3 أحداث ثقافية لأول مرة في الكويت

عاصمة الثقافة الإسلامية ومركز جابر الأحمد الثقافي وجائزة ملتقى القصة

كان عامًا حافلاً بالأنشطة الثقافية ستودعه الكويت، وتستقبل من أوله في العام الجديد مهرجان القرين الثقافي، الأبرز حتى الآن للعام المقبل.
كان عامًا حافلاً بالأنشطة الثقافية ستودعه الكويت، وتستقبل من أوله في العام الجديد مهرجان القرين الثقافي، الأبرز حتى الآن للعام المقبل.
TT

3 أحداث ثقافية لأول مرة في الكويت

كان عامًا حافلاً بالأنشطة الثقافية ستودعه الكويت، وتستقبل من أوله في العام الجديد مهرجان القرين الثقافي، الأبرز حتى الآن للعام المقبل.
كان عامًا حافلاً بالأنشطة الثقافية ستودعه الكويت، وتستقبل من أوله في العام الجديد مهرجان القرين الثقافي، الأبرز حتى الآن للعام المقبل.

توجت الكويت ثقافتها أولاً بحدثين بارزين شكّلا عامًا ثقافيًا مختلفًا. الحدث الأول تمثل باختيار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية، والحدث الثاني تجسد بإنشاء أكبر مركز ثقافي هو مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي. في الحدث الأول، حشدت المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة طاقاتها لمواكبة هذا الاختيار، فأقيمت الندوات وأصدرت الكتب وأنجزت الأفلام الوثائقية التي وثقت نشأة الثقافة الإسلامية في الكويت.
ميزة هذه الاحتفالية تتمثل في أن مفهوم الثقافة الإسلامية اتسع ليشمل الأدب والفن التشكيلي والمسرح، وغير ذلك من أعمال متعددة جاءت تحت اسم «الكويت عاصمة الثقافة الإسلامية».
كما اتسعت الدائرة الجغرافية لتستضيف الكويت أنشطة من خارج الدولة أيضًا، سواء من الوطن العربي أم من خارجه، كما أنجزت الكويت أول عمل من نوعه قدمته مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، وهو فيلم وثائقي طويل أرّخ لمسيرة الكويت الثقافية منذ نشأة الكويت ولغاية اليوم على مختلف الأصعدة. وأصدرت المؤسسات الثقافية والجمعيات الأهلية كتبًا بكميات كبيرة بهذه المناسبة.
الحدث الأبرز أيضًا تمثل في افتتاح مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، الذي استغرق بناؤه 22 شهرًا وفق طراز معماري متميز وهندسي يمزج بين الأصالة والمعاصرة، وإن كان الشكل الأكبر له مستوحى من العمارة الإسلامية. ويضم المبنى 3 مسارح و3 قاعات للحفلات الموسيقية الضخمة والمؤتمرات والمعارض ومركزًا للوثائق التاريخية. وشُيد على مساحة تقدر بـ214 ألف متر مربع، وقد صدر قرار إنشاء المركز في عام 2015. وافتتح يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام بحضور سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وتم تقديم مجموعة من الفقرات الفنية للفنانين المخضرمين؛ عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج وسعاد عبد الله وحياة الفهد، ومجموعة من الفقرات الغنائية للفنانين عبد الله الرويشد ونوال الكويتية ونبيل شعيل، والأوبرا العالمية التي قدمها المغنى الإيطالي الشهير أندريا بوتشيلي، حيث قدم رائعتي الرومانتيكي الروسي تشايكوفسكي «كسارة البندق» و«بحيرة البجع».
من الأحداث الثقافية البارزة في دولة الكويت لهذا العام انطلاق مسابقة كبيرة للقصة القصيرة أقامتها الجامعة الأميركية، وهي بعنوان «جائزة الملتقى»، وجاءت في دورتها الأولى محققة زخمًا كبيرًا ضمن احتفالية في ندوة حاضر فيها مجموعة من الأدباء والنقاد في الوطن العربي. القاص أحمد عمر، أحد كتاب «عربي21» عن مجموعته القصصية «هدهد في زجاجة»، وأنيس الرافعي عن مجموعته القصصية «مصحة الدُمى»، وحيدر عبد المحسن عن مجموعته القصصية «قططٌ عارية»، وخديجة النمر عن مجموعتها القصصية «الأفكار السابحة بين الأرض والسماء»، وزياد خداش عن مجموعته القصصية «أسباب رائعة للبكاء»، وعبد السميع بن صابر عن مجموعته القصصية «السكابندو»، وعيسى جبايلي عن مجموعته القصصية «كأن أمضي خلف جثتي»، ولطف الصراري عن مجموعته القصصية «الرجاء عدم القصف»، ومازن معروف عن مجموعته القصصية «نِكات للمسلحين»، والنون محمد رفيع عن مجموعته القصصية «مصر عسل».
هذه الأحداث الثلاثة كانت هي المرة الأولى التي تشهدها الكويت، بينما هناك أحداث متكررة سنويًا، مثل توزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية التي يطرحها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حيث فاز بالتقديرية الأديبة ليلى محمد صالح عن الآداب، والفنان إبراهيم الصلال عن الفنون المسرحية، والفنان محمود الرضوان عن الفنون التشكيلية. وفي الجائزة التشجيعية في مجال الآداب فاز بها كل من الشاعر رجا محمد القحطاني، جائزة الشعر عن ديوانه «سماوات لمطر أخير» (مناصفة). والشاعر جابر علي النعمة، جائزة الشعر عن ديوانه «تمهيدًا لولادتي» (مناصفة). والروائي طالب الرفاعي، جائزة الرواية عن رواية «في الهنا». والدكتور محمد مبارك بلال، جائزة الدراسات اللغوية والأدبية والنقدية عن عمله «المسرح العربي الخليجي وتوظيف التراث». والدكتور مرسل العجمي، جائزة الدراسات اللغوية والأدبية والنقدية عن عمله «أبو حيان علي بن محمد التوحيدي الإمتاع والمؤانسة».



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.