القراء... لمن يقرأون؟

على المؤلفين أن يبحثوا عن أنفسهم بين سطور هذا التحقيق

غلاف «ثلاثية غرناطة»  لرضوى عاشور - غلاف «رجال في الشمس» لغسان كنفاني
غلاف «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور - غلاف «رجال في الشمس» لغسان كنفاني
TT

القراء... لمن يقرأون؟

غلاف «ثلاثية غرناطة»  لرضوى عاشور - غلاف «رجال في الشمس» لغسان كنفاني
غلاف «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور - غلاف «رجال في الشمس» لغسان كنفاني

درجت العادة أن يُوجه السؤال إلى الكتّاب عن قراءاتهم، رغم أن الأدباء لا يكتبون لبعضهم، إنما يكتبون لأجل القارئ، لذلك فإن التوجه بالسؤال إلى القراء هو الأجدى لسببين، الأول أنهم هم الشريحة المستهدفة من هذا الكم من الإصدارات، والسبب الثاني أن رأي القارئ غالبًا يتحلى بالموضوعية نتيجة عدم وجود «غيرة الكار» التي قد تحرف الأدباء عن قول كلمة حق بكتاب منافس.
لذلك من المشوق أن نعرف حصيلة القراء من الكتب التي قرأوها خلال عام 2016 فهم وحدهم مَن يرجح كتابًا على آخر.
طرحت هذا السؤال على قراء مثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت عدة أمور، منها أن بعضهم عاد بقراءاته إلى كتب من القرن الثامن الميلادي، مثل كتاب «كليلة ودمنة» الذي ترجمه ابن المقفع، والكثيرون أجمعوا على قراءة «قواعد العشق الأربعون»، رواية للكاتبة التركية إليف شافاك. وبعضهم ذكّرنا بالمجد الروائي للكاتب عبد الرحمن منيف، وكتب مصطفى محمود. ولكن هناك فئة كبيرة انغمرت في قراءة كتب جديدة عربية وأجنبية بكميات هائلة.
وردتني مئات المشاركات التي لا تتسع لها مساحة النشر، لذلك حرصت على التنوع الجغرافي للمشاركين، كما حرصت على استبعاد الأكاديميين والمؤلفين قدر المستطاع.
قارئة تدعى ديمة فهد فاجأتني بكم الكتب التي قرأتها: «في قلبي أنثى عبرية» لخولة حمدي، «الرمز» المفقود للكاتب دان براون، «ذات فقد» لأثير النشمي، «زيتون الشوارع» لإبراهيم نصرالله، «الفيل الأزرق» للكاتب أحمد مراد، «ذات» لصنع الله إبراهيم، «أصابع لوليتا» لواسيني الأعرج، «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، «يسمعون حسيسها» لأيمن العتوم، ثم وعلى حد تعبيرها: مع إعادة لكتب أحلام مستغانمي، وكم رواية للترفيه لأجاثا كريستي.
القارئة سجى المجيبل قالت: حاليًا أقرا «فيزياء الحزن» لغيورغي غوسبودينوف وقبلها قرأت ثلاثين كتابًا. القارئ ماجد الحاج قرأ «شيطنات الطفلة الخبيثة» لماريو بارغاس يوسا، بينما قرأ حازم محمد «رسالة التسامح» لفولتير، وقرأت لمى عمر كتاب «في فمي لؤلؤة» لميسون صقر، وقرأت الإعلامية مزون مرشد «بريد بغداد» لخوسيه باراس، و«ظل الأفعى» ليوسف زيدان. ولجوزيه ساراماغو قرأت «انقطاعات الموت» و«مسيرة الفيل والكهف» ورواية «عين الشرق» للكاتب إبراهيم الحبين. بينما قرأ الإعلامي وائل حميدي كتاب «حوار مع صديقي الملحد» لمصطفى محمود.
قارئة اسمها على «فيسبوك» سوزان، قالت بأنها قرأت «قراءة في تاريخ العنف المعاصر في الشرق الأوسط» لحميد بوزأرسلان، بينما قرأ سامر العاني عقيدة الصدمة لنعومي كلاين. أما جمال بيك فيقول: قرأت كتابا باللغة الإنجليزية مؤلفه شاكر غزال وهو شاب فلسطيني كندي يعمل في وكالة رويترز في نيويورك اسم الكتاب اعترافات طفل الحرب confession of a war child
على غرار القارئة ديمة فهد، أمطرنا جمال المحمد بأربعة عشر كتابًا قرأها أذكر منها: ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، «عزازيل» ليوسف زيدان، «أحدب نوتردام» لفيكتور هوغو، «أرض النفاق» ليوسف السباعي، «أرض زيكولا» لعمرو عبد الحميد، و«رجال في الشمس» و«عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني، و«قواعد العشق الأربعون» لإليف شافاك، و«أعلنت عليك الحب» لغادة السمان و«غريب في المجرة» لأحمد العمري وغيرها.. بينما قرأ محمد كردوش «حكومة الظل» لمنذر قباني، وعبد الله محمد «مراكب ذكرياتي» لعبد الرحمن العشماوي، ومها الشمري رواية «النهايات» للكاتب عبد الرحمن منيف، وإيبولا 76 لأمير تاج السر، تيتانيكات أفريقية لأبو بكر حامد كهال، وقرأت يارا مطر رواية «ريح الجنة» لتركي الحمد و«الرجال من المريخ والنساء من الزهرة» للطبيب النفساني جون غراي، و«العجوز والبحر» لأرنست همنغواي، و«الأسود يليق بكِ» لأحلام مستغانمي. وقرأت لارا عيزوقي «ألف شمس مشرقة» لخالد الحسيني، وهبة شاهر رواية «الحب في زمن الكوليرا» لغابريل ماركيز، وفاطمة العواك ديوان محمود درويش «لماذا تركت الحصان وحيدًا». زكريا مباركي قرأ رواية «ساق البامبو» للكاتب سعود السنعوسي، وقرا أكرم رشيد «طاقة الأورغون» للمؤلف علاء الحبي، رنيم عطاري قرأت «قوة التحكم بالذات» لإبراهيم الفقي. إسراء عطري قرأت رواية «سماء قريبة من بيتنا» للكاتبة شهلا العجيلي، وقرأ صبري شوقي «الإمتاع والمؤانسة»، لأبي حيان التوحيدي، وشيرين رفقي رواية «الحب المحرر» للكاتب فرنسين ريفرز، وهناء العلي «أنثى افتراضية» للكاتب فادي الخضير. وقرأت رضوى ديواني رواية «الطنطورية» لرضوى عاشور، بينما تقول حنين شويكة: قرأت ديوانا للشاعرة بتول القلا وهو أول ديوان شعر لها وعنوانه «بتوليات». وقرأ سحبان حرويل كتاب «وعاظ السلاطين» للكاتب الدكتور علي الوردي.
ميادة إبراهيم قداح قرأت «عداء الطائرة الورقية» لخالد الحسيني، وقرأ عبد الستار الشيخ أحمد «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» لإدوارد غاليانو. نبيل موصللي قرأ «عن شيء اسمه الحب» الكاتب أدهم شرقاوي. حسين الجنيد قرأ «العاطفة والإبداع الشعري» لعيسى العاكوب. وقرأت ريم أحمد رواية «بينما ينام العالم» للكاتبة سوزان أبو الهوى. وقرأ أسعد اللايق رواية «مصائر» لربعي المدهون. وقرأت بانة عزيزي رواية «العطر» لباترك زوسكند، وصهيب الشكرجي رواية «القندس» للكاتب محمد حسن علوان، وجهاد الجزائري «الفتى المتيم والمعلم» للروائية التركية اليف شافاك. وقرأت رولا خريط كتاب «أهداف التغربب في العالم الإسلامي» لأنور الجندي. وقرأت رشا الحسين رواية «جوستين» لماركيز دو ساد، واعتدال كمال «الروح والجسد» لمصطفى محمود، وإيفين عبدو «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، وسلوى العواك «أنا بخير» لريوهو أوكارو، وصفد عبد العزيز أعمدة الحكمة السبعة (مذكرات لورانس العرب) وكتاب الجنس الآخر (سيمون دي بوفوار) و«تطور الجدل بعد هيغل» لإمام عبد الفتاح إمام، بينما تقول هديل واعظ إنها قرأت «الركض وراء الذئاب» للكاتب علي بدر، وقرأت حياة آغي رواية «أحببتك أكثر مما ينبغي» لأثير عبد الله النشمي.
في نظرة سريعة، نجد أن الرواية هي المهيمن الأكبر على ذائقة القراء، رغم بعض «اختراقات» من الأنواع الأخرى.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.