المشتبه به في هجوم برلين تشبع بالفكر المتشدد في سجن إيطالي

بين الزنازين اعتنق العامري أفكارًا شديدة الخطورة ومتطرفة

ضباط البحث الجنائي الإيطاليون يجمعون الأدلة أمس بالقرب من موقع مقتل أنيس العامري منفذ هجوم الدهس في برلين (رويترز)
ضباط البحث الجنائي الإيطاليون يجمعون الأدلة أمس بالقرب من موقع مقتل أنيس العامري منفذ هجوم الدهس في برلين (رويترز)
TT

المشتبه به في هجوم برلين تشبع بالفكر المتشدد في سجن إيطالي

ضباط البحث الجنائي الإيطاليون يجمعون الأدلة أمس بالقرب من موقع مقتل أنيس العامري منفذ هجوم الدهس في برلين (رويترز)
ضباط البحث الجنائي الإيطاليون يجمعون الأدلة أمس بالقرب من موقع مقتل أنيس العامري منفذ هجوم الدهس في برلين (رويترز)

عندما وصل أنيس العامري على متن أحد قوارب المهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية في أبريل (نيسان) من عام 2011، نزل على جزيرة لامبيدوسا الإيطالية النائية بصفته هاربا من العدالة. حيث كانت تلاحقه السلطات المحلية في تونس لاختطافه سيارة مع عصابة من اللصوص، ولقد سجنته السلطات الإيطالية لاتهامات بالحرق والاعتداء العنيف في مركز استقبال المهاجرين القصر على جزيرة صقلية.
وهناك، كما لاحظت عائلته، كان الصبي الذي اعتاد تناول الخمور، ولم يذهب إلى المسجد قط، تحول على نحو مفاجئ إلى فتى متدين، حيث بدأ يصلي، وطلب من عائلته إرسال بعض الكتب الدينية إليه. ورفعت هيئة السجون الإيطالية تقريرا إلى اللجنة الحكومية المعنية بمكافحة الإرهاب حول التطرف السريع الذي تعرض له أنيس، محذرة أنه يعتنق أفكارا شديدة الخطورة من التطرف الإسلاموي العنيف، ولقد هدد زملاءه السجناء المسيحيين، وفقا لأحد المسؤولين الحكوميين الإيطاليين من المطلعين على الأمر. ولقد جاء ذكر الملف للمرة الأولى عبر وكالة «أنسا» الإخبارية الإيطالية.
ولقد حاولت السلطات الإيطالية ترحيل العامري، لكنها لم تستطع. وأرسلوا بصماته وصوره إلى القنصلية التونسية، ولكن السلطات هناك رفضت الاعتراف بالعامري مواطنا. ولم يتمكن الجانب الإيطالي، كما قال المسؤولون، من الوقوف على هويته الحقيقية. وكان الحل الإيطالي: بعد أربع سنوات في السجن، أطلقوا سراحه على أي حال، ومنحوه سبعة أيام لمغادرة البلاد.
اندفعت شاحنة سوداء كبيرة في سوق لأعياد الميلاد يعج بالمحتفلين المتسوقين في برلين يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وتسببت في مقتل 12 شخصا وإصابة العشرات الآخرين. ويوم الاثنين، تعتقد السلطات الألمانية أن العامري، الذي يبلغ من العمر 24 عاما الآن، ومع صلات سابقة تربطه بالمتطرفين، قاد الشاحنة التي اندفعت في سوق أعياد الميلاد في برلين. ولقد حاولت السلطات الألمانية ترحيله أيضا على الرغم من الرفض التونسي طويل الأمد لإعادته للبلاد.
في الليلة التي سبقت الهجوم، اتصل العامري بعائلته في تونس، كما اعتاد أن يفعل في كل عطلة نهاية أسبوع تقريبا. وكان يوم ميلاده، الموافق يوم الخميس، كان يقترب، وكان يبدو سعيدا بذلك.
وتتذكر سيدة العامري، شقيقته، البالغة من العمر 36 عاما، من بلدتها المتواضعة المعروفة باسم الوسلاتية في تونس، سؤاله في يوم الأحد عن أحوال الطقس عندها، وعن الأمطار، وعما سيتناولونه على العشاء. ولقد سألها أيضا، كما تقول، أن تعطي الهاتف إلى ابنة أخيه الصغيرة، زينب ذات السنوات الأربع، حيث قال لها «هل تعلمين من أكون؟».
تشير قضيته إلى حقيقتين مهمتين تتعلقان بأساليب الإرهاب الحديثة التي تشكل تحديات كبيرة وجديدة، ولا سيما في أوروبا. إن النظام المعيب، وأحيانا المرهق للغاية، للترحيل واللجوء في أوروبا، المختلط مع الحدود المفتوحة، قد جعل من السهل جدا على المتشددين العمل في القارة العتيقة.
ومع ذلك، فإن العامري هو من أحدث المشتبه فيهم الذين خرجوا من فجوة مكافحة الإرهاب المثيرة للقلق في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي حالة من بعد حالة، بما في ذلك الهجوم على أسواق أعياد الميلاد الألمانية، تتقدم السلطات إلى الأمام بعد الواقعة لتقول إنهم لديهم ما يكفي من الأسباب لوضع المشتبه به تحت المراقبة قبل ارتكابه حوادث العنف. ولكن ليس ما يكفي من الأسباب للتحرك وإلقاء القبض عليه.
ولقد كان ذلك صحيحا في أغلب مؤامرات الإرهاب الفردية خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كان عمر متين، مرتكب حادثة إطلاق النار في أورلاندو بولاية فلوريدا، خاضعا لتحقيقات المباحث الفيدرالية لمدة 10 شهور. ولقد تعقب عملاء المباحث الفيدرالية ولم يتمكنوا أيضا من بناء قضية محكمة ضد منفذي تفجيرات ماراثون بوسطن، أو المتآمرين الذين استهدفوا مسابقة للرسوم الكرتونية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وتكرر الأمر نفسه مع أنيس العامري. فقبل شهور عدة، وخلال إحدى عمليات المراقبة التي كانت ترصد الدعاة المتطرفين، اعترضت السلطات الألمانية اتصالا، الذي كان كما ظهر في وقت لاحق، يبدو وأنه يشير إلى نوايا العامري العنيفة. ولم تنشر السلطات الألمانية نص حديث العامري، ولكن قال اثنان من المسؤولين الألمان من المطلعين على التحقيقات إن الاتصال الذي اعترضوه «كان مباشرا بدرجة كافية لتشير إلى وجود تهديد إرهابي وشيك».
وقال أحد المسؤولين «لم تصدر عنه عبارات صريحة كهذه خلال الحديث، والتي يمكن أن تؤدي إلى استنتاج أنه ينوي أن يصبح (شهيدا)».
لقد سقط العامري في منطقة رمادية شديدة الخطورة،– فلقد كان على قائمة حظر الدخول الجوي إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل شهر كامل، ولقد ربطته السلطات الألمانية بشبكة من المتطرفين تحت قيادة أبو ولاء، وهو مواطن عراقي يبلغ من العمر 32 عاما، كان قد ألقي القبض عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) لاتهامات بتجنيد وإرسال المقاتلين من ألمانيا إلى تنظيم داعش.
* «واشنطن بوست»
- خاص بـ {الشرق الأوسط}



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».