توتر أميركي ـ روسي حول «قرصنة الانتخابات»... وتحذيرات من حرب باردة جديدة

أوروبا تمدد العقوبات ضد روسيا... وترامب يفكر في رفعها

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال تجمع جماهيري في بنسلفانيا لتقديم شكره للذين صوتوا له في الانتخابات التي اتهمت روسيا بقرصنتها (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال تجمع جماهيري في بنسلفانيا لتقديم شكره للذين صوتوا له في الانتخابات التي اتهمت روسيا بقرصنتها (أ.ف.ب)
TT

توتر أميركي ـ روسي حول «قرصنة الانتخابات»... وتحذيرات من حرب باردة جديدة

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال تجمع جماهيري في بنسلفانيا لتقديم شكره للذين صوتوا له في الانتخابات التي اتهمت روسيا بقرصنتها (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال تجمع جماهيري في بنسلفانيا لتقديم شكره للذين صوتوا له في الانتخابات التي اتهمت روسيا بقرصنتها (أ.ف.ب)

بدت ملامح توتر أميركي - روسي جديد تلوح في الأفق على خلفية تزايد التقارير الاستخباراتية حول قرصنة روسيا للانتخابات الرئاسية الأميركية، مع تعهد الرئيس أوباما برد انتقامي قوي ضد روسيا، وإجراء تحقيقات موسعة، إضافة إلى انتقادات لاذعة من جانب المشرعين الأميركيين، ورغبة جامحة تجتاح الكونغرس بالضغط على روسيا لدفع ثمن غال بسبب تدخلاتها ومحاولتها تقويض الديمقراطية الأميركية بسلسلة من الانتهاكات السيبرانية.
ونفى الكرملين الروسي أي تدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح ترامب؛ إذ قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ردا على تهديدات أوباما، إنه لا يوحد دليل رسمي لما تدعيه واشنطن من تدخل روسي للعبث بالانتخابات، داعيا الإدارة الأميركية إلى الكف عن الإدلاء بأي مزاعم حول هجمات إلكترونية روسية أو تقديم براهينها بهذا الشأن.
ورد يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، على تصريحات البيت الأبيض بأن أوباما حذر بوتين حول التدخل الروسي في الانتخابات بقوله إن «الرئيس الروسي رد بشكل واضح على الرئيس الأميركي، وتطرق الحديث بينهما على هامش قمة دول العشرين بالصين في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى هذه القضية، حيث أوضح الرئيس بوتين لأوباما بشكل واضح أن الادعاءات الأميركية لا تتماشي مع الواقع».
ويتصاعد الغضب لدى الحزب الجمهوري الذي يملك تاريخا متشددا ضد موسكو، ويعتبر الانتصار على الاتحاد السوفياتي السابق أحد أبرز إنجازاته. فيما تتزايد دعوات الحزبين الديمقراطي والجمهوري للتحقيق في الأنشطة الروسية حتى تدفع روسيا ثمنا باهظا لتلك الانتهاكات السيرانية.
ويأتي ذلك في تناقض واضح مع تصريحات أعلنها الرئيس المنتخب دونالد ترامب للتقارب مع روسيا، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كما يشعل العلاقات الباردة والهدنة المضطربة بين البيت الأبيض والرئيس المنتخب بعد تبادل اتهامات بين الجانبين.
وفي وسط هذه الأجواء المتوترة يحذر محللون من حرب باردة جديدة بين واشنطن وموسكو، وتحد كبير لإدارة ترامب المقبلة في علاقاتها مع الحزب الجمهوري، ومدى توافق اتجاهات وآراء ترامب مع توجهات ومواقف الحزب الجمهوري؛ إذ يقف ترامب على خلاف مع تقييمات وكالات الاستخبارات وانتقادات المشرعين، مشيرا إلى أنه لا يوجد دليل على قيام روسيا باختراق الانتخابات، متشككا في أسباب انتظار الإدارة الأميركية مدة طويلة في الكشف عن هذا التدخل السيبراني.
وليس واضحا كيف ستكون سياسة إدارة ترامب المقبلة في تعاملاتها مع روسيا، وهل سيسعى ترامب إلى إقامة صلات أكثر دفئا وقربا مع موسكو والرئيس بوتين، الذي تحدث عنه بإعجاب خلال الحملة الانتخابية. وما إذا كانت إدارة ترامب ستتجه نحو رفع العقوبات التي فرضها الرئيس أوباما على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم. إضافة إلى ترشيح ترامب لريكس تيلرسون في منصب وزير الخارجية الذي يملك صداقة شخصية مع الرئيس بوتين، ويعارض فرض عقوبات على روسيا.
ويشير محللون إلى أن الحزب الجمهوري يقف على شفا حرب باردة جديدة حول التعامل مع روسيا. وبهذا الخصوص يقول مايكل أوهانلون، خبير السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز «المشرعون سواء الجمهوريون أو الديمقراطيون يضغطون لفرض عقوبات تستهدف موسكو ضد رغبة ترامب الذي من المرجح ألا يكون متحمسا حول فرض عقوبات جديدة، بل يريد رفع العقوبات القديمة»، وأضاف موضحا أن «هناك بالفعل توترا داخل الحزب الجمهوري بشأن التعامل مع روسيا، ليس فقط بسبب التدخلات السيبرانية لكن أيضا بسبب دور روسيا في العراق وسوريا»، ولمح أوهانلون إلى حرب بادرة جديدة قد تشتعل بوادرها بين الجانبين.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا بعد قيامها بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، وتحت طائلة تلك العقوبات تم تجميد أصول أكثر من 150 شخصا من المشاركين في عملية ضم القرم وتقييد السفر، إضافة إلى فرض قيود على قطاعات استراتيجية في الاقتصاد الروسي، مثل البنوك وشركات الطاقة ومقاولي الدفاع.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، قرار الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا لمدة عام، مشيرا إلى أن المقترحات الأولية كانت تمديد العقوبات لمدة ستة أشهر، لكن بعض الدول فضلت تمديدها لمدة 12 شهرا.
وكان عضو الكونغرس السابق، جاك كينغستون، أحد كبار مستشاري دونالد ترامب خلال حملته الرئاسية قد عقد اجتماعا مغلقا مع ممثلين من نخبة رجال الأعمال الأميركيين أشار فيها إلى أن العقوبات على روسيا قد ترفع في وقت قريب، وقال إن «ترامب يمكن أن ينظر في العقوبات التي استمرت لفترة طويلة بما يكفي، ولم يتم التوصل إلى النتيجة المرجوة». وأشار كينغستون إلى أن دونالد ترامب «عندما يصبح رئيسا سيكون قادرا على إعادة النظر في سياسة العقوبات تجاه روسيا، ولن يلتزم بالسياسة الخارجية لسلفه أوباما، بل سيبدأ بداية جديدة».
وفيما تهرب برينس بريناس، كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة ترامب المقبلة، من تأكيد أو نفي سعى ترامب لرفع العقوبات ضد روسيا، أشار في تصريحات لشبكة MSNBC إلى أنه غير مستعد لتوضيح سياسات ترامب الخارجية، وأنه يجب الانتظار حتى مجيء الإدارة الجديدة، وقال في هذا السياق «ما قاله ترامب هو أن العقوبات غير فاعلة، والسبب أنها لا تطبق، ووجهة نظره هو لماذا نذهب إلى فرض عقوبات رغم أنها ليست فاعلة؟».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟