«سوق السلاح» في الضفة الغربية يقاوم حملات فلسطينية إسرائيلية متواصلة

أغلبه يأتي من إسرائيل وبعضه يجري تهريبه أو يصنع محليًا

عنصر أمني فلسطيني يستعرض أسلحة ضبطتها السلطات في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
عنصر أمني فلسطيني يستعرض أسلحة ضبطتها السلطات في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT
20

«سوق السلاح» في الضفة الغربية يقاوم حملات فلسطينية إسرائيلية متواصلة

عنصر أمني فلسطيني يستعرض أسلحة ضبطتها السلطات في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
عنصر أمني فلسطيني يستعرض أسلحة ضبطتها السلطات في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

التجارة الوحيدة التي لم تتوقف في الأراضي الفلسطينية منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، هي التجارة الأخطر التي تسببت، غالبا، في قتل أصحابها أو حرمانهم من عائلاتهم؛ هي تجارة السلاح التي أصبحت مستهدفة بشكل أكبر في السنتين الأخيرتين.
ويعني اقتناء أي قطعة سلاح في الضفة الغربية، اليوم، عدا السلاح الذي يشاهد في أيدي العناصر الأمنية الفلسطينية، أن صاحبه سيتعرض فورا لملاحقة مزدوجة: من قبل السلطة الفلسطينية التي تفترض أن أي سلاح «غير شرعي» هو سلاح للفلتان الأمني، وإسرائيل التي تفترض أن أي سلاح غير مسجل لديها، هو سلاح «مخربين»؛ أي إنه سلاح «مقاوم».
والحرب على الأسلحة في الضفة الغربية قديمة، بدأتها إسرائيل منذ الاحتلال، لكنها لم تنجح في أي وقت في السيطرة على «سوق السلاح».
وقد شنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حروبا كثيرة مصغرة على هذه السوق خلال السنتين الماضيتين، أي مع بدء الانتفاضة الأخيرة حين ظهرت أسلحة محلية الصنع، استخدمت في عمليات متعددة.
وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، أغلقت إسرائيل العشرات من «مخارط» الحديد، التي اشتبهت في أنها تصنع أسلحة أو تساعد في إصلاح أسلحة على الأقل.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، أنه ضبط أسفل أحد المنازل مصنعا لإنتاج الأسلحة والوسائل القتالية، يعد الأكبر في مناطق الضفة الغربية. وقال ناطق عسكري إسرائيلي إنه تم ضبط 15 مخرطة لإنتاج الأسلحة، بالإضافة إلى عدد كبير من البنادق من طراز «كارلو» من صنع محلي، وبنادق من طراز «إم 16»، وأجزاء لرشاشات ثقيلة، و70 سبطانة (ماسورة)، ومئات من مخازن الرصاص ومقابض الأسلحة.
ووفق تقديرات الجيش، فإن ما بين 10 أشخاص و15 شخصا عملوا في ورشة اعتقل صاحبها وابنه.
وأظهرت لقطات فيديو بثها الجيش الإسرائيلي كيف جرى العثور على أسلحة مصنعة وأخرى تحت التصنيع، وأدوات مختلفة، ورصاص جرت تخبئته داخل الجدران.
وقال الناطق الإسرائيلي أفيخاي أدرعي: «هذه الحملة تأتي في إطار الحرب المتواصلة ضد الأسلحة في الضفة، وجرى في إطارها ضبط 40 ورشة لتصنيع السلاح، وأكثر من 420 قطعة سلاح».
وتبدو هذه الأرقام متواضعة إلى حد ما مع الكميات التي ظهرت فجأة مع اندلاع الانتفاضة الثانية، حين فوجئ الإسرائيليون بظهور أسلحة خفيفة في يد كل من يريد إطلاق النار، وأسلحة ثقيلة، ومدافع هاون، استخدمت بكثافة في الاشتباكات بين مقاتلين والقوات الإسرائيلية في المدن. ولم تكن للسلطة الفلسطينية علاقة بهذه الأسلحة، حيث تسجل سلطات الاحتلال أرقام جميع الأسلحة التي بحوزة السلطة ومؤسساتها الأمنية أو الشرطية.
ويسمح للأجهزة الأمنية الفلسطينية عادة باقتناء الكلاشنيكوف فقط، بينما يحمل الجنود الإسرائيليون بندقية «إم 16». ويوجد في الضفة الغربية تجار أسلحة يبيعون النوعين، مع أنواع أخرى مختلفة، للفصائل الفلسطينية التي لطالما عملت على جمع السلاح وتكديسه، وكذلك للعائلات الكبيرة التي تفضل اقتناء بعض أنواع الأسلحة، إضافة إلى الأشخاص الذين يبحثون عن طرق حماية في هذا الوقت أو في المستقبل.
ومن المفارقات اللافتة أن معظم هذه الأسلحة يأتي من إسرائيل نفسها، التي تشن حملات لجمعها، بينما يجري تهريب بعضها الآخر من الخارج عن طريق البحر الميت من جهة الأردن. أما القسم الثالث، فهو مصنع في «مخارط» مدنية في مدن الضفة الغربية. وهذا النوع، الثالث، ازدهر في الانتفاضة الأخيرة، وأصبح مستهدفا من قبل السلطات الإسرائيلية أكثر من سواه.
وصادرت إسرائيل كثيرًا من بنادق «كارلو»، (المحلية)، التي يعتمد في تصميمها على بندقية «كارل غوستاف» عديمة الارتداد، ويصل سعرها إلى ألفي دولار. ويعد هذا السعر مرتفعا إذا ما جرت مقارنته بأسعار السلاح في وقت سابق. لكن الحملات المستمرة ضد التجار ومخارط التصنيع، أدت إلى ارتفاع أسعار الأسلحة. وهذا أحد أهداف الحملات الإسرائيلية الحالية. يقول الرائد ليرون فوكس، قائد وحدة الهندسة التابعة للواء «ناحل» في الجيش الإسرائيلي: «نأمل أن يؤدي ارتفاع أسعار الأسلحة إلى ضرب قطاع صناعة السلاح الفلسطيني».
وبلغ سعر البندقية محلية الصنع، في الآونة الأخيرة، ألفي دولار، بعدما كان 500 دولار فقط. أما السلاح الأكثر تطورا، فشهد ارتفاعا جنونيا.
وتشير الأرقام الفلسطينية والإسرائيلية، إلى ارتفاع سعر بندقية « M4»، التي كان ثمنها قبل أشهر 15 ألف دولار، إلى 22 ألف دولار، و« M16 » التي كان ثمنها 10 آلاف دولار، إلى 15 ألفا، والكلاشنيكوف الذي كان سعره 5 آلاف دولار، إلى 8 آلاف، كما شمل ذلك ارتفاعا في أسعار المسدسات بنحو ألفي دولار وأكثر لكل واحد حسب نوعه. ولم تمنع هذه الأسعار العالية كثيرا من طلاب الأسلحة من اقتنائها، على الرغم من الملاحقات الأمنية المزدوجة.
وترصد الفصائل الفلسطينية مبالغ مالية كبيرة من أجل شراء الأسلحة وتصنيعها. وتقتني العائلات الكبيرة مئات القطع من هذه الأسلحة التي تستخدم في الحماية.
وبعيدا عن السطوة الإسرائيلية المباشرة، وغياب سلطة قوية في الضفة الغربية، نجحت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في تطوير الأسلحة وصولا إلى صواريخ وطائرات من دون طيار. واستخدمت الفصائل هذه الأسلحة في حروب مختلفة مع إسرائيل.
وحذرت إسرائيل مرارا من أنها لن تسمح بنقل تجربة قطاع غزة إلى الضفة الغربية. ولطالما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مسألة التسلح عقبة أمام الانسحاب من الضفة الغربية. وأبلغ نتنياهو، على امتداد الأعوام الماضية، كثيرا من محدثيه بأنه لن يكرر تجربة قطاع غزة، لأنه لن يسمح بأن تطلق الصواريخ تجاه إسرائيل من طولكرم وجنين بدلا من غزة.



الحوثيون يصدمون المجتمع اليمني بمنع تعليم اللغة الإنجليزية

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون يصدمون المجتمع اليمني بمنع تعليم اللغة الإنجليزية

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)

بينما يواصل مسؤولون يمنيون ونشطاء وخبراء تحذير أولياء الأمور في مناطق سيطرة الحوثيين من إلحاق أبنائهم بالمعسكرات الصيفية للتدريب على القتال، صُدم المجتمع بقرار الجماعة منع تعليم اللغة الإنجليزية في الصفوف الدراسية الأولى.

ونصّ التعميم الذي وزعته الجماعة على مكاتب التربية والتعليم في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة على وقف تعليم مادة اللغة الإنجليزية في الصفوف من الأول إلى الثالث الأساسي بجميع المدارس الحكومية والخاصة، ابتداءً من العام الدراسي المقبل، وأمر بتكثيف تعليم اللغة العربية والتفسير الحوثي للقرآن الكريم حصراً.

القرار، وهو الأول من نوعه في تاريخ البلاد، كان محل رفض وتنديد من قبل مستويات اجتماعية وتوجهات مختلفة، بمن فيهم نشطاء مؤيدون للحوثيين.

ورفض «مرصد ألف لحماية التعليم» هذا القرار ورأى فيه انتكاسة خطيرة في مسار تطوير التعليم، ووصفه بأنه تراجع خطير عن مكتسبات التعليم، وانحراف عن المعايير التربوية الحديثة التي تعتمد على التأسيس المبكر للغات، باعتبارها من الركائز الأساسية لبناء شخصية الطالب وتمكينه من أدوات المستقبل.

صورة ضوئية لتعميم الحوثيين بمنع تعليم الإنجليزية
صورة ضوئية لتعميم الحوثيين بمنع تعليم الإنجليزية

وأكد المرصد، في بيانه، أن اللغة الإنجليزية لم تعد مادة ترفيهية أو اختيارية، بل أصبحت أداة أساسية للتواصل والمعرفة والانفتاح على العلوم الحديثة، خاصة في سياق عالمي متسارع يعتمد بشكل متزايد على التعليم متعدد اللغات في مراحله الأولى.

وأضاف أن حرمان أطفال اليمن من هذا الحق يمثل «تمييزاً تربوياً وجريمة» في حق جيل كامل يُفترض أن يكون أكثر استعداداً للمستقبل وأقدر على المنافسة والاندماج.

وحذر المرصد، الذي يُعنى بمراقبة تطور العملية التعليمية وحماية حقوق الطلاب، من أن الخطوة التي اتخذها الحوثيون ستعمّق من عزلة النظام التعليمي في مناطق سيطرتهم، وتزيد من الفجوة بينه وبين المعايير الإقليمية والدولية، ما سيؤدي إلى آثار بعيدة المدى على جودة التعليم ومخرجاته وفرص الطلاب في التعليم العالي وسوق العمل.

وطالب بمراجعة هذا القرار فوراً، ونبّه إلى ضرورة إشراك المختصين والخبراء في أي عملية تطوير أو تعديل للمناهج الدراسية، بعيداً عن الأجندات الآيديولوجية والسياسية التي تُقحم في مسار التعليم وتضر بمستقبل الأجيال.

استهداف ممنهج

انتقد عبده بشر، وهو عضو مجلس النواب في صنعاء، قرار الحوثيين، وخاطب وزير التعليم الحوثي وقال إنه ليس من حقه إلغاء تعليم اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات. وأكد أن مستوى التعليم متدنٍّ، ولكن ليس بسبب تعلم اللغة الإنجليزية، وإنما بسبب الاستهداف الممنهج من قبل الجماعة للعلم والمعلم، وقطع المرتبات، وعدم قدرة ولي الأمر على توفير لقمة العيش لأبنائه، وبسبب العبث والاستهتار وتسييس التعليم.

الموقف ذاته سجله الناشط نايف عوض، الذي يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، وقال إن السكان هناك، منذ سبع سنوات، ينتظرون متى تجد الجماعة حلاً لمشكلة انقطاع مرتبات المدرسين، وإنهم يناشدونها توفير المنهج المدرسي، وإلغاء الرسوم المفروضة على الطلاب، ويطالبون بتوضيحات عن صندوق المعلم وأين مصير الجبايات التي تُؤخذ باسمه، ولم يطلبوا من الوزارة إلغاء تعليم اللغة الإنجليزية كما جاء في مبررات القرار.

الحوثيون قطعوا مرتبات المعلمين وكثفوا من تجنيد طلاب المدارس (إعلام محلي)
الحوثيون قطعوا مرتبات المعلمين وكثفوا من تجنيد طلاب المدارس (إعلام محلي)

من جهته وصف القيادي في حزب «المؤتمر الشعبي» زيد الذاري القرار بالمتخلّف، وقال إن مبرراته فارغة، وإنه يعكس طبيعة العقلية الجامدة التي تعيشها الجماعة وتنحصر في إطارها بعيداً عن بقية اليمنيين وحاضرهم ومستقبلهم.

أما المحامية والناشطة الحقوقية المعروفة هدى الصراري فنبهت بدورها إلى أن مجموعة التوجيهات التي أصدرتها الجماعة الحوثية ستؤثر بشكل مباشر على العملية التعليمية ومحتوى المناهج الدراسية في مناطق سيطرة الانقلاب، وخصوصاً في المراحل الأساسية المبكرة، من خلال تقويض التعليم الحديث والشامل، واستبعاد مواد كالعلوم والرياضيات والإنجليزية، وهو ما يعني حرمان الأطفال من المهارات الأساسية في التفكير النقدي والمنطقي، والقدرة على مواكبة العصر.

عزل الطلبة

وفق ما أكدته هدى الصراري، فإن القرار الحوثي سيؤدي إلى عزل طلاب تلك المناطق من اليمن عن العالم، ويضعف فرصهم في التعليم الجامعي والعمل مستقبلاً.

وانتقدت الصراري «تسييس التعليم وتطييفه»، وقالت إن حصر الدراسة على المواد في اللغة العربية والقرآن الكريم «يعكس توجهاً آيديولوجياً هدفه غسل أدمغة الأطفال وتوجيه التعليم لخدمة أجندة مذهبية وطائفية». وحذّرت من تدمير البنية المعرفية للأجيال القادمة؛ لأن الخطوة ستخلق أجيالاً غير قادرة على الإبداع أو التنافس أو الانفتاح على العلوم والمعارف، وفق تعبيرها.

ويشارك الصراري في هذا الموقف كثير من الناشطين الذين رأوا في القرار خطراً وجودياً على التعليم، واتهموا الحوثيين بالسعي من خلاله إلى فرض آيديولوجيا خاصة على المناهج، وتفريغ التعليم من محتواه العلمي والإنساني لصالح التعبئة الدينية والمذهبية. وهذا في تقديرهم تهديد لمستقبل البلاد العلمي والثقافي والاجتماعي.

انقلابيو اليمن حولوا المدارس إلى معسكرات للتعبئة الطائفية (إعلام محلي)
انقلابيو اليمن حولوا المدارس إلى معسكرات للتعبئة الطائفية (إعلام محلي)

وفي السياق نفسه، بينت الأستاذة في جامعة زيوريخ، إلهام مانع، أن القرار الصادر عن سلطة الحوثيين هدفه إعادة هيكلة المناهج الدراسية للصفوف من الأول إلى الثالث، ويعكس جهداً أوسع نطاقاً من قبل الحوثيين لإعادة تشكيل النظام التعليمي بما يتماشى مع نظرتهم الدينية والسياسية للعالم.

وأكدت مانع أن الخطوة الحوثية ترسخ مناهج التربية الإسلامية للتركيز على حفظ القرآن والأحاديث النبوية والمضمون الفقهي وفق مذهب الحوثيين، ومواجهة ما سُمي بـ«التأثير الثقافي الأجنبي».

وأشارت الأكاديمية اليمنية إلى أن القرار طلب من جميع الكوادر التعليمية الالتزام بالقرار «وبنبرة آيديولوجية» واضحة تعكس محاولة الحوثيين إعادة تشكيل التعليم بما يتماشى مع معتقداتهم.