دورات في «الماكياج» لجذب متطوعات إلى صفوف الجيش البريطاني

انتقادات للمؤسسة العسكرية لتعلم منتسبيها وضع المساحيق الأكثر أنوثة

أدوات تجميل لاجتذاب مزيد من النساء
أدوات تجميل لاجتذاب مزيد من النساء
TT

دورات في «الماكياج» لجذب متطوعات إلى صفوف الجيش البريطاني

أدوات تجميل لاجتذاب مزيد من النساء
أدوات تجميل لاجتذاب مزيد من النساء

لطالما أكد الجيش البريطاني انحيازه لفكرة تحقيق قدر أكبر من التنوع في صفوفه عبر تشجيع مزيد من النساء وأبناء الأقليات العرقية على الانضمام لصفوفه.
إلا أنه يواجه انتقادات الآن بسبب محاولته اجتذاب مزيد من النساء من خلال تنظيم دورة «تجميل عسكري».
كانت قناة التوظيف الرسمية التابعة للجيش قد نشرت مجموعة من الإعلانات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتشجيع مزيد من النساء على حضور مثل هذه الفعاليات، مع إطلاق وعود بتعلم كيفية وضع مساحيق التجميل على نحو «أكثر أنوثة وصبا». حسب تقرير لـ«ديلي تلغراف» البريطانية.
واستهدفت صفحة توظيف خاصة بالجيش عبر «فيسبوك» نساء في اسكوتلندا، مشجعة إياهن على حضور معرض الموضة والجمال التابع لها بعنوان «غيرلز داي أوت»، في إطار فعاليات المعرض الاسكوتلندي في غلاسكو ومركز المؤتمرات.
ومع ذلك، جرى حذف الإعلانات المرتبطة بدورة تعليم كيفية وضع مساحيق التجميل في أعقاب اندلاع موجة انتقادات شديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من ناحيتهم، قال القائمون على المبادرة إنهم كانوا يسعون لتوسيع نطاق جاذبية فكرة الالتحاق بالجيش على نحو مبتكر في صفوف الفتيات اللائي ربما لا تستميلهن فكرة الالتحاق بالجيش بوجه عام.
في المقابل، وصف نقاد مبادرة «التجميل العسكري» بأنها «زلة كبرى على صعيد القولبة المرتبطة بالنوع» على نحو يفضح الأسلوب العتيق الذي عفا عليه الدهر الذي ينتهجه الجيش في التعامل مع النساء داخل المؤسسة العسكرية.
من جانبه، قال أدريان تريت، المرشح لعضوية البرلمان عن الحزب الليبرالي الديمقراطي، في تغريدة عبر «تويتر»: «هذه قولبة فجة فيما يخص النوعين من جانب إعلان صادر عن الجيش».
أما البارونة بيرت، المتحدثة باسم الحزب الليبرالي الديمقراطي فيما يتعلق بشؤون المساواة، فقالت: «إذا كان القائمون على الجيش يعتقدون أن بعض مساحيق التجميل السبيل لضم النساء لصفوفه، فإن هذا يعني أنهم بعيدون على نحو بالغ الخطورة عن فهم المرأة العصرية. إن مثل هذا الأسلوب القائم على القوالب النمطية لدى التعامل مع النوع لن يفلح في تعزيز صورة الجيش - لا بين الرجال ولا النساء».
من ناحية أخرى، قال محامون معنيون بقضايا تمييز على أساس النوع داخل المؤسسة العسكرية، إن المبادرة تعد نموذجًا على ممارسة تمييز منذ اللحظة الأولى في عملية التوظيف وتخلق انطباعًا بأن النساء من غير المحتمل أن يلقين معاملة مساوية لتلك التي يلقاها الرجال داخل الجيش، سواء على الخطوط الأمامية أو داخل الثكنات.
وقال أحمد النحاس، شريك في فريق عسكري لدى شركة «بولت بردون كيمب» للمحاماة في لندن: «هناك مخاوف كبيرة حيال الثقافة الجنسية والتحرش داخل صفوف المؤسسة العسكرية. إن القانون يكفل الحماية للجنود من النساء والرجال من التمييز. وقد أصدرت وزارة الدفاع توجيهات تفصيلية بخصوص حقوق الجنود داخل مكان العمل».
وأضاف: «هذا مجرد مثال آخر على كيفية تجاهل القانون والتنظيمات. وحتى عندما يكون مثل هذا السلوك مهينًا على نحو غير مقصود، أو في أسوأ الظروف متكبرا، فإنه يخلق مناخًا ضارًا ويشجع التوجهات الخاطئة. إن جنودنا من الرجال والنساء يستحقون الاحترام بذات القدر وتنبغي حماية حقوقهم».
في المقابل، وصف الجيش الحملة بأنها كانت ذات مسحة «طريفة»، لكنه اعتذر عن أي إساءة ربما تكون قد تسببت بها عن غير قصد.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)