روبرت دي نيرو يتحدث عن الدراما والكوميديا و«الناس المنسيين»

«هناك الكثير من القصص التي تستطيع هوليوود أن تحكيها»

روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»
روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»
TT

روبرت دي نيرو يتحدث عن الدراما والكوميديا و«الناس المنسيين»

روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»
روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»

حين يقف روبرت دي نيرو لتأدية دور ما، يفضل - بحسب شهود المخرجين الكثيرين الذين تعاملوا معه - القيام بتمارين مسبقة. هو، وليس المخرج، من يحدد إذا ما أعجبته الطريقة التي سيلقي فيها بجملته أو يمثّـل فيها موقفه.
«عليه هو أن يكون راضيًا»، قال لي المخرج هارولد راميس قبل عدة سنوات عندما انتهى من تصوير «حلل ذلك» (Analyze That) ثم أضاف: «حتى حين تقول له إن المشهد أعجبك وإن تمثيله له لا مشاكل فيه، ينظر بعيدًا عنك ويهز رأسه ثم يقول: صحيح. لكنني أريد أن أعيد المشهد».
دي نيرو يعتبر أن ما يقوم به هو حماية للفيلم وللمشاهد. من ناحية يريد الأفضل للفيلم الذي يشترك في تمثيله، ومن ناحية أخرى يريد الأفضل للجمهور الذي جاء يشاهده أو جاء يشاهد الفيلم من أجله. وفي الناحيتين يكسب دي نيرو النقاش.
له في المجال السينمائي 60 عاما، ظهر خلالها على الشاشة في نحو 120 فيلما ما عدا حفنة من الأفلام القصيرة وأخرى لم تكترث لذكر اسمه في مطلع مهنته عندما كانت أدواره عابرة. بدأ التمثيل لأول مرّة عام 1965 ولم يكن ذلك في فيلم أميركي، كما يُـعتقد اليوم، بل في فيلم فرنسي لمارسيل كارنيه بعنوان «ثلاث غرف في مانهاتن» من بطولة آني جيراردو وموريس رونيه. وعليك اليوم أن تتخيل كيف كان شكل ذلك الشاب، ابن الثانية والعشرين حينها، وأن تنتبه جيدًا لمشهد المطعم الصغير قبل أن تطرف عينك فتمضي اللقطة التي يظهر فيها دي نيرو وهو ينتظر طعامه من دون أن تنتبه.
ولد، كما هو معروف، في نيويورك (في السابع عشر من أغسطس (آب) 1943). ما هو غير معروف بأن الشاب ترك المدرسة وهو في سن السادسة عشرة مؤمنًا بأن ما ستوفره له مقاعد الدراسة ليس ما يريده لنفسه. في سن السابعة عشرة التحق بمعهد ستيلا أدلر للتمثيل. ستيلا أدلر كانت ممثلة ومدرّسة تمثيل تعلّـم المنتمين الأسلوب الدرامي المعروف بـ«المنهج»، ذاك الذي ابتدعه ستانيسلافسكي وهضمه مخرجون وممثلون كثيرون من مارلون براندو وإيليا كازان إلى كارل مالدن ومارتن شين وجيمس دين. رغبة دي نيرو في مجال التمثيل لم تكن وليدة فكرة طارئة. فوالده، واسمه روبرت دي نيرو أيضًا، كان رسامًا وشاعرًا. وأمه فرجينيا أدميرال، كانت أيضًا رسامة. وروبرت الأب كان يأخذ روبرت الابن، حين كان لا يزال في العاشرة من عمره، إلى صالات السينما عدة مرات في الأسبوع ليشاهدا معًا الأفلام.
أمر آخر شاع من دون أن يكون واقعًا: المخرج الأول الذي عمل روبرت دي نيرو تحت إدارته أكثر من مرّة لم يكن مارتن سكورسيزي بل برايان دي بالما، الذي كان يجرّب خطواته في السينما سنة 1968 عندما التقى بدي نيرو وضمّـه إلى ممثلي فيلمه «تحيات». بعد خمس سنوات انتقل دي نيرو من عهدة دي بالما (الذي لاحقًا أخرج فيلمين من بطولة آل باتشينو هما «ذو الوجه المشوه» و«طريقة كارليتو») إلى عهدة سكورسيزي الذي كان يبحث عن نبض واقعي لعصابات نيويورك الإيطاليين عندما اختار دي نيرو للمشاركة في بطولة «شوارع منحطة» (1973).
من دي نيرو إلى «شيخ الشباب» فرنسيس فورد كوبولا الذي أسند إليه دورًا تمناه كثيرون هو دور مارلون براندو في شبابه، وذلك في الجزء الثاني من «العراب». بعده تبناه سكورسيزي في عدة أفلام بدءًا من «تاكسي درايفر» إلى «كازينو» (1995) مرورًا بأربعة أخرى هي «نيويورك، نيويورك» و«ملك الكوميديا» و«ثور هائج» و«صحبة طيبة».
بين هذه المجموعة من الأفلام تبرز أخرى مثلها دي نيرو تحت إدارة بعض أهم الأسماء الأخرى في السينما من بينهم برناردو برتولوتشي (في تحفته «1900») وسيرجيو ليوني («ذات مرة في أميركا») وآلان باركر («أنجل هارت» و«الرسالة») كما اختاره دي بالما لدور آل كابوني في «الشرفاء» (The Untouchables).
إنها الفترة التي غربت وغربت معها حقبة نيّـرة. بعدها ظهر دي نيرو ولا يزال في مجموعة كبيرة من الأفلام العابرة. وعلى الرغم من ظهوره في بعض الأفلام التي لا تتساوى مع خلفيته، فإنه نجا من الفشل. لم يسقط في حفرته بل تجاوزها وما زال بكل ثبات.
* التمثيل تعبير
أحد أفلامه الأخيرة، التي على أساسها تمّـت هذه المقابلة، هو «الكوميدي» (The Comedian) للمخرج تايلور هاكفورد ومع داني ديفيتو ولسلي مان وهاررفي كايتل من بين آخرين. هو سعيد بأن يلعب دور الأب وهي ليست المرّة الأولى في السنوات الأخيرة وسبق أن شاهدناه أبًا لجنيفر لورنس في «حبور» في العام الماضي.
* أنت الممثل الرئيسي في «الكوميدي»، هو عنك أولاً ثم عن باقي الشخصيات ثانيًا. كيف تشعر حيال حقيقة أنك لا زلت تجد أدوارًا أولى تقوم بها على الرغم من سنوات مهنتك الطويلة؟
- أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر عندما بادرت إلى تعلم التمثيل حبًا بالتمثيل. أن تجد أنك ما زلت مطلوبًا بعد كل هذه السنوات يدفعك لأن تدرك صحة خطواتك التي قمت بها حتى الآن. لا أقول: إن الطريق دائمًا سهل هكذا، لكن في اعتقادي أن الممثل عليه أن يجد الأسلوب والصورة التي يريدهما لنفسه وعليه أن ينجح فيهما إذا ما أراد الاستمرار.
* كيف تصف أسلوبك إذن؟
- لا أدري كيف يمكن وصفه. أعلم أنني أمثل كما أرتاح وكما اعتدت أن ألعب أدواري جميعًا. أعتقد أن جزءًا من الأسلوب يكمن في كيفية فهم دورك في الحياة. ماذا تريد أن تحقق ولماذا.
* قلت ذات مرّة إنك اتجهت للتمثيل لأن التمثيل هو الفرصة التي يستطيع الشخص فيها التعبير عن نفسه كما لا يمكن له أن يفعل في أي سبيل آخر. هل لا زلت تؤمن بذلك؟
- هناك وسائل تعبير كثيرة، لكنني لا بد أنني، حين قلت ذلك، كنت أقصد الحديث عن نفسي وخبرتي. البعض يعبر عن نفسه بالرسم أو بالموسيقى وهذا أيضًا تعبير مناسب. لكن في التمثيل قدرة مختلفة تجعلك قادرًا أن تدخل شخصية أخرى قد تكون بعيدة عنك تمامًا وتترجم ما فيها للآخرين. هذا لا يقع في أي سبيل تعبيري آخر.
* الكوميديا دوما ساخرة
* بدأت في أدوار درامية ثم اتجهت للكوميديا قليلاً في التسعينات ثم باتت اليوم قاسما مشتركًا لأفلامك. هل تحب الكوميديا أكثر من أي نوع تمثيلي آخر؟
- هناك حدود لما تستطيع أن تقوم به وهذه الحدود ترسمها سنوات عمرك. بالنسبة لي ملاحظتك صحيحة لكن دوافعي اليوم للكوميديا لم تعد من أجل التنويع. هي ما زالت تعبيرًا عن الذات بأسلوب مختلف ومطلوب أكثر. الممثل الكوميدي يتعلم من آلامه. دوري في هذا الفيلم هو دور الكوميدي الذي يقدم «نُـمَـرًا» منفردة على المسرح كل ليلة. يحاول البقاء على سدّة الحياة الفنية وأن يمارس عمله ككوميدي لفترة أطول بعد كل هذه السنين.
* هل في مقدور كل الممثلين الموهوبين أداء الأدوار الدرامية والكوميدية بالإجادة ذاتها؟
- لا أدري إذا كنت أعرف جوابا على هذا السؤال. بالنسبة لي أخذت دروسًا في الكوميديا لكي أؤدي أدوارا كوميدية.
* كوميدي المسرح يعتمد كثيرًا على رد فعل الجمهور. صحيح؟
- صحيح. إذا ألقى نكتة ولم يتجاوب معها الجمهور كان ذلك وبالاً عليه. سيحاول إنقاذ الوضع بإلقاء نكتة أخرى وعليها أن تنجح هذه المرّة وإلا أدرك أنه فشل فشلاً ذريعًا. إنها نهايته.
* هذه هي المرّة الثانية التي تلعب فيها دور «الستاند أب كوميدي»..
- نعم. «ملك الكوميديا» الأول.
* يخيل لي أن جدية الفيلم السابق، الذي أخرجه مارتن سكورسيزي، هي التي جعلته عملاً متميّـزًا لليوم. هل تعتقد أن «الكوميدي» يحمل الخصال ذاتها؟
- عندما قمنا بتقديم «ملك الكوميديا» سنة 1982 أو 1983 لم نكن نعلم مصير الفيلم ناهيك أنه سيكون عملاً متميزًا إلى اليوم كما تقول. هذا شيء متروك للزمن ولخبرة المخرج. أعتقد أن هذا الفيلم الجديد جيد كفيلم كوميدي وسعادتي فيه تنبع من أنني أمثل دورًا كوميديًا يحمل قلبًا إنسانيًا.
* ما رأيك بالكوميديا الساخرة؟ هل هناك كوميديا غير ساخرة؟ هل تنجح الكوميديا بلا سخرية؟
- نعم هناك كوميديا غير ساخرة. هناك كوميديا الحركة المحضة. لكن حتى هذه محكوم عليها بأن تكون ساخرة. ما هو مثير في الكوميديا هو أنها تشمل مواقف جادة وعناصر دراماتيكية وكلما فعلت ذلك كلما نجحت أكثر.
* كوكب هوليوود
* لقد أخرجت حتى الآن فيلمين متباعدين. أولهما في سنة 1993 وهو «حكاية برونكس» والآخر سنة 2006 بعنوان «الراعي الصالح». هل تفكر بالإخراج مرّة ثالثة؟
- نعم.
* لكن أعمالك متباعدة جدًا في هذا النطاق…
- منذ البداية تخيلت أنني لن أنجز أكثر من خمسة أفلام في حياتي المهنية. إذا أنجزت ثلاثة فإن ذلك سيكون من حسن حظي.
* لكن لماذا حددت لنفسك خمسة أفلام فقط؟
- الإخراج يأخذ وقتًا طويلاً والمخرج عليه أن ينصرف كليًا لما سيقوم به ولأشهر أطول بكثير من الفترة التي يقضيها الممثل في تصوير فيلمه. ربما لسنوات وليس أشهر. أيضًا علي أن أجد المشروع الذي أقول لنفسي إنني أحب القيام به.
* ما الذي عليه أن يستهويك؟
- قائمة طويلة من الأمور كل منها عليه أن يتحدث إليك بنبرة شخصية. أقصد أن عليك أن تدرك أن مثل هذا المشروع من الفرادة بحيث لا يمكن لك تفويته.
* هل يعيش أهل هوليوود على كوكب آخر غير هذا الكوكب؟
- (يضحك). ربما. أنا أعيش في نيويورك.
* أسأل لأن العالم ستيفن هوكينز مؤخرًا ذكر أننا نعيش في زمن خطر وأن على النخبة فيه، بمن فيهم نخبة هوليوود، فعل شيء لردم الهوّة بينهم وبين الآخرين.
- هذا صحيح. أعتقد أن هناك الكثير من القصص التي يمكن لهوليوود أن تحكيها حول الناس المنسيين. هناك الكثير مما يقع حاليًا ما يجعل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية كبيرة. كثيرون يخسرون أعمالهم بسبب التكنولوجيا. التكنولوجيا هي التي تدير شؤوننا اليوم ما يفرض على الكثيرين منا أن يتعلموها ويعملون بمقتضاها وإلا لخسروا أعمالهم. هذا واحد من قضايا كثيرة اعتبرها ملحة وعلينا أن نتطرق إليها.
* في «الكوميدي» هناك رغبة في طرح مسائل مهمّـة. في أكثر من مشهد لك هناك طرح جاد لموضوع ربما لا يهم الحاضرين بقدر ما يهم الشخصية التي تقوم بها.
- تمامًا. هذا سؤال مهم. الكوميدي عليه أن يقترب من المواضيع التي تهم القطاع الأكبر من الناس وليس فقط من يحضره للضحك والترفيه. هذا ما يفعله الكوميديون التلفزيونيون مثل جون ستيوارت وجون أوليفر. هؤلاء يتحدثون في السياسة لأن السياسة مهمة.
* ما هو الفن الآخر الذي يستهويك اليوم لجانب التمثيل؟
- أستطيع أن أقول الموسيقى. أحب الموسيقى جدًا. لقد سألتني عن الفيلمين اللذين قمت بإخراجهما وهما بالمناسبة مليئان بالموسيقى. حاولت أن أجعل الموسيقى جزءًا من العناصر الرئيسية في هذين الفيلمين.
* هناك أفلام بلا موسيقى…
- نعم، لكن عندي الموسيقى هي كل شيء. مهمة جدًا لي وأنا أسمعها دائمًا.
* مؤخرًا حصلت على جنسية إيطالية. هل هذا مهم لك؟
- في هذه الأيام هذا مهم جدًا… إنها حصانة (يضحك)...



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».