روزنامة غنية لحفلات ليلة رأس السنة في لبنان

يصل أسعار بعض بطاقاتها إلى 1200 دولار للشخص الواحد

نانسي عجرم تغيب في هذه المناسبة عن جمهورها في لبنان لتقدّم حفلة في دولة الإمارات  - الفنان عاصي الحلاني يطلّ على جمهوره  ليلة رأس السنة في فندق «الحبتور» وعلى مسرح «بلاتيا» - نجوى كرم تحيي حفلا في فندق فينيسيا وسط بيروت  وتبدأ أسعار بطاقاتها بـ450 دولارًا إلى 1200 دولار - حفلة الفنان وائل كفوري في فندق فينيسيا  تعدّ بطاقاتها الأغلى سعرًا
نانسي عجرم تغيب في هذه المناسبة عن جمهورها في لبنان لتقدّم حفلة في دولة الإمارات - الفنان عاصي الحلاني يطلّ على جمهوره ليلة رأس السنة في فندق «الحبتور» وعلى مسرح «بلاتيا» - نجوى كرم تحيي حفلا في فندق فينيسيا وسط بيروت وتبدأ أسعار بطاقاتها بـ450 دولارًا إلى 1200 دولار - حفلة الفنان وائل كفوري في فندق فينيسيا تعدّ بطاقاتها الأغلى سعرًا
TT

روزنامة غنية لحفلات ليلة رأس السنة في لبنان

نانسي عجرم تغيب في هذه المناسبة عن جمهورها في لبنان لتقدّم حفلة في دولة الإمارات  - الفنان عاصي الحلاني يطلّ على جمهوره  ليلة رأس السنة في فندق «الحبتور» وعلى مسرح «بلاتيا» - نجوى كرم تحيي حفلا في فندق فينيسيا وسط بيروت  وتبدأ أسعار بطاقاتها بـ450 دولارًا إلى 1200 دولار - حفلة الفنان وائل كفوري في فندق فينيسيا  تعدّ بطاقاتها الأغلى سعرًا
نانسي عجرم تغيب في هذه المناسبة عن جمهورها في لبنان لتقدّم حفلة في دولة الإمارات - الفنان عاصي الحلاني يطلّ على جمهوره ليلة رأس السنة في فندق «الحبتور» وعلى مسرح «بلاتيا» - نجوى كرم تحيي حفلا في فندق فينيسيا وسط بيروت وتبدأ أسعار بطاقاتها بـ450 دولارًا إلى 1200 دولار - حفلة الفنان وائل كفوري في فندق فينيسيا تعدّ بطاقاتها الأغلى سعرًا

يزخر لبنان بروزنامة حفلات فنيّة ناشطة ليلة رأس السنة، تتوزّع على مختلف مناطقه. وفي هذه المناسبة، تنافست فنادق ومطاعم بيروت وخارجها على التعاقد مع أشهر نجوم الغناء، لاستقطاب أكبر عدد من الساهرين الذين راحوا يحجزون البطاقات لهذه الليلة قبيل وصول العيد بأسابيع كثيرة.
ورغم أن «العين بصيرة واليد قصيرة»، كما يقول المثل اللبناني، فإن شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين اتخذت قرارها بتمضية سهرة رأس السنة في مربع ليلي، أو في مطعم أو فندق، وذلك حسب الميزانية التي تناسبها. فكما أن هناك حفلات تتجاوز كلفة البطاقة الواحدة منها الألف دولار أميركي، فإن هناك متعهدي حفلات أخذوا في عين الاعتبار حالة المواطن العادي، ليقدّموا له سهرة تناسب جيبه مع فنانين من الدرجة الرابعة، بحيث لا يتعدّى سعر البطاقة الواحدة منها المائة ألف ليرة لبنانية (75 دولارًا).
ولعلّ الحفلة الغنائية التي يحييها كلّ من وائل كفوري ونجوى كرم وملحم زين، في فندق فينيسيا، وسط بيروت، تعدّ الأعلى سعرًا بالنسبة لبطاقاتها التي تبدأ بـ450 دولارًا، وصولا إلى 1200 دولار للشخص الواحد. وهذه الأسعار المرتفعة يحدّد سقفها المسافة التي تبعد مقاعد الساهرين عن المسرح. فكلّما كانت قريبة، وفي استطاعتهم أن يشاهدوا فيها الفنان النجم عن كثب ليتفاعلوا مع أغانيه، زاد سعرها ونفدت بسرعة. كما تشمل هذه الأسعار أيضًا مبالغ متوسّطة (650 دولارًا)، نسبة إلى غيرها، وهي المحددة للمقاعد الوسطية التي تؤمّن للساهر مشهدية معقولة، نسبة إلى الأشخاص الموجودين في عمق القاعة.
ومن فينسيا ننتقل إلى «مركز بيروت الدولي للمعارض» (بيال) الذي يحيي على مسرحه الفنان راغب علامة حفلة ليلة رأس السنة، ضمن أسعار بطاقات تتراوح ما بين 385 و550 و770 دولارًا للشخص الواحد. ويشارك علامة في هذه السهرة التي بدأت حجوزاتها تنفد منذ أيام قليلة الفريق الغنائي «بليونير مانشين» الذي يؤدّي أغاني غربية.
وفي فندق الحبتور (هيلتون بيروت)، سيتسنّى لمحبّي الفنان عاصي الحلاني تمضية سهرة ليلة رأس السنة معه، التي يشاركه فيها كلّ من ملحم زين، والموسيقي ميشال فاضل. وتتراوح أسعار بطاقات هذه السهرة بين 250 و350 دولارًا، وصولاً إلى 550 و750 دولارًا للشخص الواحد.
وسيكون لكل من نجمي الحفلتين المذكورتين (وائل كفوري وعاصي الحلاني) إطلالة ثانية، وذلك على «مسرح بلاتيا»، في منطقة جونية، يشاركهما فيها الموسيقي غي مانوكيان، وتصل أسعار بطاقاتها إلى 650 دولارًا للشخص الواحد.
وفي منتجع «الكورال بيتش»، في منطقة الجناح، سيقدّم الفنان معين شريف سهرة رأس السنة التي يشاركه فيها الفنان نادر الأتات وإحدى الراقصات الشرقيات، ليبلغ سعر البطاقة الواحدة أقصاه الـ400 دولار.
ومن ناحيته، فإن الفنان وليد توفيق سيكون نجم مسرح «كازينو لبنان»، في منطقة جونية، للاحتفال مع جمهوره بليلة رأس السنة. وسيشاركه فيها كلّ من المونولوجيست باسم فغالي والفنان عامر زيّان. أما أيمن زبيب وناصيف زيتون، فسيوجدان في فندق «موفنبيك»، في بيروت أيضا. ويعدّ الفنان صابر الرباعي الوحيد من زملائه العرب الذي اختار لبنان ليكون ضيف حفلاته في أعياد رأس السنة، ويقدّم حفلاً غنائيًا في مطعم «أطلال بلازا)، يشاركه فيه كلّ من سعد رمضان وجويل.
وتطول لائحة السهرات لهذه المناسبة التي تغيب عنها هذه السنة كلّ من إليسا وهيفاء وهبي اللتين أعلنتا أنهما سيمضيانها بعيدًا عن المسرح، وفي أجواء يختارانها بنفسيهما. ومن بين الفنانين المشاركين في إحياء هذه المناسبة زياد برجي وناجي أسطا وأماندا، في منتجع «غولدن توليب»، في بلدة عاليه، وسعد رمضان وميرفا قمر وجو رعد، في «بلو إيفي»، في بلدة جعيتا (منطقة كسروان). أما محمد إسكندر وشاهناز، فسيوجدان في هذه الليلة في فندق «جيفينور روتانا» الذي سيكون له إطلالة ثانية في منتجع «لاريتاج» في منطقة عاليه.
وبعض الفنانين اللبنانيين، أمثال ميريام فارس ونانسي عجرم ومايا دياب، اختاروا الاحتفال في هذه المناسبة خارج لبنان. فتحيي الأولى حفلة في فندق «إنتركونتيننتال» الذي سيشهد أيضًا حفلة ثانية يشارك فيها فارس كرم، إلى جانب شيرين عبد الوهاب وماجد المهندس. في حين تقدّم الثانية حفلة ساهرة في فندق «بيتش روتانا»، وتغني الثالثة في منتجع «الحبتور غراند»؛ وجميع هذه الحفلات تجري في دولة الإمارات العربية. أما الفنانتين نوال الزغبي ويارا، فستوجدان في الأردن للاحتفال بليلة رأس السنة مع جمهورهما هناك، وذلك في فندقي «إنتركونتيننتال» و«لو رويال». ووحده المطرب وائل جسّار من بين زملائه المعروفين في لبنان سيحيي حفلة في هذه المناسبة في مصر (فندق ريكسوس).
وبعض اللبنانيين اختاروا مسارح من نوع الكوميدي نايت، للاحتفال مع أبطاله بهذه الليلة السعيدة، فيستقبلون العام الجديد مع ابتسامة عريضة يرسمها على شفاههم ممثلون كوميديون، أمثال فادي رعيدي وماريو باسيل وفادي شربل، في حين رأى البعض الآخر في مسرحي روميو لحود (كاريكاتور) وجورج خبّاز (كواليس)، المكان الأفضل لتمضية هذه المناسبة مع أفراد عائلتهم.
أما شاشات التلفزة المحليّة، فقد حضّرت برامج خاصة للمناسبة، تتضمن معظمها إطلالات لأشخاص معروفين بتوقّعاتهم لكلّ عام، أمثال ماغي فرح وميشال حايك وليلى عبد اللطيف. وليكمل اللبنانيون الذين قرّروا تمضية سهرتهم في استقبال العام الجديد في منازلهم بمعية برامج منوّعة تضمّ نجوم الشاشة الصغيرة، من إعلاميين وفنانين ووجوه اجتماعية معروفة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)