إيزابيل أدجاني في فيلم يدين عبودية العمل

نجوميتها تسمح لها بالمراهنة على القضايا الشائكة والخفية

إيزابيل أدجاني فقدت فرصًا سينمائية  بسبب خوفها من أبيها
إيزابيل أدجاني فقدت فرصًا سينمائية بسبب خوفها من أبيها
TT

إيزابيل أدجاني في فيلم يدين عبودية العمل

إيزابيل أدجاني فقدت فرصًا سينمائية  بسبب خوفها من أبيها
إيزابيل أدجاني فقدت فرصًا سينمائية بسبب خوفها من أبيها

تغيب النجمة الفرنسية إيزابيل أدجاني ثم تعود، فجأة، لتغامر مرة أخرى بالظهور في فيلم متواضع الميزانية، لكنه يتناول ظاهرة اجتماعية يعاني منها كثيرون. إنها ظاهرة الانهيار النفسي الذي يصيب آلاف الموظفين بسبب ضغوط العمل وخشية فقدان مصدر العيش. وهو ما يطلقون عليه في الغرب تسمية «بورن أوت»، أي تلك الأعراض التي تنتاب الفرد حين يشعر بأنه مجرد برغي في آلة عملاقة تسحق إنسانيته.
هل يمكن وصف أدجاني بأنها الممثلة التي تخصصت في الأدوار الملتزمة؟ إن الفارق كبير بين شخصيتها البراقة في فيلم «الملكة مارغو» ودور كارول ماتيو، طبيبة العمل التي لا تستطيع التغاضي عن حالات يعاني منها مرضاها بسبب ظروف العمل وأجوائه وليس لخلل في أعضاء الجسم. ويأتي هذا الدور ليكمل ما كانت الممثلة قد بدأته في فيلم صغير سابق هو «يوم التنورة»، حين أدت دور مُدرّسة في ثانوية مختلطة تتصدى للتعسف الذي تتعرض له الطالبات من زملائهن الطلاب. ومهما كانت دوافع أدجاني فقد بات من الواضح أنها بلغت المكانة التي تسمح لها بالتمثيل حسب مزاجها، لا بالمعنى السلبي وإنما بمعنى تشجيع صغار المخرجين ودعمهم ماديًا ومعنويًا لتقديم قضايا غير مضمونة الإيرادات، أي لا تنسجم وشروط شباك التذاكر. وفيما يخص هذا الفيلم، فإن البطلة دخلت شريكة في الإنتاج.
في مقابلة معها نشرتها صحيفة «الإكسبريس»، بررت إيزابيل أدجاني غياباتها الطويلة عن الشاشة بأنها مرت بعواصف ومحن وفترات حداد عائلية وعاطفية أبعدتها عن جمهورها وعن الصحافة التي تهتم بكل ما يتعلق بالممثلة التي تتصدر الصف الأول منذ أكثر من 3 عقود. لقد ظهرت خلال الفترة الماضية عشرات الممثلات الشابات القديرات لكن أيًا منهن لم تهزّ موقع أدجاني، لا في الموهبة ولا في الجمال. فالنجمة الجزائرية الأصل تعرف كيف تثير شغف جمهورها من خلال إحاطة نفسها وحياتها الخاصة بهالة من الغموض. وهي في المقابلة الأخيرة تخلت عن تحفظها وأشارت إلى حزنها لفقد عدد من الأصدقاء الذين فارقوا الحياة، وإلى مرض والدتها الذي انتهى برحيلها، ليتبعها رحيل شقيقها، كما تحدثت عن انفصالها عن شريكها المخرج برونو نايتن الذي قدمت معه أروع أدوارها في فيلم «كاميل كلوديل». وقد وصفت هذا الانفصال بأنه أشبه بالفقدان الفني، إذ أدركت أنها ما عادت راغبة في العمل السينمائي كما السابق.
حول أدوارها المبكرة، قالت أدجاني إنها رفضت فرصًا مهمة وترددت كثيرًا في قبول بطولة فيلم «الصيف القاتل»، عام 1983، بسبب مراعاتها لمشاعر والدها، لأن الدور يتضمن مشاهد مكشوفة. وأضافت: «إنه دور شابة تستغل جمالها للإيقاع بالرجال وقتلهم، وهو ما لا يمكن لجزائري أن يتقبله». لكن الأب كان مريضًا وفارق الحياة قبل عرض الفيلم. ولعل تلك الخشية من ردة فعل العائلة هي التي دفعت بها إلى التكتم في علاقاتها الخاصة والانغلاق على الصحافيين لئلا ينشروا ما يسبب لها أزمات في البيت. وهي ما زالت تذكر أولئك الذين كانوا يبعثون لأبيها وللجيران رسائل تحريضية ضدها وضد عملها في السينما، وهو ما تسبب في عقوبات جسدية لها.
فيلمها الجديد الذي أخرجه لوي جوليان بوتي، يدين بصراحة صادمة نظام التشغيل الحالي في المؤسسات والمعامل الذي يطالب العاملين بحد أدنى من الإنتاجية كل يوم، بشكل ينتهي بانهيارات عصبية باتت شائعة وتشهد عليها عيادات الأطباء النفسيين. وقد بذلت الممثلة كل ما تستطيع لكي يرى هذا المشروع النور، خصوصًا بعد أن قرأت رواية «وجوه مسحوقة» لماران لودان، التي تتحدث عن طبيبة لها مشكلاتها الخاصة لكنها مضطرة، فوق ذلك، لمواجهة مشكلات مرضاها حتى تبلغ هي نفسها حافة الانهيار، مثلهم.
ما الذي تتوقعه البطلة من فيلمها «المشاكس» هذا؟ إنها تريد أن تسلط الضوء على قضية يجاهد أرباب العمل ورؤساء المؤسسات الكبرى لكي يخفوها في العتمة. والهدف هو إثارة الجدل حول الموضوع، بحيث تتخذ الدولة إجراءات تحول دون استغلال الضعفاء وأولئك القابعين في أسفل السلم الاجتماعي. وكثيرون من ضحايا ضغوط العمل ينتهي بهم الأمر إلى الانتحار. إن السينما، بالنسبة لها، هي إحدى وسائل إيقاظ الوعي. وقد ظهر في السنوات العشر الأخيرة ممثلون فرنسيون يشعرون بضرورة التطرق للمشكلات الحقيقية والخروج من دائرة التجاذبات العاطفية ومثلت الزوج والزوجة والعشيق. وهو ما انتبهت إليه السينما البريطانية والأميركية منذ عقود طوال. وبالنسبة لإيزابيل أدجاني، فإنها حين تقطع تذكرة لفيلم من أفلام كين لوتش، مثلاً، فإنها تعرف أنها ستشاهد ما سيغير نمط تفكيرها وقد يغير حياتها.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».