الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكشف معلومات سرية للاتفاق النووي

الاتحاد الأوروبي طلب نشر ثماني وثائق تتعلق بمخزون إيران لليورانيوم

مدير الوكالة الدولية يوكيا أمانو يتوسط مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا يناير 2016 (نيويورك تايمز)
مدير الوكالة الدولية يوكيا أمانو يتوسط مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا يناير 2016 (نيويورك تايمز)
TT

الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكشف معلومات سرية للاتفاق النووي

مدير الوكالة الدولية يوكيا أمانو يتوسط مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا يناير 2016 (نيويورك تايمز)
مدير الوكالة الدولية يوكيا أمانو يتوسط مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا يناير 2016 (نيويورك تايمز)

نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وثائق لم تكن في متناول الجميع في خطوة وصفتها وسائل إعلام غربية بـ«خطوة غير معتادة» ويهدف الكشف عن الوثائق تعزيز موقف الاتفاق النووي والمزيد من الشفافية حول المفاوضات في الساعات الأخيرة من دخول حيز التنفيذ، وفق ما ذكرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني.
والوثائق ممهورة بتاريخ 6 يناير (كانون الثاني) 2016، أي قبل أيام من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وجميعها لم يجر الإعلان عنه سوى الجمعة الماضي قبل نشرها على موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال خبراء لوكالة «أسوشييتد برس» إن «الإفراج عن الوثائق خطوة لدعم الاتفاق سبق وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي تحدث عن احتمال الانسحاب من الاتفاق النووي».
ووزعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التوضيحات التي جاءت في 45 صفحة، شملت ثماني وثائق على الدول الأعضاء الجمعة بعد تلقيها خطابا من مكتب موغيريني التي تنسق عمل اللجنة الرئيسية التي تشكلت بموجب الاتفاقية لمناقشة أي قضية ذات صلة وسمحت موغريني بنشر تلك الوثائق. ولم يحدد الخطاب سبب هذا الإعلان بعد مرور نحو عام من موافقة الدول الأطراف بالاتفاق.
وقال مكتب موغيريني في بيان إن «هذه الوثائق تقدم فقط توضيحات أعدتها اللجنة المشتركة بشأن تنفيذ الإجراءات الإيرانية المتعلقة بالملف النووي، وفقا لما جاء في الاتفاق النووي» حسب «رويترز».
وتقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية برصد الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع ألمانيا والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين وفرنسا وبريطانيا).
وعبرت الوكالة لإيران الشهر الماضي عن قلقها من تجاوز الأخيرة مرارا لأحد القيود التي لم يوضحها الاتفاق بصرامة شديدة، وهو مخزونها من الماء الثقيل، وهو المادة التي تستخدم للتبريد في مفاعلات نووية، مثل مفاعل أراك غير المكتمل الذي أزيل منه قلبه ليكون غير قابل للاستخدام قبل أن يقوم يوكيا أمانو بزيارة مفاجئة إلى إيران أجرى فيها مشاورات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي. وقال دبلوماسيون إن أمانو عبر عن مخاوفه من تخطي إيران مخزون اليورانيوم.
وقال دبلوماسيون إن «إيران اقتربت من تخطي حدود أخرى يضعها الاتفاق، خصوصا السقف المسموح به لمخزون اليورانيوم المخصب البالغ 300 كيلوغرام.» وينص الاتفاق على أن إيران تستطيع امتلاك يورانيوم منخفض التخصيب غير ملائم لصنع الأسلحة. ومن المرجح أن يسبب انتهاك هذا الحد ضررا أكبر بكثير مما قد ينتج عن تجاوز مخزون الماء الثقيل. وتعد هذه الكمية أقل بكثير مما يتطلبه تصنيع سلاح نووي حتى لو جرى تخصيبها إلى مستويات إنتاج السلاح، تحديدا النوعية التي يتطلبها صنع الرؤوس النووية.
وجاء نشر الوثيقة بعد وقت قصير من تحذير وكالة الطاقة الذرية لإيران كي تلتزم بتقليص إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب، وإلا ستجبرها على مزيد من التخفيض عن الحد المسموح. وأفاد المسؤولان بأنه لا توجد علاقة بين الموضوعين، وأن إيران ما زالت حتى الآن ملتزمة بتعهدها.
فعند إبرام الاتفاق النووي، كانت إيران تمتلك أكثر من 100 كيلوغرام من المخلفات السائلة والصلبة التي تحوي اليورانيوم المنخفض التخصيب كجزء من أنشطتها النووية. ولا تزال هناك بعض هذه المواد، وتعلن الوثائق التي نشرت الجمعة أن اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تحويه هذه المواد لا «يمكن استرجاعه»، وعليه فإنه لا يعد جزءا من كمية الـ300 كيلوغرام المصرح بها.
وقال دبلوماسي يتابع قضايا إيران عن كثب «كانوا قريبين. لو كانوا قد تخطوا الحد لسبب ذلك حرجا».
كما يسود غموض شديد إزاء طريقة تعامل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وهو منتقد شديد للاتفاق النووي، مع أي صعوبات قد تظهر في المستقبل مع إيران.
ومن غير الواضح التغيير الدقيق الذي ستحدثه التوضيحات على حجم المخزون الإيراني من اليورانيوم. ولا تقدم الوكالة تقديرات في تقاريرها عن إيران للدول الأعضاء؛ مما سبب لها انتقادا من دول عدة على الرغم من تواصلها مع الدول الكبرى التي أبرمت الاتفاق مع طهران.
الشهر الماضي وعقب فوز ترامب بالانتخابات الأميركية استعبد ظريف إعادة التفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد وهو أحد الحلول التي اقترحها ترامب لإعادة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق أفضل مع إيران.
وأشار مسؤولان من الدول الخمس الأعضاء بمجلس الأمن الذين وجدوا على طاولة المفاوضات إلى أن الهدف من الإعلان جاء لإظهار وحدة الموقف بشأن الاتفاق وسط انتقادات وجهها خبراء أفادوا بأن أعضاء الكونغرس الأميركي المتحفظين على الاتفاق قبلوا به لثقتهم أن إيران ستخل ببنوده.
وقد وافق المسؤولان على مناقشة هذا الموضوع شريطة عدم ذكر اسميهما، حيث إنهما غير مخوَلين بالحديث في هذا الموضوع السري.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.