«كاش باشا» محطة إلكترونية تتغلب على 2700 شركة في مسابقة دولية

تقدم حلولاً عملية لمتبضعي الإنترنت الذين لا يملكون بطاقات ائتمان

TT

«كاش باشا» محطة إلكترونية تتغلب على 2700 شركة في مسابقة دولية

خرج فؤاد جريس، أو «الباشا» كما يطلق عليه أصدقاؤه، على خشبة المسرح في إسطنبول مرتديا طربوشا أحمر، مفعما بالحيوية والثقة، أمام مئات الخبراء ورجال الأعمال من كبرى الشركات، ليقدم موجزا عن شركته الناشئة «كاش باشا» التي استطاعت خلال فترة وجيزة أن تصبح لاعبا قويا في سوق التجارة الإلكترونية المقدر قيمتها بثمانية مليار دولار سنويا في المنطقة العربية.
كان أمام «الباشا» ثلاث دقائق لشرح ما يميز شركته، ويقنع المستثمرين وخبراء الأعمال من أعتى الشركات الدولية حول جدوى مشروعه الواعد. وبالفعل مع انتهاء المسابقة وحصر اللائحة النهائية للمتسابقين، تمكنت «كاش باشا» من التغلب على أكثر من 2700 شركة من أميركا وأوروبا وآسيا وأفريقيا والفوز بالمركز الأول.
كما حازت الفكرة على إعجاب لجنة التحكيم لما تقدمه من حلول عملية لتبسيط التبضع عبر الإنترنت في الدول النامية، لتنهال العروض على جريس من شركات دولية وعربية عدة للمساهمة في مشروعه الذي لم يتجاوز عمره السنوات الثلاث. حتى أن شركة في دبي عرضت شراء «كاش باشا» بعد النجاح السريع الذي حققته، إلا أن العرض قوبل بالرفض، كما قال فراس في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، لإيمانهم بأن مشروعهم لم يكتمل بعد وأنه ما زال في طور النمو.
«المشكلات التي نحلها موجودة في معظم الدول النامية، حيث إن الكثير من الناس لا يملكون حسابات بنكية أو بطاقات ائتمان معتمدة» بحسب جريس، الذي أكد أن الشركات الدولية لا تقبل غالبية بطاقات الائتمان الصادرة من كثير الدول النامية بسبب حجم الفساد والتزوير.
فكرة «كاش باشا» بسيطة، لكنها تحل مشكلة معقدة عبر تقديم حلول عملية لمعضلة تواجه الكثير من متبضعي الإنترنت من العالم الثالث الذين لا يملكون بطاقات ائتمان.
توفر المنصة فرصة التسوق عبر الإنترنت لأي شخص في الأردن أو السعودية، حيث يوفر الموقع بديلا بالدفع النقدي بعد أن يكون قد تم حساب القيمة الإجمالية لاستيراد أي سلعة من السوق العالمية، بما في ذلك أجور الجمارك والتوصيل.
«نحن شركة تقنية تقدم حلولا لتمكين أي شخص من التبضع عن طريق الإنترنت بسهولة دون معاناة مع الجمارك وخدمات التوصيل» كما يقول جريس.
تنشط «كاش باشا» حاليا في مختلف مدن الأردن، إضافة إلى المدن الرئيسية في المملكة العربية السعودية، كما تقوم الإدارة حاليا بدراسة التوسع نحو أسواق جديدة، خاصة باكستان وليبيا ومختلف دول الخليج العربي.
ويقول جريس إن فكرة الشركة بدأت عندما أدرك أن 80 في المائة من حجم المشتريات على الإنترنت، يكون مصدرها دولا أجنبية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا. ومن هنا خرج السؤال كيف يمكن ربط هذه الشركات مع المستهلك العربي، دون تكاليف إضافية.
وبالفعل قام جريس وشريكه بتطوير برنامج حاسوبي شامل بعد أن أمضى فترة يتدرب في دائرة الجمارك الأردنية حول كيفية احتساب الضرائب على مختلف البضائع، ومن ثم تم ربط شركات التوصيل وشركات التحصيل المالي عبر برنامج «خوارزمي» قام هو وشريكه بتصميمه، لتصبح جميع خطوات العملية أوتوماتيكية، وهو سر النجاح لموقع «كاش باشا». وتأتي قصة نجاح الموقع مثالا على سعي الأردن لتحويل عمان إلى مركز إقليمي لاستقطاب الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، بعد سنوات من الصفقة التاريخية بين موقع «مكتوب» مع العملاق الأميركي «ياهو»، التي أرست جذور التجربة الناجحة للاستثمار في هذا المجال.
إلا أن درب هذا الاستثمار لم تكن مفروشة بالورد، بسبب بطء المؤسسة الرسمية في التعامل مع مستجدات التقنية العالمية من قوانين ناظمة.
ويحاول جريس تأسيس اسم لشركته في منطقة ما زالت تحبو في مجال التجارة الإلكترونية، وما زالت الثقة بعملية التبضع الرقمي أقل من ما هي عليه في الغرب.
وفي هذه الأثناء، تقوم «كاش باشا» بتقديم خيارات لمن يريد إعادة البضاعة إما بشراء سلعة أخرى أو إعادتها ناقصا ثمن الشحن، كما يؤكد جريس، منوها أن الكثير من الزبائن يستغلون هذه السياسة، إلا أن الشركة مصرة على نهجها لإرضاء المتبضعين وكسب ثقتهم على المدى الطويل: «حتى لو أدى ذلك إلى خسارة مادية في بعض الأحيان» كما يقول جريس.
«نسبة من يشتري عبر موقعنا ويعود مرة أخرى للتبضع تبلغ 60 في المائة، وهو رقم يعتبر مرتفعا جدا، وكان من أهم الأسباب وراء فوزنا بالجائزة الدولية في إسطنبول».
عند ولادة «كاش باشا» عام 2013 كان جريس برفقة شريك واحد ضمن الفريق الذي أسس الموقع، إلا أنه الآن يوظف 8 أشخاص، وقد عقد اتفاقية شراكة مع «أرامكس» وشركة استثمار أميركية مشهورة في مجال المشروعات النامية تدعى «500 ستارتابس».
تقوم «كاش باشا» الآن بمعالجة 8000 طلب على الإنترنت شهريا، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم خلال المرحلة المقبلة مع توقع نموها في عدد من الدول النامية التي تعاني مشكلات مشابهة بما يخص اعتماد البطاقات البنكية والحسابات. إلا أن هذا النجاح لم يأت بسهولة، بل تخلله إحباطات وآلام وتحديات قانونية ومالية جمة، كما يؤكد جريس. ويضيف أن على المرء الثقة بنفسه والمثابرة على عمله على الرغم من الصعوبات وتكرارها؛ فالنجاح هو الأرجح إن وجدت القدرات المهنية والاحترافية في العمل. إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن شعاره الدائم هو «لا يوجد فشل سوى الاستسلام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».