المصريون يعانون «الجفاف المادي»... لكنهم لا يعدمون الأمل

سعر الدولار تضاعف 117 %... والضرائب والمحروقات ارتفعت

مواطنون مصريون أمام شركة للصرافة في العاصمة القاهرة في نوفمبر الماضي وذلك بعد قرار الحكومة تعويم الجنيه المصري في إطار الإصلاحات ومواجهة ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)
مواطنون مصريون أمام شركة للصرافة في العاصمة القاهرة في نوفمبر الماضي وذلك بعد قرار الحكومة تعويم الجنيه المصري في إطار الإصلاحات ومواجهة ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)
TT

المصريون يعانون «الجفاف المادي»... لكنهم لا يعدمون الأمل

مواطنون مصريون أمام شركة للصرافة في العاصمة القاهرة في نوفمبر الماضي وذلك بعد قرار الحكومة تعويم الجنيه المصري في إطار الإصلاحات ومواجهة ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)
مواطنون مصريون أمام شركة للصرافة في العاصمة القاهرة في نوفمبر الماضي وذلك بعد قرار الحكومة تعويم الجنيه المصري في إطار الإصلاحات ومواجهة ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)

مع نهاية العام، يشعر المواطن المصري العادي - أيا كان مستواه الاجتماعي - أنه تعرض لـ«جفاف مادي» متعدد المصادر، لا يكاد يحاول أن يسد أحد أبوابه عبر «إعادة حساباته وجدولة ميزانيته الشخصية»، إلا وينفتح عليه باب آخر يلتهم جانبا من دخله.
لكن رغم ذلك، يشعر الكثير من المواطنين أن الوضع الحالي وإن كان صعبًا فهو أمر لا فكاك منه لتحسين الوضع العام للدولة التي عانت كثيرا على مدار نحو 6 سنوات. فيما يبقى السؤال الحائر دون جواب واضح في عقول الجميع هو: «متى تنتعش الأحوال؟».
مع بقاء الرواتب والمعاشات تدور في فلكها الثابت على مدار العام، ارتفعت أسعار «كل شيء» في مصر... سواء بانعكاس من ارتفاع فادح لسعر الدولار مقابل العملة المحلية، أو من زيادة الضرائب بعد تطبيق «ضريبة القيمة المضافة» بمتوسط بلغ 13 في المائة، ارتفاعا من الضريبة السابقة على المبيعات التي كانت تبلغ 10 في المائة فقط، إضافة إلى رفع أسعار الجمارك على الكثير من السلع التي يقال: إنها «استفزازية»... وكل ذلك يضاف إلى الجشع واستغلال الظروف الذي يمارسه كثير من المتحكمين في الأسواق.
قرار «التعويم»
في مطلع العام الجاري كان سعر الدولار الرسمي وفقا للبنك المركزي المصري يبلغ نحو 7.81 جنيها للشراء و7.83 للبيع، وهو السعر الذي ظل شبه ثابت لسنوات. وفي منتصف مارس (آذار)، قرر المركزي المصري إعادة تسعير بيع الدولار مقابل الجنيه، ليصبح السعر الرسمي للدولار هو 8.73 للشراء و8.83 للبيع. لكن ذلك الإجراء لم يؤد الغرض المطلوب، وهو محاولة جسر الفجوة التي تتحملها الدولة جراء ما توفره من غطاء تدعم به عملتها بتوفير سعر غير واقعي أمام العملة الأميركية. كما أن تلك «الحماية» كانت تتعارض مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وبالتالي مع أي محاولة للاقتراض من مؤسسات دولية على غرار صندوق النقد من شأنها أن تدعم الموازنة وتحرك عجلة الاقتصاد الراكدة.
وفي 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قرر المركزي المصري «تعويم» سعر الصرف بشكل كامل، مع وضع سعر استرشادي عند 13.50 جنيها للدولار وذلك بعد أن وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى مستوى يفوق 18 جنيها. وبعد شهر واحد من التعويم، وصل متوسط سعر الدولار في البنوك، التي ترك لها تسعير العملة وفقا لرؤيتها، إلى 18 جنيها مرة أخرى، ولكن بشكل «رسمي» هذه المرة.
وبحساب الفارق بين متوسط سعر الدولار في بداية العام ومع الشهر الأخير، تكون نسبة الزيادة نحو 117 في المائة. وهي نسبة انعكست على كل السلع، سواء المستوردة منها أو المنتجة محليا، نظرا لتداخل عوامل أولية أو مستوردة في التصنيع المحلي؛ أو حتى ارتفاع أسعار المحروقات الذي تلا قرار تعويم الجنيه بعد يوم واحد، أو جشع بعض التجار من مستغلي الأزمات.
وفي ظل محاولات مضنية لإعادة حركة الاستثمار إلى مصر، وأخرى لاستعادة السياحة الغائبة منذ عام، تبدو حركة عجلة الاقتصاد بطيئة إلى حد كبير. لكن أغلب خبراء الاقتصاد الدوليين يرون أن هناك فرصا كبرى وواعدة في مصر للمستثمرين في إطار تحليلات الأسواق، واضعين شروطا لتحقيق ذلك، من بينها زيادة عوامل الجذب، وتوفير مزيد من الشفافية والتيسيرات الإجرائية والقانونية.
وبين كل تلك الأمور الضاغطة... يقف المواطن المصري حائرا فيما يمكن أن يفعل براتبه «الثابت رقما»، والمتقلص إلى «الثلث» فعلا. لكن يظل الأمل بتخطي الأزمة موجودا، بينما جماعية المشهد تخفف كثيرا من حدته، فلسان الحال العام يقول: «كلنا في الهوا سوا».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.