول التخفيف من غلوّ خطابها القومية العرقية الهندية وحدّته - بأمل جذب جمهور أوسع. وفعلاً، ركز مودي اهتمامه وأنظار تحالفه (التحالف الوطني الديمقراطي)، الذي يشكل «بهاراتيا جاناتا» حزبه الأكبر، في هذه الانتخابات... على محاولة اختراق الولايات الجنوبية، ما يشير إلى تحوّل استراتيجي في التواصل السياسي وأولويات الحكم.

والواقع، أن ولايات جنوب الهند الدرافيدية الخمس تشكّل معاً نحو 20 في المائة من إجمالي سكان البلاد، وفيها 30 في المائة من اقتصادها. وهي تعدّ القلب النابض لقطاعي التصنيع والتكنولوجيا الفائقة في الهند (بالأخص مدينتا بنغالور وحيدر آباد). كما تحظى المرأة فيها بتمكين على مستوى فرص التعليم والتوظيف، ولديها تاريخ طويل من السياسات التقدمية، وبالذات ولاية كيرالا.

وفي هذا الصدد، قال الصحافي مونيش شاندرا باندي: «الاندفاع نحو الجنوب لا يقتصر على السياسة الداخلية، بل يحمل كذلك أهمية جيوسياسية. فمع تزايد نفوذ الصين في منطقة المحيط الهندي، يكتسب الخط الساحلي الجنوبي أهمية استراتيجية متزايدة. وبالتالي، من شأن تعزيز النفوذ داخل الولايات الجنوبية، خاصة تاميل نادو، منح الهند ميزة استراتيجية في مجالي الأمن البحري والتعاون الإقليمي». وفعلاً، خلال الحملة الانتخابية، زار مودي أكثر من 12 مرة ولايات الجنوب خلال الأسابيع القليلة الماضية، في محاولة لتحسين حظوظ حزب «بهاراتيا جاناتا» في الجنوب، حيث تعرّض هذا الحزب لتجاهل كبير حتى عام 2019، عندما تجاوز حاجز 300 في الـ«لوك سابها» (مجلس النواب). مع ذلك، فإن جهود رئيس الوزراء لاختراق الجنوب لا تخلو من تحديات ومصاعب. ولا شك، أن التنوع اللغوي والثقافي، والهويات الإقليمية الراسخة، والانتماءات السياسية التاريخية، عقبات جّديّة أمام طموحات حزب عرقي هندوسي متشدد مثل «بهاراتيا جاناتا». ثم أن معالجة القضايا والحساسيات الخاصة في كل ولاية تتطلب اتباع نهج دقيق ومرن.

قادة حزب المؤتمر المعارض (من الشمال إلى اليمين) سونيا غاندي وماليكارجون خارج وراهول غاندي يحملون بيانات انتخابية (آ ب)

الجغرافيا السياسية لسياسة «هندوتفا»

راهناً، يُنظر إلى ناريندرا مودي، على نطاق واسع، باعتباره رمز «هندوتفا» في الهند، خاصةً أن سياساته تهدف إلى تعزيز مكانة الغالبية الهندوسية في بلد تشكّل فيه نحو 80 في المائة من السكان. إذ يقول منتقدو مودي وحزبه إن حكمه عزّز عودة ظهور «هندوتفا»، تلك الآيديولوجية القومية المتشددة التي تقوم على الإيمان بوجوب أن يكون للهندوس السيطرة الكاملة على الهند. واليوم، تدخل الهند هذه الانتخابات في ظل حالة من الاستقطاب والانقسام العميقين.

وما يُذكر أنه في وقت سابق من السنة، دشّن مودي معبد «هندو رام» في مدينة أيوديا، في الموقع حيث كان يقوم المسجد البابري التاريخي، ولقد شكّل هذا الحدث المستفز لمشاعر الأقلية المسلمة الانطلاقة غير الرسمية لحملة الانتخابات العامة لـ«بهاراتيا جاناتا»؛ إذ ألهب بناء المعبد على أنقاض المسجد المشاعر القومية الهندوسية في جميع أنحاء البلاد... وطبعاً قاد «بهاراتيا جاناتا» الاحتفالات. وفي المقابل، قاطع حزب المعارضة الرئيسي، حزب «المؤتمر الوطني الهندي»، الاحتفال، متهماً «بهاراتيا جاناتا» بتسييس الدين، علماً بأن نحو 200 مليون مسلم يعتبرون الهند وطنهم، وهؤلاء يشكلون ثالث أكبر مجتمع من المسلمين في العالم، وتحمل رفاهيتهم واهتماماتهم تبعات جيوسياسية.

دور مودي... شخصياً

وفي تجمع انتخابي عُقد في فترة قريبة، أشار مودي إلى المسلمين باعتبارهم «متسللين» و«أولئك الذين لديهم عدد أكبر من الأطفال»، كما حذّر من أن حزب «المؤتمر» المعارض سيعيد توزيع ثروة البلاد على المسلمين. وفي سياق التحريض العدائي المكشوف، نشر «بهاراتيا جاناتا» ايضاً مقطع فيديو بالرسوم المتحركة يزعم أن حزب «المؤتمر» سينتزع ثروات غير المسلمين ويوزّعها على المسلمين، الذين شبّههم بـ«الغزاة والإرهابيين واللصوص». وبعد أيام، اتهم مودي حزب «المؤتمر» بالدعوة إلى «جهاد التصويت»، وهي «نظرية مؤامرة» قديمة لطالما روّج لها القوميون الهندوس. وعليه، تقدمت أحزاب المعارضة بشكوى ضد مودي، لدى لجنة الانتخابات الهندية. وبالفعل، أزيل الفيديو.

هذا، ويقول زعماء بالمعارضة ومعلقون سياسيون إن رئيس الوزراء مودي ومعه ساسة من حزبه يواصلون نشر الكراهية الصارخة للإسلام والمسلمين. وقد انتقدوا لجنة الانتخابات صراحة لتأخرها باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم. ومن جانبهم، يشعر زعماء مسلمون بالقلق إزاء المسلمين بتمثيل كافٍ داخل البرلمان الهندي. وتكشف الأرقام عن أن هناك 27 نائباً مسلماً فقط في مجلس النواب المؤلف من 543 مقعداً في البرلمان، وليس بين هؤلاء أي نائب من نواب «بهاراتيا جاناتا» البالغ عددهم 310 نواب.في هذا الصدد، قال ضياء الإسلام، وهو مؤلّف كتاب عن المسلمين في الهند، إن المسلمين «وضعوا ثقتهم على مدى عقود في الأحزاب العلمانية؛ ما أسفر عن غياب حاد للقيادة الإسلامية». وفي ظل رئاسة مودي للوزراء، أصبحت سياسة «هندوتفا» جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي - القانوني - السياسي في الهند. وعلى المستوى الوطني، تضمن ذلك إلغاء وضع الولاية لكشمير، التي كانت سابقاً الولاية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند. وكذلك طبّقت الحكومة قانون الجنسية المثير للجدل، الذي يتهمه معنيون بحقوق الإنسان بالتمييز ضد المسلمين، وهو يمنع المسلمين المضطهدين (وحدهم بين الأقليات الدينية الأخرى، بما فيها الأقليات المسيحية) في البلدان المجاورة من طلب اللجوء في الهند. وقد أثار هذا في السابق احتجاجات على مستوى البلاد عام 2019.

فرض ناريندرا مودي سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الهندية

منذ صعوده إلى السلطة قبل عشر سنوات

مع استثناء واحد يتمثل في فشله بالفوز

في ولايات الجنوب

طابور ناخبين أمام أحد مراكز الاقتراع (آ ف ب)

تأثير الشتات الهندي على الانتخابات

> مع وجود نحو 18 مليون هندي يعيشون في الخارج، فإن الهند لديها أكبر جالية خارج أراضيها في العالم. ويعتبر الهنود غير المقيمين - أولئك الذين ما زالوا يحملون جوازات سفر هندية، لكنهم يعيشون في الخارج - مؤهلين للتصويت في الانتخابات. وكشفت تقارير إعلامية، عن أن كثيرين منهم سافروا جواً إلى الهند للتصويت؛ لأن التصويت الإلكتروني أو التصويت بالوكالة لم يُتح لهم بعد. وبشكل عام، تتمتع قوة الشتات الهندية الضخمة بأهمية جيوسياسية كبيرة في الانتخابات. وحسب المحلل السياسي مانيش شيبر، فإن «الشتات الهندي يمثل مجتمعاً كبيراً، ويشكل قوة متنامية لحشد الدعم في الداخل والخارج. وتنخرط الغالبية في أربعة مواضيع واسعة عندما يتعلق الأمر بالحملات الانتخابية: جمع الأموال للأحزاب السياسية، وتوفير الخدمات الفنية حول كيفية إدارة حملة فعالة، والتطوع لحملات التعبئة على الأرض في الهند، وممارسة الضغط. وخبرتهم تعني أنهم قادرون على توفير دفعة إضافية للحملات الانتخابية». مثلما كانت الحال داخل الهند، كان حزب «بهاراتيا جاناتا» الأكثر منهجية ونجاحاً هنا مقارنة بمنافسيه. ولذا؛ يعتبر هذا الشتات بمثابة سلاح سرّي لمودي، وإذا فاز بولاية ثالثة - كما يبدو مرجّحاً - فإن جزءاً من الفضل وراء ذلك سيعود إلى الشتات. والملاحظ أنه على امتداد السنوات العشر الماضية، حرص مودي على التودّد إلى المغتربين الهنود، وعقد تجمّعات حاشدة في دول منها الولايات المتحدة، وبريطانيا وأستراليا والعديد من الدول الأوروبية وشرق الأوسطية، حضرها الهنود بكثافة.ويعتقد عدد من محللي استطلاعات الرأي أنه خلال الفترة التي سبقت الانتخابات العامة لعام 2024، عاد ما يقدر بنحو 10 آلاف من مجموعة «أصدقاء حزب بهاراتيا جاناتا» في الخارج إلى الهند، للمشاركة في حملات على الأرض.

 

مودي أمام التداعيات الجيوسياسية لقمع المعارضة

> خلال في الفترة السابقة للانتخابات، اعتقل المسؤول الأول عن دلهي، أرفيند كيجريوال، على خلفية قضية تتعلق بالمشروبات الكحولية. وبعد أسابيع من الاعتقال، أمرت المحكمة العليا بإطلاق سراحه بكفالة. ولقد اتهم حزب «المؤتمر» المعارض، حكومة مودي اليمينية بتدمير قدرته على تنظيم حملات انتخابية، بسبب تجميد حساباته المصرفية في خضم نزاع ضريبي يعود للعام 2018 - 2019. واليوم، يمثّل حزبا «آم أدامي» و«المؤتمر» جزءاً من كتلة المعارضة الرئيسية في البلاد، في مواجهة مودي و«التحالف الوطني الديمقراطي» الذي يقوده. وأيضاً ألقت مديرية الإنفاذ القبض على هيمانت سورين، المسؤول الأول السابق عن ولاية جهارخاند، وعضو حزب المعارضة «جهارخاند موكتي مورتشا»، بناءً على اتهامات بموجب قانون مكافحة غسل الأموال، ولا يزال في السجن. وفي ضوء ذلك، انتقدت الولايات المتحدة وألمانيا الحكومة الهندية بسبب «قمع المعارضة». كذلك تناولت الأمم المتحدة عبر تصريحات مسؤوليها هذه الحملة ضد المعارضة.ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، قال إن الوزارة تتابع عن قرب التقارير الواردة عن اعتقال كيجريوال. وأكد، رداً على استفسار عبر البريد الإلكتروني حول هذه القضية: «نحن نشجع على إجراء عملية قانونية عادلة وشفافة وفي الوقت المناسب لكيجريوال». وجاءت التصريحات الأميركية بعدما أثارت تصريحات مماثلة من ألمانيا انتقادات من نيودلهي، التي استدعت مبعوث ألمانيا للاحتجاج على تصريحات حكومته.أما وزارة الخارجية الهندية، فادعت أن «العمليات القانونية في الهند تقوم على سلطة قضائية مستقلة ملتزمة بالنتائج الموضوعية وفي الوقت المناسب». وتابعت: «في الدبلوماسية، يُتوقع من الدول أن تحترم سيادة الدول الأخرى وشؤونها الداخلية. وتتجلّى هذه المسؤولية بشكل أكبر في حالة الديمقراطيات الشقيقة. وإلا قد ينتهي الأمر إلى إرساء سوابق غير صحية».


مقالات ذات صلة

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

حصاد الأسبوع مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

لأول مرة منذ تأسيس المشروع الأوروبي أواخر خمسينات القرن الماضي يرى الناظر إلى الساحة الأوروبية أن كل شيء قد تبدّل، أو هو على أعتاب تغيير عميق. لم يحصل أبداً أن

شوقي الريّس (بروكسل)
حصاد الأسبوع جوردان بارديلا.... الورقة الرابحة لليمين الفرنسي المتطرّف

جوردان بارديلا.... الورقة الرابحة لليمين الفرنسي المتطرّف

فوز حزب «التجمع الوطني» الفرنسي في الانتخابات الأوروبية، التي أجريت أخيراً، باللائحة التي قادها رئيسه جوردان بارديلا لم يكن يحمل أي مفاجأة. والسبب هو أنه منذ

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع مارين لوبان (رويترز)

كيف يقرأ الإعلام الفرنسي شخصية بارديلا؟

الصحافي بيار ستيفان فور كشف في كتابه «البديل الكبير... أو الوجه الخفي لبارديلا»، بعد بحث استغرق سنة كاملة وخصّص لتأليف هذه السيرة الشخصية لجوردان بارديلا،

«الشرق الأوسط» (باريس)
حصاد الأسبوع آثار الدمار في الفاشر (آ ف ب)

السودان: معركة «كسر عظم» في الفاشر

الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور بأقصى غرب السودان، هي المدينة الوحيدة في الإقليم الكبير، الذي تضاهي مساحته مساحة فرنسا، التي لا تزال في يد الجيش والميليشيات

أحمد يونس (أديس أبابا)
حصاد الأسبوع السيناتور توم كوتون

هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري بعد نحو 5 أشهر، لا يزال اسم نائب الرئيس الذي سيُدرج على بطاقة الانتخاب مع الرئيس السابق دونالد ترمب،

إيلي يوسف (واشنطن)

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)
مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)
TT

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)
مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)

لأول مرة منذ تأسيس المشروع الأوروبي أواخر خمسينات القرن الماضي يرى الناظر إلى الساحة الأوروبية أن كل شيء قد تبدّل، أو هو على أعتاب تغيير عميق. لم يحصل أبداً أن مرّ هذا المشروع، الذي نهض في أوروبا من رماد الحروب، ومن أجل تجنب تكرار تجربتها المريرة، بمثل هذه المرحلة التي تبدو فيها كل الإنجازات التي تراكمت على مدى سبعة عقود في مهبّ رياح العاصفة اليمينية المتطرفة والشعبوية. وهذه العاصفة تهدد اليوم حقاً بزعزعة أعمدة الهيكل الذي صمد حتى الآن بفضل توازنات صنعتها الأحزاب التقليدية المتراجعة شعبيتها باطراد منذ سنوات.

عند انتصاف الليلة الأخيرة من الأسبوع الماضي كان الأوروبيون قد ذهبوا إلى نومهم بعدما ظهرت النتائج الأولية للانتخابات الأوروبية مؤكدة توقعات صعود اليمين المتطرف في معظم أرجاء الاتحاد. ومع بزوغ فجر الاثنين كان حزب مارين لوبان، «التجمع الوطني»، يتصدّر المشهد السياسي الفرنسي بنسبة تزيد على ضعف ما حصل عليه «التجمّع» الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون الذي سارع إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة نهاية هذا الشهر. وفي ألمانيا كان «النازيون الجدد» يصعدون إلى المرتبة الثانية أمام الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي يقود الائتلاف الحاكم.

وفي موازاة كل هذا كانت أطراف الأخطبوط اليميني المتطرف تمتد وتترسّخ في النمسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا بعدما كانت قد ضربت جذورها في عمق المشهد الإيطالي، وبدأ الأوروبيون يشعرون بأنهم جالسون على فوّهة بركان يراقبون كيف أصبحت الدول الثلاث الكبرى في الاتحاد - أو كادت - تحت رحمة اليمين المتطرف.

المشهد الإسباني

في إسبانيا، بعدما تأكيد النتائج النهائية حلّ الحزب الشعبي اليميني في المرتبة الأولى حاصداً 186 مقعداً، أي بزيادة عشرة مقاعد عن الولاية السابقة. وفي المرتبة الثانية حلّت كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين التي حصلت على 135 مقعداً بعد خسارتها أربعة مقاعد، في حين أصيب تحالف الليبراليين بهزيمة قاسية بعدما خسر 23 مقعداً ليغدو رصيده 79 مقعداً. وفي المقابل، حصلت كتلة المحافظين و«الإصلاحيين» المناهضة للمشروع الأوروبي على 73 مقعداً وحصل «تكتل الهوية والديمقراطية» اليميني المتطرف على 58 مقعدا. أما التكتل الذي يقوده حزب «الخضر» فقد خسر 13 مقعداً ليصبح رصيده 53 مقعداً، في حين نال التكتل اليساري الذي يضمّ الأحزاب الشيوعية 36 مقعداً محتفظاً برصيده السابق. وأما بقية الأصوات فتوزّعت على الأحزاب التي لا تنتمي بعد إلى تشكيلة العائلات السياسية داخل البرلمان الأوروبي، ومعظمها من الأحزاب الشعبوية والقومية اليمينية مثل حزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي حصل على عشرة مقاعد.

هذا الصعود الذي حققته الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي في حال تضافرها يمكن أن تشكّل الكتلة الثانية في البرلمان الأوروبي، يجعل من هذه الانتخابات «زلزالاً» يتجاوز بكثير الاستفتاء الفرنسي الذي وأد عام 2005 مشروع «الدستور الأوروبي» الذي كانت الأحزاب التقليدية تعقد آمالاً كبيرة عليه لترسيخ مشروع الاندماج الأوروبي تحسبّاً لصعود القوى المناهضة الذي كانت بدأت تظهر أولى تباشيره.

أثبتت صناديق الاقتراع أن المشروع الأوروبي في خطر (آ ب)

التقليديون مطمئنون

ولكن على الرغم من وضوح التصدّع الذي أحدثه صعود اليمين المتطرف في المشهد السياسي الأوروبي، تبدو الأحزاب التقليدية مطمئنة لقدرتها على رصّ صفوفها لمواجهة هذا المد الواسع، متجاهلة مخاطر احتمالات وقوع فرنسا وألمانيا في قبضة أحزاب اليمين المتطرف المصمّم على وقف محركات مشروع الاندماج الأوروبي في احرج مراحله، لا سيما بعد النصر المدوّي الذي أحرزه حزبا «التجمع الوطني» في فرنسا، وصعود «البديل من اجل ألمانيا» إلى المرتبة الثانية اكبر دول الاتحاد.

الواقع أنه بعد «الطلاق» الذي فصل بريطانيا عن شركائها الأوروبيين منذ نيّف وأربع سنوات، أظهر الاتحاد الأوروبي أنه قادر تماماً على الاستمرار من دون الدولة التي كان الجنرال شارل ديغول يسمّيها في مجالسه الخاصة «حاملة الطائرات الأميركية قبالة الساحل الفرنسي». بيد أنه ليس من المؤكد أن المشروع الأوروبي سيظل قابلاً للبقاء من دون «المحور» الألماني - الفرنسي الذي لطالما شكّل القاطرة الاقتصادية والسياسية للاتحاد، أو حتى في حال تعرّض هذا المحور للعطب كما حصل يوم الأحد الفائت بعد الهزيمة التي مني بها كل من الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس أمام اليمين المتطرف.

المحور الألماني الفرنسي

على الرغم من الاهتزازات التي يعاني منها محور برلين - باريس منذ سنوات، فإنه بقي قادراً على دفع الاتحاد الأوروبي قُدماً في اللحظات المفصلية وساعة اتخاذ القرارات المصيرية. ولكن بعد ترسيخ قوى التطرف جذورها في عمق المشهد الإيطالي، وصعود يمين اليمين الذي يحمل رؤية مختلفة للمشروع الأوروبي، والغموض الذي يلف اليوم مستقبل ماكرون والائتلاف الألماني الحاكم بقيادة شولتس، يبدو «قلب الاتحاد» معرّضاً للشلل أو للانفجار. وكل هذا يحصل بينما يحتاج المشروع الأوروبي إلى تغييرات جذرية كي لا يتخلّف في السباق العالمي المحتدم على أكثر من صعيد بين المحاور الكبرى.

المراقبون في المؤسسات الأوروبية يجمعون على أن صعود القوى اليمينية المتطرفة والشعبوية هو دائماً مبعث قلق من حيث تداعياته السلبية على صعيد ترسيخ المشروع الأوروبي ومواصلة اندماجه، ويرون أن هذا القلق يتحوّل خطراً مباشراً يهدد ديمومة الاتحاد عندما يتركّز هذا الصعود في فرنسا وألمانيا اللتين تشكلان قوة الدفع التقليدية للمشروع الأوروبي. إذ إن الجنوح الأوروبي الواضح نحو اليمين، مشفوعاً بترهّل القوى الأوروبية في برلين وباريس، يجعل من الصعب جداً أن يبلغ الاتحاد أهدافه الرئيسية في المرحلة المقبلة، مثل زيادة الإنفاق في مجال البحوث والتنمية لمواكبة الصين والولايات المتحدة، أو مواصلة برنامج التوسعة نحو الشرق والقوقاز، أو الاستثمار في مشاريع الدفاع المشتركة والميثاق الأخضر. ولا شك، في أن هذا الجنوح ينذر بالمزيد من التحصينات «الانعزالية» داخل القلعة الأوروبية في وجه المهاجرين وطالبي اللجوء، بجانب تراجع الدعم لأوكرانيا... خاصة لمرحلة الإعمار.

أهمية المحور الألماني - الفرنسي ظهرت بشكل خاص إبان جائحة «كوفيد - 19» وما عقبها من توافق حول خطة النهوض، ثم تعرّض للاهتزاز مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا بسبب التباين في مواقف الشريكين حول الدعم العسكري والطاقة، لكنه ظل فاعلاً على الرغم من افتقار العلاقة الثنائية بين ماكرون وشولتس إلى الانسجام والحميمية اللذين ميّزا العلاقات بين القيادتين الفرنسية والألمانية لعقود. مع هذا، ثمة قاسم مشترك يجمع الزعيمين هو الرؤية نفسها للمشروع الأوروبي التي تختلف كلياً عن تلك التي يحملها غريماهما المحليان اليمينيان مارين لوبان وحزب «البديل من أجل ألمانيا».

في حسابات المقاعد

صحيح أن حسابات المقاعد في البرلمان الأوروبي الجديد تضمن حصول الأحزاب المعتدلة على الغالبية الكافية التي تسمح بالتصدي للجحافل الشعبوية والمتطرفة التي ما زالت دون انصهارها في كتلة واحدة متراصة عقبات كبيرة جداً. إلا أن انتخابات الأحد الماضي أسقطت الكثير من المحرّمات حول اليمين المتطرف. وأيضاً ترددات «الزلزال» الذي هزّ المحور الألماني - الفرنسي صارت مسموعة في جميع أرجاء الاتحاد، خاصةً، بعد سقوط الكثير من الحواجز التي كانت تحول تواصل اليمين المعتدل مع القوى المتطرفة على يمينه.

كذلك، لئن كان البرلمان الأوروبي قد اكتسب صلاحيات واسعة خلال السنوات الأخيرة، فان «غرفة العمليات» الأساسية في الاتحاد ما زالت تستند إلى المفوضية والمجلس، أي إلى حكومات الدول الأعضاء مجتمعة. وعندما تكون هاتان المؤسستان على الموجة ذاتها، تكون الرياح مواتية لإبحار سفينة الاتحاد من غير أن تتعرّض لمخاطر الجنوح، لكن عندما يختلّ الانسجام بين البلدان الأعضاء تصبح بوصلة المشروع الأوروبي حائرة في تحديد الوجهة الصحيحة.

ومن ثم، لا شك في أن القرار المفاجئ الذي أقدم عليه الرئيس الفرنسي ماكرون بدعوته إلى إجراء انتخابات مُسبقة نهاية هذا الشهر قبل انطلاق الألعاب الأولمبية الصيفية في بلاده، ينطوي على مجازفة كبيرة قد تضعفه وتضيّق هامش تحركاته في حال جدّد حزب مارين لوبان فوزه في الانتخابات الأوروبية، ويفتح الباب أمام دخول وزراء من هذا الحزب إلى مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع بصلاحيات اشتراعية واسعة، يدعمهم وزراء من اليمين الإيطالي المتطرف. ويتوقع مسؤولون في الدوائر الأوروبية أن يؤدي انتصار لوبان و«تجمعها الوطني» في الانتخابات الفرنسية إلى عرقلة سياسة الهجرة الأوروبية التي وصلت إلى خواتيمها بعد مخاض عسير وطويل، وربما إلى تغييرها نظراً للتحوّل الذي طرأ أخيراً على مواقف العديد من الأحزاب الأوروبية المحافظة.

الوضع الألماني ... أقل حرجاً

الوضع في ألمانيا، وعلى الرغم من خطورته نظراً لموقعها ودورها الاستراتيجي داخل الاتحاد، يبقى مرحلياً في الظرف الراهن وقابلاً للتجاوز بسهولة في ظل وجود بديل أوروبي معتدل يقوده حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. أي بعكس الوضع في فرنسا الذي ينذر بأزمة سياسية عميقة توشك أن تهمّش الأحزاب السياسية التي لعبت دوراً تاريخياً في بناء الصرح المؤسسي للاتحاد الأوروبي، ويرجّح كثيرون أن تكون رصاصة الرحمة التي تقضي على محور برلين - باريس.

وحقاُ، كان أوّل الغيث المؤشر إلى تداعيات «زلزال» الانتخابات الأوروبية في فرنسا وألمانيا حالة أسواق المال منذ بداية هذا الأسبوع، لا سيما، بعدما أصبح ماكرون محشوراً في زاوية ضيّقة ومحاصراً من كل الجهات، وبعدما تقدّم «البديل من أجل ألمانيا» على الأحزاب الثلاثة التي تشكّل الائتلاف الحاكم بقيادة شولتس.

الضباب الكثيف الذي أسدله مستقبل ماكرون الغامض وهشاشة وضع المستشار الألماني، حتماً يقلّصان الطموحات الأوروبية في هذه الولاية التشريعية التي من المفترض أن تعيش مرحلة التحولات الكبرى الممهدة لتوسعة جديدة في عضوية الاتحاد. وللعلم، التقرير المنتظر الذي اعدّه رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي حول مستقبل النادي الأوروبي، والذي سيقدّمه بعد أيام أمام البرلمان الجديد، يؤكد على حاجة الاتحاد الملحة إلى تغيير جذري من أجل صون نموذجيه الاقتصادي والاجتماعي على الساحة الدولية الراهنة. بيد أن النتائج التي أسفرت عنها هذه الانتخابات الأوروبية تنذر باستحالة حدوث هذا التغيير، لا، بل إن بعض الحكومات قد تدفع باتجاه تقليص المساعي الاندماجية.

تحت وطأة الهزيمة ...الرئيس الفرنسي ماكرون دعا إلى انتخابات مبكرة في فرنسا (رويترز)

علامات استفهام حول المواقف المستقبلية لقوى اليمين المحافظ التقليدي

مع تزايد الترقب بانتظار الولاية التشريعية الجديدة في البرلمان الأوروبي منتصف الشهر المقبل، عندما تكون قد ارتسمت الملامح النهائية للمأساة الفرنسية - من غير استبعاد مفاجآت أخرى -، تتجه الأنظار نحو «ضفة» القوى المحافظة واليمينية التقليدية.هذه القوى لم تحسم بعد بصورة نهائية مفاضلتها بين الحفاظ على التحالف التقليدي مع الاشتراكيين والتقدميين والليبراليين الذي أمّن التوازن والتناوب السلس في مؤسسات الاتحاد طيلة عقود، أو مواصلة الجنوح نحو الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يبدو أنها نجحت في تمويه جذورها مثل «إخوان إيطاليا» الذي تقوده رئيسة وزرائها جيورجيا ميلوني.البوادر المبكرة التي ظهرت حتى الآن توحي بأن كتلة «الحزب الشعبي الأوروبي» (منبر القوى المحافظة واليمينية التقليدية) تتجه إلى تجديد التفاهم التقليدي والانفتاح على «الخضر» الذين أعربوا عن استعدادهم للانضمام إلى جبهة عريضة في وجه المدّ المتطرف شريطة استعادة «الميثاق الأخضر» إلى أولويات الاتحاد.ويستدلّ من التصريحات الأولى التي أدلت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين - الطامحة إلى تجديد ولايتها على رأس المفوضية - بأنها قد أوقفت اندفاعتها نحو التحالف مع ميلوني؛ إذ قالت: «الوسط صامد، وسنرفع حصناً منيعاً ضد التطرفين اليميني واليساري». ولم يتأخر مواطنها مانفريد فيبر، رئيس الكتلة الشعبية المحافظة في البرلمان الأوروبي، في دعوة الأحزاب المعتدلة إلى رصّ الصفوف في «تحالف ديمقراطي أوروبي» يقطع الطريق على التطرف ويجهض المناورات الهادفة إلى تدمير الاتحاد.غير أن هذه التصريحات، ما زالت في مرحلة جسّ النبض في انتظار وضوح التحالفات التي ستستقر عليها مواقف الأحزاب اليمينية المتطرفة الكبرى، مثل «التجمع الوطني» الفرنسي و«إخوان إيطاليا» و«البديل من أجل ألمانيا». وبالتالي، لا يستبعد المراقبون ظهور مفاجآت في الأيام المقبلة، خاصة عندما تدخل المفاوضات حول توزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد مرحلة الحسم تمهيداً للجلسة الأولى للبرلمان الأوروبي الجديد منتصف الشهر المقبل.وهنا، تشير آخر الدلائل إلى أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت. وضمن هذا الإطار كانت الخطوة التي أقدمت عليها ميلوني عشيّة «قمة الدول الصناعية السبع» التي ترأسها إيطاليا راهناً، بتعديل مشروع البيان النهائي حول بنود الهجرة والإجهاض، بالتنسيق والتناغم التام مع مارين لوبان، وليس مع الرئيس الفرنسي والشركاء الأوروبيين. ولقد استدعى هذا الأمر ردّاً قاسياً من باريس وبرلين اللتين حذّرتا من «أيام عاصفة» على المسرح الأوروبي.