الانتخابات الهندية ودلالاتها الجيوسياسية داخل النظام العالمي

أمام خلفية الفوز شبه المؤكد لليمين القومي الهندوسي

مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
TT

الانتخابات الهندية ودلالاتها الجيوسياسية داخل النظام العالمي

مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)

تمتد التبعات الجيوسياسية للانتخابات الهندية، التي هي الأكبر على الإطلاق في العالم، إلى ما وراء حدود الهند. ومع اقتراب فترة ولاية ثالثة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، تستحوذ هذه الانتخابات على اهتمام دبلوماسي عالمي؛ نظراً لتداعياتها على الاستقرار الإقليمي والعالمي. وكذلك تزداد أهمية نتائجها في ضوء إلى النفوذ الهندي المتنامي على الساحة الدولية. ولكون الهند الدولة الأولى من حيث عدد السكان في العالم، وواحدة من أكبر أسواقه الاستهلاكية، يرى الخبراء المراقبون أنه عندما يتعلق الأمر بالتحديات الكبرى التي يواجهها العالم كالحرب الروسية - الأوكرانية، وأوضاع الشرق الأوسط الساخنة، وملف الصين وتايوان، بجانب التغييرات المناخية والإرهاب والاقتصاد العالمي، يبدو من الصعب التفكير في حلول لأي من هذه القضايا العابرة للحدود من دون مشاركة فاعلة من الهند.

الانتخابات الهندية 2024 آفاقيبدو فوز رئيس الوزراء الهندي اليميني ناريندرا مودي شبه مؤكد بولاية ثالثة، وهذا الأمر يستوجب فهماً أعمق لأهداف السياسة الخارجية لنيودلهي في الفترة المقبلة، وكيف ترغب في تشكيل العلاقات الدولية وكذلك التحولات الدبلوماسية المحتملة.

وبما يخصّ الحرب الروسية - الأوكرانية ظهر جانبان من مواقف مودي أثناء حملته الانتخابية الأخيرة أمام رئيسي روسيا فلاديمير بوتين وأوكرانيا فولوديمير زيلينسكي. الأول - كما نشر الزعيم الهندي على موقع «إكس» - أنه ناقش موضوع تعزيز شراكة الهند مع البلدين. أما الآخر، فكان عملياً طمأنة الزعيمين إلى أن نيودلهي لا تزال ملتزمة بمساعدة موسكو وكييف على إيجاد حل سلمي للصراع بينهما.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، أرسل مودي مستشاره للأمن الوطني، أجيت دوفال، إلى إسرائيل ليبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بأنه لا ينبغي له أن يعتبر دعم الهند له أمراً مفروغاً منه، وناشده ألا يتجاهل الاحتجاجات الدولية المتزايدة على الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في غزة. وهنا، عبّر المحلل السياسي الهندي ناريش كوشيك، عن اعتقاده بأن مودي، عبْر تناوله صراعين عالميين رئيسيين، «حتى أثناء انخراطه بعمق في حملة الانتخابات العامة في الداخل، يظهر للجميع أنه يتعامل بجدية مع مسؤولية الهند على الساحة الدولية. والأهم من ذلك، أنه يكشف عن أن العالم هو الآخر، يأخذه على محمل الجد، وأن الهند تحت قيادته أصبحت لاعباً عالمياً مهماً».

الجدير بالذكر، هنا، أن الهند كانت القوة الكبرى الوحيدة، التي حافظت على حيادها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل سنتين. وعلى الرغم من العلاقات التاريخية الوثيقة التي لنيودلهي بموسكو، تكلم مودي بنبرة حازمة إلى بوتين في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخبره أن الوقت ليس مناسباً للحرب؛ الأمر الذي حظي إشادة القوى الغربية على نطاق واسع. وأيضاً، تحترم القيادة الإسرائيلية، آراء مودي، لا سيما وأنه كان أول زعيم غير غربي يدين هجوم جماعة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويعتبره «عملاً إرهابياً».

من جهة ثانية، بفضل تمتع الهند باقتصاد أقوى، أتيحت فرص جديدة ليس فقط لها، بل كذلك للدول الأخرى الراغبة في الاستفادة من سوقها الضخمة. وهذا يتطلّب بالضرورة مناخاً سياسياً مستقراً وصديقاً للأعمال. ولقد وفّر الزعيم الهندي اليميني ذلك. واليوم يُعد الاقتصاد الهندي سبباً بارزاً آخر يدفع العالم لأن يولي اهتماماً وثيقاً بالبلاد. والحقيقة، أن الأمر لا يتعلق بحجم الهند فحسب، بل أيضاً لكون اقتصادها الأسرع نمواً بين اقتصادات الدول الكبرى. ومعلومٌ، أن الحرب في أوكرانيا أثرت سلباً على معظم الاقتصادات الأوروبية، في حين يعاني الاقتصاد الصيني - ثاني أكبر اقتصادات العالم - من تداعيات جائحة «كوفيد - 19».

تنافس موسكو وواشنطن

ناريش كوشيك يرى أن الخلاف الأخير بين الولايات المتحدة وروسيا حول الانتخابات الهندية، «يُعد مؤشراً واضحاً على الأهمية الجيوسياسية لهذه الانتخابات». وكانت واشنطن قد اضطرت أخيراً إلى إعلان رفضها الرسمي كلام الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بشأن تدخل اميركي مزعوم في الانتخابات الهندية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر، في توضيح للموقف: «لا، بالطبع، نحن لا نقحم أنفسنا في الانتخابات بالهند... كما أننا لا نقحم أنفسنا في الانتخابات بأي مكان في العالم». إلا أن السؤال هنا، هو إذا كان من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز مودي، وحزبه «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي، بالانتخابات، فلماذا تستحوذ الانتخابات الهندية على اهتمام دولي واسع النطاق؟

لقد حافظت الهند على صفتها كدولة ديمقراطية منذ الانتخابات الأولى التي شهدتها في الفترة 1951 - 1952، في وجه التحديات الكثيرة التي واجهتها. ومع أن تجربتها ليست خالية من العيوب، فإن الحكومات على مستوى الولايات الهندي، وأيضاً على المستوى المركزي، يجري تغييرها عن طريق الاقتراع. وبناءً عليه؛ تعد الهند الديمقراطية الوحيدة غير الغربية التي أنجزت ذلك مراراً وتكراراً على مر السنين. وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة، لا يزال الدستور في الهند يحظى بالاحترام على نطاق واسع، وتتولى سلطة قضائية مستقلة حماية مواده بقوة.

التحديات أمام مودي في جنوب الهندلقد فرض رئيس الوزراء ناريندرا مودي سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الهندية منذ صعوده إلى السلطة قبل عشر سنوات، مع استثناء واحد يتمثل بفشل في الفوز في ولايات الجنوب، الأكثر ثراءً في البلاد، التي كانت معقلاً لأحزاب إقليمية أو حزب «المؤتمر». وللعلم، فإن أكبر المكوّنات العرقية - اللغوية في ولايات الجنوب الخمس ذات الغالبية العرقية الدرافيدية، هي: التيلوغو (ولايتا أندرا براديش وتيلانغانا) والتاميل (ولاية تاميل نادو مع أقليات في ولايات مجاورة) والكانادا (ولاية كارناتاكا) والمالايالام (ولاية كيرالا ومقاطعتا لاخشاذويب وبونديشيري).

في ظل هذا الوضع، يواجه حزب «بهاراتيا جاناتا»، الممثل الرئيسي للعرقية الهندية الهندوسية المتركّزة في ولايات ما يسمى «الحزام الهندي»، صعوبات في اختراق معظم الولايات الجنوبية. واليوم يلاحَظ أن حركة «هندوتفا» القومية الهندوسية الهندية - التي تشكّل صلب تأييد حزب «بهاراتيا جانا» - تحاول التخفيف من غلوّ خطابها القومية العرقية الهندية وحدّته - بأمل جذب جمهور أوسع. وفعلاً، ركز مودي اهتمامه وأنظار تحالفه (التحالف الوطني الديمقراطي)، الذي يشكل «بهاراتيا جاناتا» حزبه الأكبر، في هذه الانتخابات... على محاولة اختراق الولايات الجنوبية، ما يشير إلى تحوّل استراتيجي في التواصل السياسي وأولويات الحكم.

والواقع، أن ولايات جنوب الهند الدرافيدية الخمس تشكّل معاً نحو 20 في المائة من إجمالي سكان البلاد، وفيها 30 في المائة من اقتصادها. وهي تعدّ القلب النابض لقطاعي التصنيع والتكنولوجيا الفائقة في الهند (بالأخص مدينتا بنغالور وحيدر آباد). كما تحظى المرأة فيها بتمكين على مستوى فرص التعليم والتوظيف، ولديها تاريخ طويل من السياسات التقدمية، وبالذات ولاية كيرالا.

وفي هذا الصدد، قال الصحافي مونيش شاندرا باندي: «الاندفاع نحو الجنوب لا يقتصر على السياسة الداخلية، بل يحمل كذلك أهمية جيوسياسية. فمع تزايد نفوذ الصين في منطقة المحيط الهندي، يكتسب الخط الساحلي الجنوبي أهمية استراتيجية متزايدة. وبالتالي، من شأن تعزيز النفوذ داخل الولايات الجنوبية، خاصة تاميل نادو، منح الهند ميزة استراتيجية في مجالي الأمن البحري والتعاون الإقليمي». وفعلاً، خلال الحملة الانتخابية، زار مودي أكثر من 12 مرة ولايات الجنوب خلال الأسابيع القليلة الماضية، في محاولة لتحسين حظوظ حزب «بهاراتيا جاناتا» في الجنوب، حيث تعرّض هذا الحزب لتجاهل كبير حتى عام 2019، عندما تجاوز حاجز 300 في الـ«لوك سابها» (مجلس النواب). مع ذلك، فإن جهود رئيس الوزراء لاختراق الجنوب لا تخلو من تحديات ومصاعب. ولا شك، أن التنوع اللغوي والثقافي، والهويات الإقليمية الراسخة، والانتماءات السياسية التاريخية، عقبات جّديّة أمام طموحات حزب عرقي هندوسي متشدد مثل «بهاراتيا جاناتا». ثم أن معالجة القضايا والحساسيات الخاصة في كل ولاية تتطلب اتباع نهج دقيق ومرن.

قادة حزب المؤتمر المعارض (من الشمال إلى اليمين) سونيا غاندي وماليكارجون خارج وراهول غاندي يحملون بيانات انتخابية (آ ب)

الجغرافيا السياسية لسياسة «هندوتفا»

راهناً، يُنظر إلى ناريندرا مودي، على نطاق واسع، باعتباره رمز «هندوتفا» في الهند، خاصةً أن سياساته تهدف إلى تعزيز مكانة الغالبية الهندوسية في بلد تشكّل فيه نحو 80 في المائة من السكان. إذ يقول منتقدو مودي وحزبه إن حكمه عزّز عودة ظهور «هندوتفا»، تلك الآيديولوجية القومية المتشددة التي تقوم على الإيمان بوجوب أن يكون للهندوس السيطرة الكاملة على الهند. واليوم، تدخل الهند هذه الانتخابات في ظل حالة من الاستقطاب والانقسام العميقين.

وما يُذكر أنه في وقت سابق من السنة، دشّن مودي معبد «هندو رام» في مدينة أيوديا، في الموقع حيث كان يقوم المسجد البابري التاريخي، ولقد شكّل هذا الحدث المستفز لمشاعر الأقلية المسلمة الانطلاقة غير الرسمية لحملة الانتخابات العامة لـ«بهاراتيا جاناتا»؛ إذ ألهب بناء المعبد على أنقاض المسجد المشاعر القومية الهندوسية في جميع أنحاء البلاد... وطبعاً قاد «بهاراتيا جاناتا» الاحتفالات. وفي المقابل، قاطع حزب المعارضة الرئيسي، حزب «المؤتمر الوطني الهندي»، الاحتفال، متهماً «بهاراتيا جاناتا» بتسييس الدين، علماً بأن نحو 200 مليون مسلم يعتبرون الهند وطنهم، وهؤلاء يشكلون ثالث أكبر مجتمع من المسلمين في العالم، وتحمل رفاهيتهم واهتماماتهم تبعات جيوسياسية.

دور مودي... شخصياً

وفي تجمع انتخابي عُقد في فترة قريبة، أشار مودي إلى المسلمين باعتبارهم «متسللين» و«أولئك الذين لديهم عدد أكبر من الأطفال»، كما حذّر من أن حزب «المؤتمر» المعارض سيعيد توزيع ثروة البلاد على المسلمين. وفي سياق التحريض العدائي المكشوف، نشر «بهاراتيا جاناتا» ايضاً مقطع فيديو بالرسوم المتحركة يزعم أن حزب «المؤتمر» سينتزع ثروات غير المسلمين ويوزّعها على المسلمين، الذين شبّههم بـ«الغزاة والإرهابيين واللصوص». وبعد أيام، اتهم مودي حزب «المؤتمر» بالدعوة إلى «جهاد التصويت»، وهي «نظرية مؤامرة» قديمة لطالما روّج لها القوميون الهندوس. وعليه، تقدمت أحزاب المعارضة بشكوى ضد مودي، لدى لجنة الانتخابات الهندية. وبالفعل، أزيل الفيديو.

هذا، ويقول زعماء بالمعارضة ومعلقون سياسيون إن رئيس الوزراء مودي ومعه ساسة من حزبه يواصلون نشر الكراهية الصارخة للإسلام والمسلمين. وقد انتقدوا لجنة الانتخابات صراحة لتأخرها باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم. ومن جانبهم، يشعر زعماء مسلمون بالقلق إزاء المسلمين بتمثيل كافٍ داخل البرلمان الهندي. وتكشف الأرقام عن أن هناك 27 نائباً مسلماً فقط في مجلس النواب المؤلف من 543 مقعداً في البرلمان، وليس بين هؤلاء أي نائب من نواب «بهاراتيا جاناتا» البالغ عددهم 310 نواب.في هذا الصدد، قال ضياء الإسلام، وهو مؤلّف كتاب عن المسلمين في الهند، إن المسلمين «وضعوا ثقتهم على مدى عقود في الأحزاب العلمانية؛ ما أسفر عن غياب حاد للقيادة الإسلامية». وفي ظل رئاسة مودي للوزراء، أصبحت سياسة «هندوتفا» جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي - القانوني - السياسي في الهند. وعلى المستوى الوطني، تضمن ذلك إلغاء وضع الولاية لكشمير، التي كانت سابقاً الولاية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند. وكذلك طبّقت الحكومة قانون الجنسية المثير للجدل، الذي يتهمه معنيون بحقوق الإنسان بالتمييز ضد المسلمين، وهو يمنع المسلمين المضطهدين (وحدهم بين الأقليات الدينية الأخرى، بما فيها الأقليات المسيحية) في البلدان المجاورة من طلب اللجوء في الهند. وقد أثار هذا في السابق احتجاجات على مستوى البلاد عام 2019.

فرض ناريندرا مودي سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الهندية

منذ صعوده إلى السلطة قبل عشر سنوات

مع استثناء واحد يتمثل في فشله بالفوز

في ولايات الجنوب

طابور ناخبين أمام أحد مراكز الاقتراع (آ ف ب)

تأثير الشتات الهندي على الانتخابات

> مع وجود نحو 18 مليون هندي يعيشون في الخارج، فإن الهند لديها أكبر جالية خارج أراضيها في العالم. ويعتبر الهنود غير المقيمين - أولئك الذين ما زالوا يحملون جوازات سفر هندية، لكنهم يعيشون في الخارج - مؤهلين للتصويت في الانتخابات. وكشفت تقارير إعلامية، عن أن كثيرين منهم سافروا جواً إلى الهند للتصويت؛ لأن التصويت الإلكتروني أو التصويت بالوكالة لم يُتح لهم بعد. وبشكل عام، تتمتع قوة الشتات الهندية الضخمة بأهمية جيوسياسية كبيرة في الانتخابات. وحسب المحلل السياسي مانيش شيبر، فإن «الشتات الهندي يمثل مجتمعاً كبيراً، ويشكل قوة متنامية لحشد الدعم في الداخل والخارج. وتنخرط الغالبية في أربعة مواضيع واسعة عندما يتعلق الأمر بالحملات الانتخابية: جمع الأموال للأحزاب السياسية، وتوفير الخدمات الفنية حول كيفية إدارة حملة فعالة، والتطوع لحملات التعبئة على الأرض في الهند، وممارسة الضغط. وخبرتهم تعني أنهم قادرون على توفير دفعة إضافية للحملات الانتخابية». مثلما كانت الحال داخل الهند، كان حزب «بهاراتيا جاناتا» الأكثر منهجية ونجاحاً هنا مقارنة بمنافسيه. ولذا؛ يعتبر هذا الشتات بمثابة سلاح سرّي لمودي، وإذا فاز بولاية ثالثة - كما يبدو مرجّحاً - فإن جزءاً من الفضل وراء ذلك سيعود إلى الشتات. والملاحظ أنه على امتداد السنوات العشر الماضية، حرص مودي على التودّد إلى المغتربين الهنود، وعقد تجمّعات حاشدة في دول منها الولايات المتحدة، وبريطانيا وأستراليا والعديد من الدول الأوروبية وشرق الأوسطية، حضرها الهنود بكثافة.ويعتقد عدد من محللي استطلاعات الرأي أنه خلال الفترة التي سبقت الانتخابات العامة لعام 2024، عاد ما يقدر بنحو 10 آلاف من مجموعة «أصدقاء حزب بهاراتيا جاناتا» في الخارج إلى الهند، للمشاركة في حملات على الأرض.

 

مودي أمام التداعيات الجيوسياسية لقمع المعارضة

> خلال في الفترة السابقة للانتخابات، اعتقل المسؤول الأول عن دلهي، أرفيند كيجريوال، على خلفية قضية تتعلق بالمشروبات الكحولية. وبعد أسابيع من الاعتقال، أمرت المحكمة العليا بإطلاق سراحه بكفالة. ولقد اتهم حزب «المؤتمر» المعارض، حكومة مودي اليمينية بتدمير قدرته على تنظيم حملات انتخابية، بسبب تجميد حساباته المصرفية في خضم نزاع ضريبي يعود للعام 2018 - 2019. واليوم، يمثّل حزبا «آم أدامي» و«المؤتمر» جزءاً من كتلة المعارضة الرئيسية في البلاد، في مواجهة مودي و«التحالف الوطني الديمقراطي» الذي يقوده. وأيضاً ألقت مديرية الإنفاذ القبض على هيمانت سورين، المسؤول الأول السابق عن ولاية جهارخاند، وعضو حزب المعارضة «جهارخاند موكتي مورتشا»، بناءً على اتهامات بموجب قانون مكافحة غسل الأموال، ولا يزال في السجن. وفي ضوء ذلك، انتقدت الولايات المتحدة وألمانيا الحكومة الهندية بسبب «قمع المعارضة». كذلك تناولت الأمم المتحدة عبر تصريحات مسؤوليها هذه الحملة ضد المعارضة.ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، قال إن الوزارة تتابع عن قرب التقارير الواردة عن اعتقال كيجريوال. وأكد، رداً على استفسار عبر البريد الإلكتروني حول هذه القضية: «نحن نشجع على إجراء عملية قانونية عادلة وشفافة وفي الوقت المناسب لكيجريوال». وجاءت التصريحات الأميركية بعدما أثارت تصريحات مماثلة من ألمانيا انتقادات من نيودلهي، التي استدعت مبعوث ألمانيا للاحتجاج على تصريحات حكومته.أما وزارة الخارجية الهندية، فادعت أن «العمليات القانونية في الهند تقوم على سلطة قضائية مستقلة ملتزمة بالنتائج الموضوعية وفي الوقت المناسب». وتابعت: «في الدبلوماسية، يُتوقع من الدول أن تحترم سيادة الدول الأخرى وشؤونها الداخلية. وتتجلّى هذه المسؤولية بشكل أكبر في حالة الديمقراطيات الشقيقة. وإلا قد ينتهي الأمر إلى إرساء سوابق غير صحية».


مقالات ذات صلة

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

حصاد الأسبوع دمار غزة (إ.ب.أ)

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

عندما دخل حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم «حماس» على المواقع

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي، منتصف الشهر المقبل، لتثبيت ترشيح دونالد ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزايدت التكهنات والترشيحات

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كمالا هاريس (آ ب)

ستيفانيك الطموحة تراجعت عن مواقفها المعتدلة لأجل طموحاتها السياسية

مواقف النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك من إسرائيل، ولا سيما بعد «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)» عزّزت تحوّلها إلى شخصية مفضّلة عند الرئيس السابق دونالد ترمب، غير

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)

أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

بمواجهة الخوف من التعرض لعقوبات أميركية، وبعد سنوات من المفاوضات والانتكاسات، وقّعت الهند، أخيراً، اتفاقية طويلة الأمد مع إيران بخصوص تشغيل وإدارة ميناء

براكريتي غوبتا (يودلهي)
حصاد الأسبوع مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

لأول مرة منذ تأسيس المشروع الأوروبي أواخر خمسينات القرن الماضي يرى الناظر إلى الساحة الأوروبية أن كل شيء قد تبدّل، أو هو على أعتاب تغيير عميق. لم يحصل أبداً أن

شوقي الريّس (بروكسل)

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

دمار غزة (إ.ب.أ)
دمار غزة (إ.ب.أ)
TT

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

دمار غزة (إ.ب.أ)
دمار غزة (إ.ب.أ)

عندما دخل حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم «حماس» على المواقع العسكرية والبلدات الإسرائيلية في غلاف غزة، حظيت خطوته بتقدير كبير من الجمهور. وفي أول استطلاع رأي أجرته صحيفة «معاريف» خلال تلك الفترة، في أول ديسمبر (كانون الأول) منحه الناخبون 40 مقعداً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قوته الانتخابية، إذ كان له 12 مقعداً فقط. وحسب تلك النتائج، هبط حزب «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو من 32 مقعداً، له اليوم، إلى 18 مقعداً. ودلَّت النتائج على أن معسكر نتنياهو يهبط من 64 إلى 43 مقعداً، فيما يرتفع نصيب المعسكر المناوئ له من 54 إلى 77 مقعداً. حصاد3 – مستقبل إسرائيل تحت هيمنة اليمين المطلقة

لقد نظر الشارع الإسرائيلي إلى بيني غانتس بنهاية العام الماضي على أنه قائد متواضع يتصرّف كجندي في الاحتياط، يمتثل للأوامر العسكرية، ويضع مصلحة الدولة فوق أي اعتبار. ورأى أن الرجل، «الملسوع» من تجربة سابقة مع بنيامين نتنياهو -والذي استقال أخيراً من حكومته- عضّ على جرحه وعاد للتحالف معه مجدداً في سبيل «الوحدة الوطنية». ويذكر أن الإعجاب بغانتس قد ازداد أكثر عندما أعلن قُبيل تعيينه أنه لا يطالب بوزارات له ولرفاقه، بل كل ما يطلبه هو الشراكة الفعلية في إدارة الحرب، وكان له ما أراد.

يومها، وفقاً لشهود عيان كثيرين، كان نتنياهو محطماً نفسياً من هول الضربة. إذ تمكّنت «حماس» من مباغتة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات وإلحاق خسائر فادحة، قتلى وجرحى، واحتلت 11 موقعاً عسكرياً و22 بلدة، فيما بدت القيادة الإسرائيلية كأنها تغطّ في سُبات عميق.

أيضاً، نتنياهو، بصفته رئيس حكومة، يتحمّل مسؤولية أساسية عن هذا الإخفاق، ولذا طالبه 84 في المائة من الإسرائيليين بالاستقالة. أما الجيش فعمد إلى فعلٍ انتقامي هستيري، وشن حرب دمار شامل أحرق فيها غزة وأهلها -وليس «حماس»- وأخذ يُعدّ لتوجيه ضربة استباقية إلى لبنان، حتى قبل أن يعلن «حزب الله» حرب «الإسناد».

الكرامة وإنقاذ الهيبة

كان غانتس، ومعه «شريكه» رئيس الأركان السابق الآخر غادي آيزنكوت، قد جاءا إلى «مجلس قيادة الحرب» ليسهما في «إنقاذ هيبة وكرامة الجيش الإسرائيلي»، وحقاً صار الجمهور يرى في غانتس أفضل المرشحين لرئاسة الحكومة بدل نتنياهو. ولكن الآن بعد مضيّ أكثر من 8 أشهر، عاد الجمهور الإسرائيلي يفتش عن رئيس حكومة آخر، بعد فقدانه الأمل في نتنياهو يقنعه... وأيضاً في غانتس وكل مرشح من الشخصيات القيادية المطروحة.

الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن غانتس سيهبط إلى 27 مقعداً، ولكن إذا أُسس حزب يميني آخر سيوزّع الجمهور أصواته بين غانتس والحزب الجديد. وهذا ليس تصوراً وهمياً، بل واقعي جداً. إذ إن رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بنيت، يسعى لتشكيل حزب يضم يوسي كوهين، رئيس «الموساد» السابق، وغدعون ساعر الوزير والحليف السابق لغانتس، وأفيغدور ليبرمان رئيس حزب «اليهود الروس»، وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن هذا الحزب سيحصد الأصوات من كل الأحزاب وسيصبح الحزب الأكبر، مما يعني أنه سيكلَّف بتشكيل الحكومة.

وهكذا، يخرج غانتس مرة أخرى «من المولد بلا حمص»، بعدما انفضّ الجمهور عنه. فلماذا يحصل له هذا وهو الذي يحمل على كتفه 33 سنة من الخدمة العسكرية ويتعامل مع محيطه بصدق وصراحة... ومعروف أنه لا ينتمي إلى شريحة السياسيين الفاسدين؟

نتنياهو حاضراً اجتماعاً حكومياً (رويترز)

طريقة اللعب... وتقبّل الفساد

غانتس بنفسه ليس بريئاً من هذه النتيجة، لكنَّ المسؤولية لا تنحصر به. فإسرائيل تعيش أزمة وطنية كبرى، سياسية ومجتمعية شاملة، والشارع يتجه نحو اليمين بشكل جارف، وكما في كل حرب... يتجه أكثر وأكثر إلى اليمين. بينما غانتس يُعد من الجناح الليبرالي، وكان قد أعرب عن تأييده لـ«حل الدولتين».

أيضاً، ليست «حماس» وحدها، بل أيضاً اليمين الحاكم نجح في تقويض هيبة ومكانة الجيش وغيره من أجهزة الأمن. ومع أن الجيش ما زال أكثر مؤسسة رسمية تحظى باحترام الناس وثقتهم، فقد انخفضت نسبة الثقة به من 87 في المائة إلى 63 في المائة. وقسم كبير من الشارع يسير وراء الشعارات العاطفية فارغة المضمون، وتفتش عن قائد «أزعر» و«فهلوي» و«يتقن اللعب والخداع» لا عن قائد «رمادي بارد».

وفي مكان ما، لم يعد الجمهور أيضاً ينفر من «القائد الفاسد»، خصوصاً في يمين الخريطة الحزبية. فوفق استطلاع أجراه «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، ونُشر عام 2018، قال 47 في المائة من المستفتين إن القيادة السياسية في إسرائيل «فاسدة». وفي تحليل النتائج، تبين أن هذه النسبة تنخفض لدى ناخبي اليمين إلى 25 في المائة، أي إن غالبية 75 في المائة لا يرون أن القيادة السياسية فاسدة، مع أن رئيس الوزراء يحاكَم بتهمة الفساد، وهناك ثلاثة وزراء أُدينوا بالفساد. ثم إن الحكومة الإسرائيلية الحالية سعت لسن قوانين تجيز للوزارات تعيين مسؤولين عديدين على أساس القرب من الوزير وليس الكفاءة. وأقرت في موازنتها صرف أكثر من 1.5 مليار دولار للأحزاب تصرفها على مصالحها الذاتية من موازنة الدولة. والمستشارة القضائية للحكومة حذرت من أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، يُحدث تغييراً جوهرياً في الشرطة بما يلائم سياسة حزبه المتطرف ويختار لرئاسة الدوائر والأذرع ضباطاً مقربين منه وليس وفق معيار المهنية. وبالتالي، مضى الزمن الذي كان فيه وزير ينتحر، عندما يكتشفون أنه ارتكب مخالفة فساد. فالفساد ببساطة لم يعد أمراً معيباً.

الخوف

ثمة محنة أخرى يعيشها المجتمع الإسرائيلي تدفعه إلى قرارات وسياسات متهوّرة بعيدة عن الحكمة. فالقيادة اليمينية بمجملها، وليس فقط نتنياهو، تتبنى عقيدة الخوف والتخويف، وتبني سياستها على الاعتقاد بأن عدواً ما يلاحق اليهود لإبادتهم في كل عصر. ووفق قناعات هؤلاء «اليهود شعب الله المختار» والعالم كله يغار منهم ويحسدهم، ويريد التخلص منهم.

بدأ ذلك بالعداء للسامية في الغرب -وأوروبا بشكل خاص– وتفاقم مع «المحرقة النازية»، والآن العرب والإسلام.

طبعاً، هناك أساس لهذا الاعتقاد، فالنازية فعلاً عملت على «إبادة» اليهود. وتوجد جماعات عربية وإسلامية تطلق شعارات معادية لليهود، لكنَّ هؤلاء أقلية ضئيلة، لا تزيد نسبتها -مثلاً- على نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يريدون إبادة الشعب الفلسطيني!

في المقابل، العرب يقدمون لإسرائيل عرضاً سخياً لإنهاء الصراع الإسرائيلي - العربي من جذوره، عبر مبادرة السلام السعودية، التي غدت مبادرة عربية تقبلها «منظمة التعاون الإسلامي» وجميع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني. وسيشمل العرض سلاماً شاملاً بين إسرائيل والعرب والدول الإسلامية يشمل إقامة دولة فلسطينية على مساحة 22 في المائة من فلسطين التاريخية.

قصة اللاسامية

مع هذا، يحاول قادة اليمين إقناع اليهود بأنه لا أحد معهم، وبأن اللاسامية تتحكم بمؤسسات الأمم المتحدة. واستمرت تهم اللاسامية عندما خرج ملايين الناس عبر العالم في مظاهرات غضب إثر مشاهدة صور أطفال غزة يتمزقون بحمم المتفجرات الإسرائيلية. وطالت التهم حتى محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، اللتين قررتا التحقيق في ممارسات إسرائيل في غزة بناءً على معطيات رهيبة وأدلة كثيرة، بينها تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي أمر الجيش بالتعامل مع الفلسطينيين على أنهم «حيوانات»، ووزير آخر طلب إبادة غزة بقنبلة نووية، ووزير ثالث دعا إلى محو غزة. بل حتى الرئيس الأميركي جو بايدن، اتهمه بعض الوزراء بـ«التآمر مع حماس» عندما اختلف مع الحكومة الإسرائيلية.

تلاشي «حل الدولتين»

أخيراً، استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الشارع ما عاد متقبّلاً «حل الدولتين». بل حتى أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تبني مواقفها على أساس دراسات ومعطيات استخبارية، وترى أن المصلحة الوطنية العليا لإسرائيل تكمن في «حل الدولتين»، تقف عاجزة عن التصدّي لسياسات اليمين، وأبرزها مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية الهادفة إلى إجهاض «حل الدولتين»، وحملات القمع الدموية، وحماية مخططات المستوطنين بما فيها طرد مزارعين فلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم لكي يسيطروا هم عليها.

إسرائيل تعيش أزمة وطنية كبرى سياسية ومجتمعية شاملة

افتداء الأسرى الإسرائيليين... صار قضية كبيرة

عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من عائلات الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، أن يَحذروا من أن يؤدي «نضالهم الشرعي لتحرير أبنائهم» إلى تشجيع «حماس» على تشديد مطالبها في الصفقة، اختلفوا فيما بينهم؛ بعضهم وافقه وبعضهم اعترض بحجة أن نتنياهو «مخادع ويحاول منعنا من ممارسة الضغوط عليه».وفي لقائه الثاني معهم، اقترح عليهم ممارسة الضغط على «حماس» لا عليه، وعرض عليهم السفر على حساب الدولة إلى دول أوروبا وأميركا والتقاء القادة السياسيين لـ«تجنيدهم إلى جانب إسرائيل في المعركة ضد (حماس)». وبالفعل، وافق قسم كبير منهم، وسافروا، في عدة رحلات نظَّمتها وزارة الخارجية، والتقوا عدة زعماء ووزراء، ورفض آخرون هذه الرحلات مؤكدين أن نتنياهو يخدعهم.وبعدما صارت مظاهرات عائلات الرهائن يومية، صاروا يقرأون في الشبكات الاجتماعية منشورات تهاجمهم وتتهمهم بـ«طعن الدولة في ظهرها والمساس بمعنويات الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون العدو»، لكنهم لم يرتدعوا. وكان ردهم: «نحن دولة ديمقراطية، حرية التعبير فيها مكفولة، والاختلافات أمر صحي». ولكن، عندما بدأوا يتعرّضون لاعتداءات جسدية من نشطاء في اليمين المتطرف ينعتونهم بالخيانة، بدا الخوف يتسلل إليهم وبعضهم ارتدع عن المشاركة في المظاهرات.وعندما أطلق الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الرّسَن للشرطة كي تفرّقهم بالقوة وتعتدي على كثيرين منهم، لا فرق بين شابٍّ ومسنٍّ، أو بين رجل وامرأة، أُصيب متظاهر بكسور في جمجمته، فبدأت العائلات تدرك أن الحكومة اليمينية أدخلتهم إلى «الحرب الداخلية» لا «حرب غزة»، بعد اتهامهم بأنهم «أعداء». ولقد تساءلت باسمها وباسمهم، والدة أحد الجنود الأسرى: «هل يُعقَل أن

قيادة الدولة اليهودية تفقد أهم قيمة في اليهودية، افتداء الأسرى وأبدلت بها إهدار دم الأسرى بشكل متعمَّد؟».

من مظاهرات مناوئي الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب (إ.ب.أ)

ولكن، قبل نحو أسبوعين، أزال الوزراء في حكومة نتنياهو الستار عن عورة موقفهم عندما حضروا إلى الكنيست (البرلمان) ليخاطبوا قادتهم.كانت الأنباء تتحدث عن «قبول إسرائيل المقترح الإسرائيلي للصفقة»، حسب الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جاك سوليفان. لكنَّ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، حضر إلى المداولات في لجنة المالية، وقال إنه لن يؤيد الصفقة الجاري العمل عليها مع «حماس». وأضاف: «ما يطلبه (يحيى) السنوار الآن هو تحرير مئات القتلة مع دم على الأيدي كي يحرّر مخطوفين. هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى قتل الكثير جداً من اليهود... نحن سنقلب كل حجر كي نعيد كل المخطوفين، لكننا لن ننتحر بشكل جماعي».وفي نقاش آخر اصطدم النائب إسحاق فيندروس من «يهدوت هتوراة» لليهود المتديّنين، مع إستر بوخشتاف، أُم المخطوف ياغف بوخشتاف، بعدما طلبت الأم حق الكلام أمام اللجنة التي يترأسها فيندروف. إذ سألها: «أتريدون ممارسة نشاط سياسي حزبي؟». فصُدمت الأم وصرخت في وجهه: «أنت تتهمني بالسياسة وأنا أحاول أن أبثّ ألمي على ولدي؟ ألا تخجل من نفسك؟ أنت رجل دين وتعرف أن التوراة تعد افتداء الأسرى عملاً مقدّساً... فهل هكذا تفهم أحكام الدين؟ مَن منّا يُغلِّب السياسة الحزبية؟ مَن منّا تنازل عن القِيَم؟».في الواقع، الكلام عن القِيَم يكثر هذه الأيام في إسرائيل وسط أجواء التوتر الشديد والحرب متعددة الجبهات. فعلى هامش هذه الحرب ثمة تراجع صارخ وغير مسبوق عن قِيَم كثيرة. وهناك مَن يشعر بأن مصير القِيَم صار أخطر بكثير من السؤال عمّن يحكم إسرائيل في المرحلة التالية، بعد استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت من الحكومة. وكثرة يقولون إن هناك ما يهدّد مستقبل إسرائيل برمّتها، لأنها بُنيت على أساس تلك القِيَم... وأهمها: افتداء الأسرى.وإلى جانب أحكام الدين في الموضوع، توجد مسألة استراتيجية تتعلق بها. فامتناع الحكومة عن الذهاب إلى صفقة لتحرير الأسرى، البالغ عددهم اليوم 120 أسيراً، يثير شكوكاً لدى كل جندي يحارب في الميدان حول مصيره. فيتساءل: «هل إذا وقعتُ في الأسر، سيصيبني ما يصيب هؤلاء الأسرى؟ سأتعفّن في نفق تحت الأرض ولا يسأل عني أحد؟ أهذه هي إسرائيل التي أنتمي إليها وأحارب لأجلها وأفتديها بروحي وحياتي؟».وعليه، فالقضية هي: هل يستطيع أن يحارب بإقدام وشجاعة مَن يسكنه هاجس كهذا؟