المديونية المحلية اليمنية تتراكم وتلامس الـ17 مليار دولار

وزير التخطيط اليمني لـ «الشرق الأوسط»: عجز الخزينة العامة 4 مليارات دولار

د. محمدي السعدي
د. محمدي السعدي
TT

المديونية المحلية اليمنية تتراكم وتلامس الـ17 مليار دولار

د. محمدي السعدي
د. محمدي السعدي

يلخص الدكتور محمد السعدي وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني أهم التحديات والمخاطر الاقتصادية التي تواجه اليمن في 6 محاور، تتمثل في انهيار منظومة الخدمات الأساسية، وتدمير وتآكل البنية التحتية، إلى جانب العجز الحاد في موارد الخزينة العامة للدولة، وتفاقم مشكلة الفقر والبطالة لدى الشباب، وانعدام الأمن الغذائي.
ويكشف الوزير في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن بلوغ العجز السنوي 15 في المائة من الناتج المحلي، أي أكثر من 4 مليارات دولار، فيما تراكمت المديونية المحلية لتلامس 17 مليار دولار (4 تريليونات ريال يمني)، وهما جزءان من عجز يقول الوزير إنه «حاد في موارد الخزينة العامة للدولة»، مكملا: «مدفوعات الفوائد على الدين المحلي وصلت إلى أكثر من 500 مليار ريال يمني سنويًا، وهناك عجز شهري في تغطية النفقات الجارية يصل إلى 100 مليار ريال يمني».
«تقدير البنك الدولي الأولي بنحو 6 مليارات دولار لتكلفة الأضرار في البنية التحتية، ونحو 8 مليارات دولار حجم الخسائر الاقتصادية، وهي تقديرات تتعلق بأربع مدن فقط لحق بها التدمير من أصل 19 محافظة تأثرت بالحرب»، ويقول السعدي: «تتصدر إعادة بناء الدولة وفق مخرجات الحوار الوطني، أولويات الحكومة اليمنية لفترة ما بعد الصراع، إلى جانب إعادة الاستقرار السياسي والأمني، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، وترميم النسيج الاجتماعي».
الحرب الجارية منذ بداية الانقلاب وحتى اللحظة «تسببت في تدمير وانهيار معظم الخدمات الأساسية للسكان وخاصة منظومة الطاقة الكهربائية ومحطات الطاقة وخطوط النقل والتحويل، لقد أثرت على القطاعات الزراعية والسمكية والصناعية والحياة بصورة عامة وينطبق نفس الأمر على قطاعات الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والبيئة وغيرها».
وبحسب الوزير فإن تدمير وتآكل البنية التحتية المادية تجلى في التدمير والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنشاط الاقتصادي بالغة التكلفة وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات وخاصة منظومة الطرق والجسور وأبراج ومحطات الكهرباء والمنشآت التعليمية والصحية والمنازل والممتلكات العامة والخاصة.
وأفاد السعدي بأن مشكلة الفقر والبطالة لدى الشباب ارتفعت في السنوات الأخيرة إلى مستويات باتت تهدد السلم الاجتماعي والسكينة العامة، وقال: «وصلت نسبة الفقر للذين يقل دخلهم عن دولارين إلى نحو 60 في المائة من السكان، فيما وصلت البطالة بين الشباب لأكثر من 50 في المائة».
ووفقًا للسعدي فإن انعدام الأمن الغذائي هو الآخر يتفاقم بشكل مخيف، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 14.1 مليون إنسان يعانون انعدام الأمن الغذائي، فيما يصنف اليمن ضمن أفقر 10 دول من أصل 104 دول في العالم.
وفي حديثه عن الأولويات لفترة ما بعد الصراع، أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي أن إعادة بناء الدولة وفق مخرجات الحوار الوطني تأتي في المقدمة، ومن ذلك استعادة مؤسسات الدولة وعودة الشرعية، وتسلم السلاح المتوسط والثقيل من الميليشيات الحوثية، وخروج الميليشيات المسلحة، وإعادة بناء القدرات البشرية والبنية التحتية للأقاليم بما يمكنها من ممارسة دورها ومسؤولياتها المختلفة.
وأردف «كذلك إعادة الاستقرار السياسي والأمني من خلال إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية، والاستفتاء على الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية».
وشدد السعدي على أن استعادة الخدمات الأساسية تأتي من خلال إصلاح وتطوير شامل لمنظومة الكهرباء وزيادة الطاقة التوليدية، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة البديلة في الأغراض الزراعية والصناعية والمنزلية، واستعادة الخدمات الصحية والمياه والصرف الصحي وتوسيع الرعاية الصحية الأولية، ومعالجة أوضاع النازحين والمشردين.
وعرج الوزير السعدي على مرحلة إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي من خلال إعادة بناء ما هدمته الحرب، وعقد مؤتمر للمانحين لتوفير التمويل، ودعم القطاع الخاص الوطني.
فيما يؤكد بعد كل هذه الخطوات على أهمية ترميم النسيج الاجتماعي الذي هتكته الميليشيات الانقلابية، عبر مصالحة وطنية شاملة وعدالة انتقالية على حد قوله.
وأشار الوزير إلى دور الشركاء الإقليميين والدوليين في دعم اليمن من خلال الدعم السياسي والعسكري لاستعادة الشرعية ومؤسسات الدولية، إلى جانب الدعم المالي لإعادة الإعمار والتعافي.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم