الانتخابات الهندية ودلالاتها الجيوسياسية داخل النظام العالمي

أمام خلفية الفوز شبه المؤكد لليمين القومي الهندوسي

مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
TT

الانتخابات الهندية ودلالاتها الجيوسياسية داخل النظام العالمي

مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)
مودي يشارك في احتفال تدشين المعبد الهندوسي الذي شيد على انقاض المسجد الببري في آيوديا بشمال الهند (رويترز)

تمتد التبعات الجيوسياسية للانتخابات الهندية، التي هي الأكبر على الإطلاق في العالم، إلى ما وراء حدود الهند. ومع اقتراب فترة ولاية ثالثة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، تستحوذ هذه الانتخابات على اهتمام دبلوماسي عالمي؛ نظراً لتداعياتها على الاستقرار الإقليمي والعالمي. وكذلك تزداد أهمية نتائجها في ضوء إلى النفوذ الهندي المتنامي على الساحة الدولية. ولكون الهند الدولة الأولى من حيث عدد السكان في العالم، وواحدة من أكبر أسواقه الاستهلاكية، يرى الخبراء المراقبون أنه عندما يتعلق الأمر بالتحديات الكبرى التي يواجهها العالم كالحرب الروسية - الأوكرانية، وأوضاع الشرق الأوسط الساخنة، وملف الصين وتايوان، بجانب التغييرات المناخية والإرهاب والاقتصاد العالمي، يبدو من الصعب التفكير في حلول لأي من هذه القضايا العابرة للحدود من دون مشاركة فاعلة من الهند.

الانتخابات الهندية 2024 آفاقيبدو فوز رئيس الوزراء الهندي اليميني ناريندرا مودي شبه مؤكد بولاية ثالثة، وهذا الأمر يستوجب فهماً أعمق لأهداف السياسة الخارجية لنيودلهي في الفترة المقبلة، وكيف ترغب في تشكيل العلاقات الدولية وكذلك التحولات الدبلوماسية المحتملة.

وبما يخصّ الحرب الروسية - الأوكرانية ظهر جانبان من مواقف مودي أثناء حملته الانتخابية الأخيرة أمام رئيسي روسيا فلاديمير بوتين وأوكرانيا فولوديمير زيلينسكي. الأول - كما نشر الزعيم الهندي على موقع «إكس» - أنه ناقش موضوع تعزيز شراكة الهند مع البلدين. أما الآخر، فكان عملياً طمأنة الزعيمين إلى أن نيودلهي لا تزال ملتزمة بمساعدة موسكو وكييف على إيجاد حل سلمي للصراع بينهما.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، أرسل مودي مستشاره للأمن الوطني، أجيت دوفال، إلى إسرائيل ليبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بأنه لا ينبغي له أن يعتبر دعم الهند له أمراً مفروغاً منه، وناشده ألا يتجاهل الاحتجاجات الدولية المتزايدة على الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في غزة. وهنا، عبّر المحلل السياسي الهندي ناريش كوشيك، عن اعتقاده بأن مودي، عبْر تناوله صراعين عالميين رئيسيين، «حتى أثناء انخراطه بعمق في حملة الانتخابات العامة في الداخل، يظهر للجميع أنه يتعامل بجدية مع مسؤولية الهند على الساحة الدولية. والأهم من ذلك، أنه يكشف عن أن العالم هو الآخر، يأخذه على محمل الجد، وأن الهند تحت قيادته أصبحت لاعباً عالمياً مهماً».

الجدير بالذكر، هنا، أن الهند كانت القوة الكبرى الوحيدة، التي حافظت على حيادها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل سنتين. وعلى الرغم من العلاقات التاريخية الوثيقة التي لنيودلهي بموسكو، تكلم مودي بنبرة حازمة إلى بوتين في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخبره أن الوقت ليس مناسباً للحرب؛ الأمر الذي حظي إشادة القوى الغربية على نطاق واسع. وأيضاً، تحترم القيادة الإسرائيلية، آراء مودي، لا سيما وأنه كان أول زعيم غير غربي يدين هجوم جماعة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويعتبره «عملاً إرهابياً».

من جهة ثانية، بفضل تمتع الهند باقتصاد أقوى، أتيحت فرص جديدة ليس فقط لها، بل كذلك للدول الأخرى الراغبة في الاستفادة من سوقها الضخمة. وهذا يتطلّب بالضرورة مناخاً سياسياً مستقراً وصديقاً للأعمال. ولقد وفّر الزعيم الهندي اليميني ذلك. واليوم يُعد الاقتصاد الهندي سبباً بارزاً آخر يدفع العالم لأن يولي اهتماماً وثيقاً بالبلاد. والحقيقة، أن الأمر لا يتعلق بحجم الهند فحسب، بل أيضاً لكون اقتصادها الأسرع نمواً بين اقتصادات الدول الكبرى. ومعلومٌ، أن الحرب في أوكرانيا أثرت سلباً على معظم الاقتصادات الأوروبية، في حين يعاني الاقتصاد الصيني - ثاني أكبر اقتصادات العالم - من تداعيات جائحة «كوفيد - 19».

تنافس موسكو وواشنطن

ناريش كوشيك يرى أن الخلاف الأخير بين الولايات المتحدة وروسيا حول الانتخابات الهندية، «يُعد مؤشراً واضحاً على الأهمية الجيوسياسية لهذه الانتخابات». وكانت واشنطن قد اضطرت أخيراً إلى إعلان رفضها الرسمي كلام الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بشأن تدخل اميركي مزعوم في الانتخابات الهندية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر، في توضيح للموقف: «لا، بالطبع، نحن لا نقحم أنفسنا في الانتخابات بالهند... كما أننا لا نقحم أنفسنا في الانتخابات بأي مكان في العالم». إلا أن السؤال هنا، هو إذا كان من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز مودي، وحزبه «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي، بالانتخابات، فلماذا تستحوذ الانتخابات الهندية على اهتمام دولي واسع النطاق؟

لقد حافظت الهند على صفتها كدولة ديمقراطية منذ الانتخابات الأولى التي شهدتها في الفترة 1951 - 1952، في وجه التحديات الكثيرة التي واجهتها. ومع أن تجربتها ليست خالية من العيوب، فإن الحكومات على مستوى الولايات الهندي، وأيضاً على المستوى المركزي، يجري تغييرها عن طريق الاقتراع. وبناءً عليه؛ تعد الهند الديمقراطية الوحيدة غير الغربية التي أنجزت ذلك مراراً وتكراراً على مر السنين. وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة، لا يزال الدستور في الهند يحظى بالاحترام على نطاق واسع، وتتولى سلطة قضائية مستقلة حماية مواده بقوة.

التحديات أمام مودي في جنوب الهندلقد فرض رئيس الوزراء ناريندرا مودي سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الهندية منذ صعوده إلى السلطة قبل عشر سنوات، مع استثناء واحد يتمثل بفشل في الفوز في ولايات الجنوب، الأكثر ثراءً في البلاد، التي كانت معقلاً لأحزاب إقليمية أو حزب «المؤتمر». وللعلم، فإن أكبر المكوّنات العرقية - اللغوية في ولايات الجنوب الخمس ذات الغالبية العرقية الدرافيدية، هي: التيلوغو (ولايتا أندرا براديش وتيلانغانا) والتاميل (ولاية تاميل نادو مع أقليات في ولايات مجاورة) والكانادا (ولاية كارناتاكا) والمالايالام (ولاية كيرالا ومقاطعتا لاخشاذويب وبونديشيري).

في ظل هذا الوضع، يواجه حزب «بهاراتيا جاناتا»، الممثل الرئيسي للعرقية الهندية الهندوسية المتركّزة في ولايات ما يسمى «الحزام الهندي»، صعوبات في اختراق معظم الولايات الجنوبية. واليوم يلاحَظ أن حركة «هندوتفا» القومية الهندوسية الهندية - التي تشكّل صلب تأييد حزب «بهاراتيا جانا» - تحاول التخفيف من غلوّ خطابها القومية العرقية الهندية وحدّته - بأمل جذب جمهور أوسع. وفعلاً، ركز مودي اهتمامه وأنظار تحالفه (التحالف الوطني الديمقراطي)، الذي يشكل «بهاراتيا جاناتا» حزبه الأكبر، في هذه الانتخابات... على محاولة اختراق الولايات الجنوبية، ما يشير إلى تحوّل استراتيجي في التواصل السياسي وأولويات الحكم.

والواقع، أن ولايات جنوب الهند الدرافيدية الخمس تشكّل معاً نحو 20 في المائة من إجمالي سكان البلاد، وفيها 30 في المائة من اقتصادها. وهي تعدّ القلب النابض لقطاعي التصنيع والتكنولوجيا الفائقة في الهند (بالأخص مدينتا بنغالور وحيدر آباد). كما تحظى المرأة فيها بتمكين على مستوى فرص التعليم والتوظيف، ولديها تاريخ طويل من السياسات التقدمية، وبالذات ولاية كيرالا.

وفي هذا الصدد، قال الصحافي مونيش شاندرا باندي: «الاندفاع نحو الجنوب لا يقتصر على السياسة الداخلية، بل يحمل كذلك أهمية جيوسياسية. فمع تزايد نفوذ الصين في منطقة المحيط الهندي، يكتسب الخط الساحلي الجنوبي أهمية استراتيجية متزايدة. وبالتالي، من شأن تعزيز النفوذ داخل الولايات الجنوبية، خاصة تاميل نادو، منح الهند ميزة استراتيجية في مجالي الأمن البحري والتعاون الإقليمي». وفعلاً، خلال الحملة الانتخابية، زار مودي أكثر من 12 مرة ولايات الجنوب خلال الأسابيع القليلة الماضية، في محاولة لتحسين حظوظ حزب «بهاراتيا جاناتا» في الجنوب، حيث تعرّض هذا الحزب لتجاهل كبير حتى عام 2019، عندما تجاوز حاجز 300 في الـ«لوك سابها» (مجلس النواب). مع ذلك، فإن جهود رئيس الوزراء لاختراق الجنوب لا تخلو من تحديات ومصاعب. ولا شك، أن التنوع اللغوي والثقافي، والهويات الإقليمية الراسخة، والانتماءات السياسية التاريخية، عقبات جّديّة أمام طموحات حزب عرقي هندوسي متشدد مثل «بهاراتيا جاناتا». ثم أن معالجة القضايا والحساسيات الخاصة في كل ولاية تتطلب اتباع نهج دقيق ومرن.

قادة حزب المؤتمر المعارض (من الشمال إلى اليمين) سونيا غاندي وماليكارجون خارج وراهول غاندي يحملون بيانات انتخابية (آ ب)

الجغرافيا السياسية لسياسة «هندوتفا»

راهناً، يُنظر إلى ناريندرا مودي، على نطاق واسع، باعتباره رمز «هندوتفا» في الهند، خاصةً أن سياساته تهدف إلى تعزيز مكانة الغالبية الهندوسية في بلد تشكّل فيه نحو 80 في المائة من السكان. إذ يقول منتقدو مودي وحزبه إن حكمه عزّز عودة ظهور «هندوتفا»، تلك الآيديولوجية القومية المتشددة التي تقوم على الإيمان بوجوب أن يكون للهندوس السيطرة الكاملة على الهند. واليوم، تدخل الهند هذه الانتخابات في ظل حالة من الاستقطاب والانقسام العميقين.

وما يُذكر أنه في وقت سابق من السنة، دشّن مودي معبد «هندو رام» في مدينة أيوديا، في الموقع حيث كان يقوم المسجد البابري التاريخي، ولقد شكّل هذا الحدث المستفز لمشاعر الأقلية المسلمة الانطلاقة غير الرسمية لحملة الانتخابات العامة لـ«بهاراتيا جاناتا»؛ إذ ألهب بناء المعبد على أنقاض المسجد المشاعر القومية الهندوسية في جميع أنحاء البلاد... وطبعاً قاد «بهاراتيا جاناتا» الاحتفالات. وفي المقابل، قاطع حزب المعارضة الرئيسي، حزب «المؤتمر الوطني الهندي»، الاحتفال، متهماً «بهاراتيا جاناتا» بتسييس الدين، علماً بأن نحو 200 مليون مسلم يعتبرون الهند وطنهم، وهؤلاء يشكلون ثالث أكبر مجتمع من المسلمين في العالم، وتحمل رفاهيتهم واهتماماتهم تبعات جيوسياسية.

دور مودي... شخصياً

وفي تجمع انتخابي عُقد في فترة قريبة، أشار مودي إلى المسلمين باعتبارهم «متسللين» و«أولئك الذين لديهم عدد أكبر من الأطفال»، كما حذّر من أن حزب «المؤتمر» المعارض سيعيد توزيع ثروة البلاد على المسلمين. وفي سياق التحريض العدائي المكشوف، نشر «بهاراتيا جاناتا» ايضاً مقطع فيديو بالرسوم المتحركة يزعم أن حزب «المؤتمر» سينتزع ثروات غير المسلمين ويوزّعها على المسلمين، الذين شبّههم بـ«الغزاة والإرهابيين واللصوص». وبعد أيام، اتهم مودي حزب «المؤتمر» بالدعوة إلى «جهاد التصويت»، وهي «نظرية مؤامرة» قديمة لطالما روّج لها القوميون الهندوس. وعليه، تقدمت أحزاب المعارضة بشكوى ضد مودي، لدى لجنة الانتخابات الهندية. وبالفعل، أزيل الفيديو.

هذا، ويقول زعماء بالمعارضة ومعلقون سياسيون إن رئيس الوزراء مودي ومعه ساسة من حزبه يواصلون نشر الكراهية الصارخة للإسلام والمسلمين. وقد انتقدوا لجنة الانتخابات صراحة لتأخرها باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم. ومن جانبهم، يشعر زعماء مسلمون بالقلق إزاء المسلمين بتمثيل كافٍ داخل البرلمان الهندي. وتكشف الأرقام عن أن هناك 27 نائباً مسلماً فقط في مجلس النواب المؤلف من 543 مقعداً في البرلمان، وليس بين هؤلاء أي نائب من نواب «بهاراتيا جاناتا» البالغ عددهم 310 نواب.في هذا الصدد، قال ضياء الإسلام، وهو مؤلّف كتاب عن المسلمين في الهند، إن المسلمين «وضعوا ثقتهم على مدى عقود في الأحزاب العلمانية؛ ما أسفر عن غياب حاد للقيادة الإسلامية». وفي ظل رئاسة مودي للوزراء، أصبحت سياسة «هندوتفا» جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي - القانوني - السياسي في الهند. وعلى المستوى الوطني، تضمن ذلك إلغاء وضع الولاية لكشمير، التي كانت سابقاً الولاية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند. وكذلك طبّقت الحكومة قانون الجنسية المثير للجدل، الذي يتهمه معنيون بحقوق الإنسان بالتمييز ضد المسلمين، وهو يمنع المسلمين المضطهدين (وحدهم بين الأقليات الدينية الأخرى، بما فيها الأقليات المسيحية) في البلدان المجاورة من طلب اللجوء في الهند. وقد أثار هذا في السابق احتجاجات على مستوى البلاد عام 2019.

فرض ناريندرا مودي سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الهندية

منذ صعوده إلى السلطة قبل عشر سنوات

مع استثناء واحد يتمثل في فشله بالفوز

في ولايات الجنوب

طابور ناخبين أمام أحد مراكز الاقتراع (آ ف ب)

تأثير الشتات الهندي على الانتخابات

> مع وجود نحو 18 مليون هندي يعيشون في الخارج، فإن الهند لديها أكبر جالية خارج أراضيها في العالم. ويعتبر الهنود غير المقيمين - أولئك الذين ما زالوا يحملون جوازات سفر هندية، لكنهم يعيشون في الخارج - مؤهلين للتصويت في الانتخابات. وكشفت تقارير إعلامية، عن أن كثيرين منهم سافروا جواً إلى الهند للتصويت؛ لأن التصويت الإلكتروني أو التصويت بالوكالة لم يُتح لهم بعد. وبشكل عام، تتمتع قوة الشتات الهندية الضخمة بأهمية جيوسياسية كبيرة في الانتخابات. وحسب المحلل السياسي مانيش شيبر، فإن «الشتات الهندي يمثل مجتمعاً كبيراً، ويشكل قوة متنامية لحشد الدعم في الداخل والخارج. وتنخرط الغالبية في أربعة مواضيع واسعة عندما يتعلق الأمر بالحملات الانتخابية: جمع الأموال للأحزاب السياسية، وتوفير الخدمات الفنية حول كيفية إدارة حملة فعالة، والتطوع لحملات التعبئة على الأرض في الهند، وممارسة الضغط. وخبرتهم تعني أنهم قادرون على توفير دفعة إضافية للحملات الانتخابية». مثلما كانت الحال داخل الهند، كان حزب «بهاراتيا جاناتا» الأكثر منهجية ونجاحاً هنا مقارنة بمنافسيه. ولذا؛ يعتبر هذا الشتات بمثابة سلاح سرّي لمودي، وإذا فاز بولاية ثالثة - كما يبدو مرجّحاً - فإن جزءاً من الفضل وراء ذلك سيعود إلى الشتات. والملاحظ أنه على امتداد السنوات العشر الماضية، حرص مودي على التودّد إلى المغتربين الهنود، وعقد تجمّعات حاشدة في دول منها الولايات المتحدة، وبريطانيا وأستراليا والعديد من الدول الأوروبية وشرق الأوسطية، حضرها الهنود بكثافة.ويعتقد عدد من محللي استطلاعات الرأي أنه خلال الفترة التي سبقت الانتخابات العامة لعام 2024، عاد ما يقدر بنحو 10 آلاف من مجموعة «أصدقاء حزب بهاراتيا جاناتا» في الخارج إلى الهند، للمشاركة في حملات على الأرض.

 

مودي أمام التداعيات الجيوسياسية لقمع المعارضة

> خلال في الفترة السابقة للانتخابات، اعتقل المسؤول الأول عن دلهي، أرفيند كيجريوال، على خلفية قضية تتعلق بالمشروبات الكحولية. وبعد أسابيع من الاعتقال، أمرت المحكمة العليا بإطلاق سراحه بكفالة. ولقد اتهم حزب «المؤتمر» المعارض، حكومة مودي اليمينية بتدمير قدرته على تنظيم حملات انتخابية، بسبب تجميد حساباته المصرفية في خضم نزاع ضريبي يعود للعام 2018 - 2019. واليوم، يمثّل حزبا «آم أدامي» و«المؤتمر» جزءاً من كتلة المعارضة الرئيسية في البلاد، في مواجهة مودي و«التحالف الوطني الديمقراطي» الذي يقوده. وأيضاً ألقت مديرية الإنفاذ القبض على هيمانت سورين، المسؤول الأول السابق عن ولاية جهارخاند، وعضو حزب المعارضة «جهارخاند موكتي مورتشا»، بناءً على اتهامات بموجب قانون مكافحة غسل الأموال، ولا يزال في السجن. وفي ضوء ذلك، انتقدت الولايات المتحدة وألمانيا الحكومة الهندية بسبب «قمع المعارضة». كذلك تناولت الأمم المتحدة عبر تصريحات مسؤوليها هذه الحملة ضد المعارضة.ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، قال إن الوزارة تتابع عن قرب التقارير الواردة عن اعتقال كيجريوال. وأكد، رداً على استفسار عبر البريد الإلكتروني حول هذه القضية: «نحن نشجع على إجراء عملية قانونية عادلة وشفافة وفي الوقت المناسب لكيجريوال». وجاءت التصريحات الأميركية بعدما أثارت تصريحات مماثلة من ألمانيا انتقادات من نيودلهي، التي استدعت مبعوث ألمانيا للاحتجاج على تصريحات حكومته.أما وزارة الخارجية الهندية، فادعت أن «العمليات القانونية في الهند تقوم على سلطة قضائية مستقلة ملتزمة بالنتائج الموضوعية وفي الوقت المناسب». وتابعت: «في الدبلوماسية، يُتوقع من الدول أن تحترم سيادة الدول الأخرى وشؤونها الداخلية. وتتجلّى هذه المسؤولية بشكل أكبر في حالة الديمقراطيات الشقيقة. وإلا قد ينتهي الأمر إلى إرساء سوابق غير صحية».


مقالات ذات صلة

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».