20 ألف عامل صيني لبناء مشروعات كبيرة في إسرائيل

20 ألف عامل صيني لبناء مشروعات كبيرة في إسرائيل
TT

20 ألف عامل صيني لبناء مشروعات كبيرة في إسرائيل

20 ألف عامل صيني لبناء مشروعات كبيرة في إسرائيل

بعد مفاوضات دامت سنة ونصف السنة، وقع مندوبون عن حكومتي إسرائيل والصين، أمس، على اتفاق يقضي بجلب 20 ألف عامل بناء صيني للعمل في مشروعات بناء كبيرة في إسرائيل. وينضم هذا الاتفاق إلى اتفاقات مشابهة أخرى وقعتها إسرائيل، في الأشهر الأخيرة، مع كل من بلغاريا وأوكرانيا ورومانيا ومولدافيا، لجلب نحو 30 ألف عامل بناء.
ووفقا للاتفاق مع الصين، فإن الدفعة الأولى، المؤلفة من ستة آلاف عامل ستصل إلى إسرائيل، خلال النصف الأول من العام الحالي. وفي موازاة ذلك، سيغادر إسرائيل 3500 عامل صيني موجودون فيها، منذ عشر سنوات؛ وذلك لأن إسرائيل تصر في اتفاقياتها على ألا يستقر هؤلاء العمال فيها.
وكانت حكومة بنيامين نتنياهو، قد اتخذت قرارا لها بجلب عمال بناء صينيين في صيف سنة 2011؛ بهدف مجابهة أزمة البناء وأسعار البناء الباهظة. ففي حينه، خرج مئات ألوف الإسرائيليين إلى الشوارع في هبة شعبية ضد أزمة السكن وارتفاع الأسعار، بما يشبه المظاهرات التي اندلعت في تونس ومصر وسوريا، ورفعت شعارات إسقاط النظام. ولكنها لم تحتج إلى تنفيذ القرار يومها، فقد رأت أن أفضل طريقة للجم الهبة الشعبية، هي الحرب، فهاجمت قطاع غزة بما يعرف عملية «عامود عنان»، التي جرى في بدايتها، اغتيال قائد الجناح العسكري في حركة حماس، أحمد الجعبري، وردت حماس بإطلاق 1500 صاروخ على إسرائيل.
وقال وزير المالية موشيه كحلون، أمس: «لقد تأخرت الحكومة في تطبيق هذا القرار، لكننا ومنذ تشكيل الحكومة الحالية قبل سنة ونصف السنة، قررنا التعجيل في المشروع». وأضاف كحلون، خلال اجتماع مع مقاولي بناء، أمس: «نفضل إعطاءكم عمالا وليس شركاء بناء أجنبية». وكشف عن أن حكومة الصين كانت تحبذ تولي شركات صينية مشروعات البناء، لكن إسرائيل فضلت تشغيل عمال».
ويعمل في فرع البناء في إسرائيل، حاليا، قرابة 9500 عامل أجنبي، بينهم 3500 عامل صيني يعتبرون ناجعين لفرع البناء. أما بقية عمال البناء الأجانب، فقد جاءوا من مولدافيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا. وفي المقابل، يعمل ما لا يقل عن 35 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية في فروع البناء في إسرائيل، بشكل منظم، و15 ألف عامل في المستوطنات، إضافة إلى نحو 30 ألفا يعملون بشكل غير منتظم. وحسب مصدر في الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، التي تعطي تصاريح العمل للفلسطينيين، فإن دخول عمال من الصين وغيرها لن يؤثر في العمالة الفلسطينية في إسرائيل.
وبحسب نائب مدير عام شركة «غوطليف» للبناء، هميت غوطليف، فإن إنتاج العامل الصيني يزيد نجاعة ومهنية بنسبة 20 في المائة - 30 في المائة عن العمال من أوروبا الشرقية أو من المناطق الفلسطينية. وأن العمال الصينيين، أكثر نشاطا ويحبون العمل. وقال: «أنا مضطر إلى إطفاء الأضواء عند الساعة السابعة مساء، وإلا فإنهم يستمرون في العمل».
جدير بالذكر، أن أسعار السكن ارتفعت في إسرائيل بشكل متواصل، منذ عام 2008، وفي السنة الأخيرة وحدها، ارتفعت أسعار السكن بنسبة 8 في المائة. وقد أكد كحلون، أن مجيء العمال الصينيين سيؤدي إلى «تنشيط الجهود لحل أزمة السكن».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.