تصعيد إيراني في الميدان يسابق مسعى روسيا لإطلاق العملية السياسية

النظام مهّد لعملية عسكرية بغارات على ريف حلب والفصائل المعارضة تستهدف مواقع غربي المدينة

طفلة تنظر من خلال ستار من ضمن العائلات التي أجليت من شرق حلب (غيتي)
طفلة تنظر من خلال ستار من ضمن العائلات التي أجليت من شرق حلب (غيتي)
TT

تصعيد إيراني في الميدان يسابق مسعى روسيا لإطلاق العملية السياسية

طفلة تنظر من خلال ستار من ضمن العائلات التي أجليت من شرق حلب (غيتي)
طفلة تنظر من خلال ستار من ضمن العائلات التي أجليت من شرق حلب (غيتي)

ردت فصائل المعارضة السورية المسلحة على استئناف النظام ضرباته الجوية على مناطق سيطرتها في ريف محافظة حلب الغربي والجنوبي، بقصفها أهدافًا للنظام في غرب مدينة حلب، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
جاءت الضربات الجوية بعد ساعات قليلة على انتهاء عمليات إجلاء المدنيين والمسلحين من الأحياء الشرقية للمدينة، ما يشير إلى أن النظام يمهد لعملية برية في ريفي حلب الشمالي والغربي لتأمين المدينة وإبعاد المعارضة عنها، بحسب ما قال خبراء. وفي المقابل، رأى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن استئناف القصف «يعكس استمرار الخلاف بين روسيا التي تسوق لاتفاق وقف نار شامل وإطلاق عملية سياسية، وبين إيران التي تدفع باتجاه استمرار العمليات العسكرية».
«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد أمس بأن «عشرات القذائف سقطت على حي الحمدانية بجنوب غرب حلب، وأدت إلى مقتل ستة أشخاص». وأردف أن جيش النظام وحلفاءه، وبينهم جماعة «حزب الله» اللبنانية، مشطوا المناطق التي انسحبت منها الدفعة الأخيرة من مقاتلي المعارضة والمدنيين صباح أول من أمس الجمعة، لتطهيرها من الألغام». ومن جانبه، ادعى التلفزيون الحكومي السوري الناطق باسم النظام، أن القصف على حلب «أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص». وبثّ لقطات من حي الأنصاري تظهر فيها شوارع خالية ومباني سكنية دمرتها الضربات الجوية.
هذا، ورغم السباق القائم بين الوضع الميداني والمحادثات السياسية التي تروّج لها روسيا، فإن ذلك له أسبابه برأي نصر الحريري، عضو «الائتلاف» الذي عزا ذلك لـ«استمرار الاختلاف بين الروس من جهة والإيرانيين ومعهم النظام من جهة أخرى على أولويات الحلول في سوريا». وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ذكّر الحريري أن «قوات النظام والإيرانيين كانوا يسعون إلى تصفية المدنيين والمقاتلين المحاصرين في أحياء حلب الشرقية وربما بغطاء دولي، لكن الروس نجحوا في إبرام اتفاق مع الأتراك يقضي بإخراج المحاصرين، ولقد عمد الإيرانيون إلى عرقلة هذا الاتفاق، ما اضطر الروس إلى التهديد بقصف أي جهة تخرق الاتفاق».
وأشار الحريري إلى أن «هذا الخلاف لا يزال مستمرًا بعد حلب، فبعد الحديث الروسي عن خارطة طريق لوقف إطلاق النار في كل سوريا، ووضع اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق، استأنف النظام وحلفاؤه القصف على ريف حلب». وقال الحريري إن «هذا الخرق يضع الروس أمام احتمالين: الأول يعني أنهم مع هذا الحراك وأنهم يراوغون، حتى ينسى العالم جريمة حلب، والثاني أن روسيا جادة بالحل السياسي، وهذا نقيض المشروع الإيراني الذي يريد الهيمنة على كل سوريا، واتخذاها منصة لاستهداف دول أخرى».
من جهته، أكد الخبير المحلل العسكري والاستراتيجي عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام لا يؤمن إلا بالحل الأمني والعسكري، وهو لا يستطيع الذهاب إلى خطوات سياسية»، معتبرًا أن «الحديث عن فرص للسلام، ما هو إلا مجرّد غطاء للحل العسكري». وقال العايد: «كل ما يحكى عن حلّ سياسي هو مضيعة للوقت، فلا روسيا ولا النظام ولا إيران، لديهم رغبة بحل غير الحل العسكري، وهناك تبادل للأدوار»، وأردف أن «الحل السياسي مجرّد جزرة لإلهاء العالم وتفتيت المعارضة والجبهة الإقليمية والدولية الداعمة للمعارضة».
وبالفعل، لا يخفي عضو «الائتلاف» نصر الحريري، قلقه من مقايضات كبرى على دم السوريين، لافتًا إلى أن «الشعب السوري وحده يدفع من دمه ثمن هذه التناقضات». وتابع: «على كل من ادعى صداقة الشعب السوري مواجهة المد الإيراني، عبر تحرك دولي فاعل»، معتبرًا أن روسيا «مدعوة للجم حليفتها إيران، لأن النظام ليس صاحب قرار، وإلا لن يكون للعملية السياسية أي معنى».
وعمّا إذا كانت أولويات النظام تبدلت بعد سيطرته الكاملة على حلب، خصوصًا مع استئناف غاراته الجوية على الريف الغربي للمدينة، رأى العايد أن النظام «بدأ يجزّئ أهدافه، ويبدو أن تأمين حلب سيكون هدفه الأول، ولذلك سيركز عملياته على مناطق سيطرة المعارضة في الريف الغربي والجنوبي، كما يتجه إلى تأمين العاصمة دمشق، وهذا ما يظهر من خلال عملياته في وادي بردى».
ونبّه الخبير العسكري السوري المعارض إلى أن نظام الأسد «يسعى لوضع اليد على المناطق الحدودية مع تركيا، لا سيما معبري باب الهوى وباب السلام، وقد نشهد عملية عسكرية تؤدي إلى إغلاق الحدود مع تركيا، ويبدو أن أنقرة متجاوبة». وأضاف: «الأهداف الكبيرة تتم تجزئتها، بعمليات تكتيكية ليست كبيرة جدًا».
ولا تبدو إدلب في أولويات النظام حاليًا، بحسب ما يشير عبد الناصر العايد، الذي لفت إلى أن «إدلب تعدّ معقلاً لجبهة النصرة، ولذلك ستكون متروكة للحل الدولي، وقد ينتظر النظام مشكلة دولية، يتم بنتيجتها تكليفه مع الروس بسحقها بتفويض دولي، خصوصًا وأن سياسة الولايات المتحدة الأميركية في عهد دونالد ترامب غير واضحة تجاه سوريا حتى الآن». وأوضح أن «تراجع الدور التركي أراح النظام، لا سيما وأن أولوية أنقرة هي تحجيم الأكراد، وتأمين مصالحها الاستراتيجية التي تبقى أهم بكثير من الثورة السورية».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.