في وقت تتفاقم فيه أزمة الإعلام في لبنان، أنهت جريدة «السفير» اللبنانية رحلتها الصحافية التي امتدت 42 عامًا أمس السبت، مودعة قرّاءها في آخر يوم من عام 2016، بعدما أعلنت توقفها عن الصدور جراء مصاعب مالية.
وعنونت الجريدة التي تأسست في عام 1974 قبل سنة واحدة من بدء الحرب الأهلية (1975 - 1990) حاملة شعار «صوت الذين لا صوت لهم»، صفحتها الأولى من عددها الأخير «الوطن... بلا السفير»، إلى جانب رسم كاريكاتوري يظهر قلمًا مكسورًا وحمامة دامعة وشخصية «حنظلة» الشهيرة التي ابتكرها رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي كان يعمل في «السفير».
وجاء في الافتتاحية: «كانت الصحافة ولا تزال مرآة المجتمع. ولهذا تحديدًا كانت متألقة وصارت تعاني. فالمجتمع ليس بخير، والاقتصاد ليس بخير، والسياسة ليست بخير، وهذا كله لا يمكن إلا أن ينعكس على الصحافة وينهكها».
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الصحيفة ربطت احتجابها عن الصدور بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان والمنطقة. وأضافت: «تعبت (السفير) لكنها ترفض أن تكون المثال، خصوصًا أنها ترى في أفق المهنة بعض النور. إذ لا يعقل أن يبقى الظلام المخيّم على المنطقة والبلد جاثمًا على صدرها وزميلاتها لوقت طويل».
وأبلغت الصحيفة موظفيها أنها ستدفع كامل مستحقاتهم المادية منتصف الشهر المقبل تزامنًا مع نشرها إعلانًا على القنوات التلفزيونية يظهر مؤسسها ورئيس تحريرها طلال سلمان وهو يطفئ الضوء داخل مكتبه ويخرج منه، على وقع أغنية «أهو دا اللي صار» لسيد درويش «قبل أن يضيء المصباح وحده مجددًا داخل المكتب مع عبارة (عالطريق).
وتعود أزمة الصحافة إلى الجمود السياسي الذي شهده لبنان خلال أكثر من عامين ونصف العام، وتراجع التمويل الداخلي والعربي، بحسب ما يؤكد اختصاصيون وصحافيون.
وكانت «السفير» اتخذت في شهر مارس (آذار) قرارًا بالتوقف عن الصدور لتتراجع عنه وتقرر خفض عدد صفحاتها من 18 إلى 12، قبل أن تتخذ قرارًا جديدًا بالإقفال النهائي قبل أسابيع.
واستقطبت «السفير» - التي عرفت منذ تأسيسها بتأييدها للقومية العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة الحرب الأهلية - عددًا كبيرًا من الكتاب والنقاد والصحافيين على مر السنوات، بينهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش، والشاعر السوري أدونيس. كما التصق اسمها لفترة طويلة باسم رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي.
وستصدر السفير الأربعاء المقبل عددًا تذكاريًا تسجل فيه أسماء أبرز من كتبوا فيها وبعض المحطات في مسيرتها.
وكانت الصحيفة خلال السنوات الأخيرة قريبة مما يسمى «حزب الله» اللبناني والنظام السوري، وتجاهر بمناهضة سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة.
وتعاني وسائل إعلامية أخرى في لبنان من الأزمة ذاتها، ما دفعها إلى الاستغناء عن صحافيين وموظفين يعملون فيها منذ عقود.
وتعاني صحيفة «النهار» الأعرق في لبنان (تأسست عام 1933)، والتي يمكن اعتبار سياستها على طرف نقيض من «السفير»، من أزمة مالية كبرى، وكذلك صحف ومحطات تلفزة، بينها مؤسسات تابعة لرئيس الحكومة سعد الحريري، كجريدة وتلفزيون «المستقبل».
وطلبت «النهار» يوم الجمعة الماضي في كتاب خطي من أكثر من أربعين موظفًا بين كاتب ومحرر ومراسل ومخرج أخيرًا «الامتناع عن الحضور» إلى مكاتبهم بدءًا من مطلع يناير (كانون الثاني) بانتظار «معالجة الأزمة المالية» التي تعاني منها، وفق ما قال أحد العاملين في الصحيفة لوكالة الصحافة الفرنسية.
ووصفت نقابة محرري الصحافة ما تشهده الصحافة المكتوبة بـ«أزمة وطنية كبرى ينبغي للدولة التصدي لها... نظرًا إلى خطورتها وتداعياتها، وإيجاد الحلول الناجعة لها».
وحثت نقابة الصحافيين اللبنانية الحكومة الأسبوع الماضي على اتخاذ إجراءات لتقوية الصحافة المطبوعة في البلاد. وقالت «السفير» إن هناك مناقشات مع وزير الإعلام الجديد بشأن تمويل محتمل للقطاع قد يصل إلى 15 مليون دولار سنويًا. لكن الحكومة لم تصدق على تلك الخطة بعد.
بعد 42 عامًا على تأسيسها... «السفير» اللبنانية تودّع قرّاءها
نتيجة أزمة مالية تطال الإعلام في لبنان
بعد 42 عامًا على تأسيسها... «السفير» اللبنانية تودّع قرّاءها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة