«حتى ما اشتقلك يوم» حملة توعوية للحد من الحوادث المرورية

أطلقتها وزارة الداخلية بالتزامن مع الأعياد

«حتى ما اشتقلك يوم» حملة توعوية للحد من الحوادث المرورية
TT

«حتى ما اشتقلك يوم» حملة توعوية للحد من الحوادث المرورية

«حتى ما اشتقلك يوم» حملة توعوية للحد من الحوادث المرورية

«حتى ما اشتقلك يوم» هو عنوان الحملة التوعوية التي أطلقتها وزارة الداخلية في لبنان للحدّ من الصدامات المرورية. وتأتي هذه الحملة التي نظّمتها أمانة سر المجلس الوطني للسلامة المرورية، لتحفّز بمضمونها المواطن اللبناني على تطبيق قوانين السير لا سيما خلال موسم الاحتفالات بالأعياد.
وتترافق هذه الحملة مع تدابير أمنية بحيث يتوزع نحو 1200 عنصر من قوى الأمن الداخلي على الطرقات، فيسهرون على راحة المواطنين ويوزعون لهم على الحواجز كافة التي سيشغلونها ليلتي الميلاد ورأس السنة، عشرين ألف حمالة مفاتيح وأساور يد تحمل شعار الحملة «حتى ما اشتقلك يوم»؛ لتذكيرهم بأن هناك من ينتظر عودتهم بالسلامة.
وتأتي هذه الحملة ضمن نشاطات متعددة قامت بها الجهة المنظّمة خلال العام الحالي، وتراوحت ما بين اتفاقيات تعاون مع جهات فرنسية وبريطانية وإنجاز مشروع «يو إن دي بي» لتعزيز سلامة النقل المدرسي، إضافة إلى إطلاق حملتين وطنيتين للسلامة المرورية طالتا منطقتي طرابلس وبعلبك.
وجرى إطلاق هذه الحملة خلال مؤتمر صحافي عقد في مبنى هيئة إدارة السير في بيروت، حضره مدير عام قوى الأمن الداخلي، اللواء إبراهيم بصبوص ممثلا وزير الداخلية نهاد المشنوق، ووزير السياحة ميشال فرعون، وأمين سر المجلس الوطني للسلامة المرورية دكتور رمزي سلامة، والمهندس مروان الحايك، رئيس مجلس إدارة شركة الخلوي «ألفا»، إضافة إلى حشد من أهل الصحافة والإعلام. كما حضر كل من الفنانين ناجي الأسطا وماغي بوغصن اللذين تطوعا للمشاركة في الفيلم التوعوي الخاص بالحملة من إنتاج شركة «إيغل فيلمز» مجانا، تحت إدارة المخرج فيليب أسمر الذي كان أيضا من بين الحضور.
وتشير آخر الإحصاءات لمنظمة الصحة العالمية إلى أن معدل عدد ضحايا حوادث السير في لبنان يبلغ عشرين قتيلا لكل مائة ألف نسمة، ما يوازي نحو السبعمائة قتيل سنويا، بينهم 83 طفلا يلاقون حتفهم أثناء تنقّلهم من وإلى مدارسهم.
ويعد التلهي على الأجهزة الذكية أثناء القيادة أحد الأسباب الرئيسية في تزايد نسبة حوادث السير في لبنان. وأشار المهندس مروان الحايك في الكلمة التي ألقاها خلال المؤتمر إلى أن «شركة (ألفا) تجد نفسها معنية بالتوعية من مخاطر هذا الاستخدام غير المسؤول للأجهزة الذكية؛ فالمطلوب من الجهة التي تشكل طرفا في المشكلة، أن تكون جزءا من حلولها؛ الأمر الذي تطلّب مشاركتنا في هذه الحملة». وأضاف: «جميع المؤشرات التي في حوزتنا تظهر أن المشترك اللبناني يستهلك غالبية وقته في استخدام الهاتف الذكي على تطبيقات التواصل الاجتماعي، صحيح أنه لا تتوافر لدينا أرقام دقيقة تظهر الوقت الذي يستغرقه المشترك في استخدام هذه التطبيقات أثناء القيادة، ولكننا ندرك جميعا أن غالبية السائقين يقومون بذلك». وأضاف «هذه الحقيقة تطلّبت منّا مسؤولية في مجال رفع الوعي حول ضرورة عدم تلهي المشترك، وبخاصة الجيل الشاب أثناء القيادة فإن عدد الرسائل القصيرة، تضاعف تقريبا العام الماضي يوم رأس السنة 2015 بالذات ليصل إلى 8 ملايين مقابل 4.9 مليون رسالة أجريت في اليوم الذي سبقه، و4.6 مليون رسالة في اليوم الذي تلاه؛ مما يؤكد مجددا أهمية وتضاعف مسؤولية التوعية على السلامة المرورية في هذه الليلة بالذات».
أما اللواء إبراهيم بصبوص فقال: «لقد أضحت حوادث المرور تشكل ثاني أسباب الوفيات في العالم (بعد الحروب طبعا)، ولبنان عانى ولا يزال من هذه الحوادث؛ إذ يكشف تقرير منظمة الصحة العالمية عن أن الوفيات في الحوادث المرورية تقارب 20 في المائة ألف من السكان، في حين تبلغ هذه النسبة في الدول المتقدمة 4 في المائة ألف».
ومن ثم عرض الفيلم الخاص بالحملة، وأدى الفنان ناجي الأسطا مقطعا من أغنيته «حتى ما اشتقلك يوم» التي استوحي منها شعار الحملة، ولتشير الممثلة ماغي بوغصن بأنها سعيدة بقيامها بهذا العمل التوعوي، الذي لن تتأخر عن تكراره هي والشركة المنتجة له دون تردد مرة جديدة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)