«الصويرة» المغربية تودع 2016 بمهرجان «جاز تحت الأركان»

بمشاركة فنانين من كوبا ومالي وبنين وفرنسا وبلجيكا والمغرب في الدورة الثانية له

الفنان المغربي مجيد بقاس - الفنان المالي علي كيتا - الصويرة... مدينة الموسيقى
الفنان المغربي مجيد بقاس - الفنان المالي علي كيتا - الصويرة... مدينة الموسيقى
TT

«الصويرة» المغربية تودع 2016 بمهرجان «جاز تحت الأركان»

الفنان المغربي مجيد بقاس - الفنان المالي علي كيتا - الصويرة... مدينة الموسيقى
الفنان المغربي مجيد بقاس - الفنان المالي علي كيتا - الصويرة... مدينة الموسيقى

ينتظر أن تودع مدينة الصويرة سنة 2016 بأحسن ما يكون، وهي تستقبل زوارها وعشاقها، على مدى ثلاثة أيام، انطلاقًا من يوم غد الثلاثاء، لتهديهم دورة ثانية من مهرجان «جاز تحت الأركان»، بمشاركة فنانين من المغرب، وبوركينا فاسو، ومالي، وبنين، وساحل العاج، وكوبا، وفرنسا، وبلجيكا، تتوزع على 3 أمسيات و6 حفلات.
وسيكون جمهور حفل افتتاح المهرجان مع «ثلاثي إدريس المعلومي»، أحد أبرز عازفي العود في المغرب والعالم العربي، قبل أن يتواصل برنامج الأمسية مع مجموعة ألفريدو رييس كوارتيت، التي ينتظر أن تمتع جمهور «دار الصويري» بموسيقى دافئة بنفس كوبي - لاتيني.
وحسب بيان لـ«جمعية الصويرة موغادور»، فبقدر ما تبدو الصويرة فخورة باحتضان هذا الحدث الفني، مؤكدة تحولها إلى ملاذ لعشاق كل الأنواع الموسيقية الراقية، تنتظر أن تتركز الأضواء على مكونات عائلة الجاز المغربي، التي تستحق الاستماع إليها، والاستمتاع بها والاعتراف بها، بقدر حرصها على متابعة أعمال كبار هذا الفن عبر العالم. فيما سيستقبل الجزء الأول من حفل الاختتام الفنان البوركينابي أداما درام، مرفوقًا بعازف البيانو فرنسوا رولان، قبل أن يكون الجمهور مع الفنان المالي علي كيتا والبنيني جوزيف بسام كواسي والإيفواري ياكو دانيال نغويسان والبلجيكي مانويلي هرميا، ويقدم الفنان المغربي مجيد بقاس عمله الفني الجديد «مشروع العودة إلى الجذور»، الذي يطرح فيه صاحبه عصارة تجربة تستمد عمقها من الأرض الأفريقية.

* جاز تحت الأركان
بدأت الإرهاصات الأولى لموسيقى الجاز، حسب الموسوعة العالمية، «في منتصف القرن التاسع عشر، في نيو أورليانز، الواقعة على نهر الميسيسيبي، حيث احتوت تلك المدينة، في ذلك الوقت، خليطًا من المهاجرين الإسبان والإنجليز والفرنسيين، يكونون معًا طبقة الأسياد، حيث كان يمتلك كل منهم عددًا وفيرًا من العبيد الذين يسخرونهم في جميع الأعمال، خصوصا الزراعة. وفي هذه الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية، التي تزامنت مع إلغاء نظام الرق والعبودية عام 1863، من جهة، ونهاية الحرب الأهلية الأميركية عام 1865، من جهة أخرى، وجد العبيد الزنوج أنفسهم أحرارًا في مدينة نيو أورليانز، التي تكثر فيها علب الليل وصالات الرقص الأوروبي، مثل الفالس والبولكا التي تنتشر في كل أنحاء المدينة، خصوصًا شارع رامبارت. وهكذا بدأت الموسيقي الأوروبية، رويدًا رويدًا، تختلط بالإيقاعات والألحان التي احتفظ بها الزنوج وتوارثوها، جيلاً بعد جيلاً، لأنهم كانوا يرددونها أثناء العمل في حقول القطن وأثناء سمرهم في ميدان الكونغو. كما أخذ الزنوج يستعيدون هذه الإيقاعات من خلال صنع الطبول الضخمة التي تسمى (تام تام) أو (بامبولاس). وامتزجت تلك الألحان الأفريقية، أيضًا، بالألحان التي تعلموها في الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانية، مع صرخات عذاب العبودية وتعبيرات روحهم المكتئبة المتأثرة بالموسيقي الوثنية والموسيقى الأوروبية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت».
وتعد شجرة «الأركان (تلفظ الكاف بثلاث نقاط)»، التي ترتبط بها معارف ومهارات كثيرة بحمولة ثقافية، موروثًا مغربيًا خالصًا؛ إذ إنها تنبت بطريقة طبيعية في المغرب فقط. وسبق لمنظمة اليونيسكو أن أدرجت المعارف والمهارات المرتبطة بشجرة «أركان» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

* عائلة مهرجانات الصويرة
يعد «جاز تحت الأركان» آخر المهرجانات التي تم إطلاقها بالصويرة، التي تعرف، عبر العالم، بثلاثة من مهرجاناتها الكبرى: «كناوة وموسيقى العالم»، و«أندلسيات أطلسية» و«ربيع الموسيقى الكلاسيكية».
وكان «الأندلسيات الأطلسية» قد اقترح على جمهوره، في دورته الـ13، التي نظمت في ما بين 27 و30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لحظات للتفكير والنقاش وفقرات فنية تشترك في الأداء الراقي، أداها فنانون مغاربة؛ مسلمون ويهود، تأكيدا على تنوع وتعايش ميز تاريخ المغرب منذ غابر القرون؛ فيما ركز «ربيع الموسيقى الكلاسيكية»، في دورته الـ16، التي نظمت في ما بين 28 أبريل (نيسان) و1 مايو (أيار) الماضيين، على أساتذة ومدرسة فيينا التي اشتهرت بكونها عاصمة الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية، التي انكشف فيها المشوار الفني لهايدن وموتزارت وبيتهوفن وشوبرت، فيما تميزت فعاليات «كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ19، التي نظمت في ما بين 12 و15 مايو الماضي، بتنوع وغنى على مستوى البرنامج، الذي جمع عروض الموسيقى، على منصات الحفلات، بفضيلة الحوار في المنتدى، الذي نظم في دورته الخامسة، في موضوع «الدياسبورا» الأفريقية، بمشاركة باحثين ومختصين ومهتمين بالشأن الأفريقي، من المغرب والخارج، توزعت على 4 محاور، شملت «الحركيات» و«المعرفة» و«النوع الاجتماعي» و«الثقافة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».