حكومة الحريري.. إلى «الثلث المعطّل» در؟!

تأخير تشكيلها عنوانه توزيع الحقائب ومضمونه الإمساك بقرارها

رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري مستقبلاً سفير البرتغال لدى لبنان أمس في العاصمة اللبنانية بيروت (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري مستقبلاً سفير البرتغال لدى لبنان أمس في العاصمة اللبنانية بيروت (دالاتي ونهرا)
TT

حكومة الحريري.. إلى «الثلث المعطّل» در؟!

رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري مستقبلاً سفير البرتغال لدى لبنان أمس في العاصمة اللبنانية بيروت (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري مستقبلاً سفير البرتغال لدى لبنان أمس في العاصمة اللبنانية بيروت (دالاتي ونهرا)

انقضت 5 أسابيع على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة - التي ستكون حكومة العهد الأولى - من دون أن يحقق اختراقًا يؤدي إلى ولادتها. غير أن هذا الواقع في رأي كثيرين لا يعني بالضرورة بلوغ حافّة الخطر، ذلك أن هذه المدّة لا تزال ضمن السقف الزمني المقبول للمشاورات والاتصالات التي يجريها الرئيس المكلف مع القوى والكتل السياسية توصلاً إلى صيغة ترضي الجميع، لا سيما إذا ما قورنت بحال حكومات سابقة استغرق تشكيلها أكثر من 10 أشهر، مثل حكومة تصريف الأعمال برئاسة تمام سلام.
مع هذا، فإن مرور 36 يومًا على التكليف من دون أن تلوح في الأفق مؤشرات تفاؤلية، يعني أن الحريري بدأ يستنفد الوقت المستقطع للتأليف، لأن حكومته محكومة بعاملين أساسيين: الأول أنها الحكومة الأولى لعهد الرئيس الجديد ميشال عون، المفترض أن يبدأ بزخم قوي، كما يرغب الأخير، لإحداث صدمة إيجابية والذهاب فورًا إلى معالجة التهرؤ الذي ينخر جسد المؤسسات الدستورية والإدارات العامة. والثاني أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرًا لا يتعدّى الخمسة أشهر، وهي تواجه تحدّي إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية، وإجراء هذا الاستحقاق في موعده المقرر في شهر مايو (أيار) المقبل، من دون أي تأجيل سياسي أو تقني، إذا ما صدقت نيات القوى السياسية التي تحذّر كلّها من هذا التأجيل تحت أي ظرف.
* معوقات التأليف
لقد أظهرت معطيات الأسابيع الخمسة الماضية، أن معوقات التأليف لا تقف عند عتبة الصراع على الحقائب والأحجام والأوزان داخل الحكومة العتيدة، بقدر ما تتصل بالصراع على القضايا الاستراتيجية والإمساك بالقرار السياسي في البلد، وذلك يشمل الحسابات المرتبطة بالتحالفات الجديدة بعد انفراط عقدي فريقي «8» و«14»، وتخوّف ما يسمى «حزب الله» من بناء حلف جديد يجمع عون والحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وقلق محور طهران - دمشق من عودة الحضور السعودي والخليجي بقوة إلى لبنان، ما جعله يتقدّم على دوره، وليس أدلّ على ذلك من موقف رئيس الجمهورية الذي أكد أن أول زيارة خارجية له ستكون إلى المملكة العربية السعودية.
كلّ هذه الأسباب لم تقنع وزير التنمية الإدارية في حكومة تصريف الأعمال نبيل دو فريج، الذي قال: «لا أفهم لماذا التأخير في تشكيل حكومة.. عمرها لن يتعدّى الخمسة أشهر، علمًا بأن الحكومة لن يكون بمقدورها اتخاذ قرارات قبل 3 أشهر من الانتخابات المزمع إجراؤها في شهر مايو المقبل». وتخوّف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من أن يكون التأخير «مقدمة لتأجيل الانتخابات النيابية، التي يؤكد الجميع رفض تأجيلها لأي سبب».
ولا يبدو دو فريج (من تيار «المستقبل») مقتنعًا بأن العقد مرتبطة بالصراع على الحقائب. ويسأل: «لماذا الإصرار على حقائب معينة، لن تدوم إلا أشهرًا قليلة؟»، متوقعًا وجود «أسباب سياسية وراء المماطلة». وذكّر بأن «رئيس الجمهورية (عون) أول المتضررين من عدم تأليف الحكومة، الذي لا يمكن لعهده أن يبدأ بلا حكومة». ويرى دو فريج أن «الضرر الذي يصيب الرئيس المكلّف (سعد الحريري) أقل من الذي يصيب العهد الجديد ورئيسه»، متحدثًا عن «أجواء إيجابية تكونت في الساعات الأخيرة، خصوصًا بعد لقاء الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار (المردة) سليمان فرنجية، وانفراجات قد تترجم بين يوم وآخر».
ومع إغراق اللبنانيين بمزاعم تمسّك هذا الفريق بحقيبة سيادية، وتمسّك فريق آخر بحقائب خدماتية، تشير مصادر مناوئة لما يسمى «حزب الله» إلى أن الحزب «الذي يمسك بالأرض عسكريًا وأمنيًا، عازم على الإمساك بالبلد سياسيًا».
* حسابات محور طهران
هذه الفرضية أيدها المحلل السياسي الدكتور توفيق الهندي، الذي ربط أي حلّ للأزمة اللبنانية بموازين القوى المحلية والإقليمية. وأكد الهندي لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي شيء يخرج عن موازين القوى لن يمشي.. و(حزب الله) يبقى اللاعب القوي في المعادلة الداخلية، ولا شكّ في أنه بعد سيطرته مع النظام السوري على حلب، سيصبح الأقوى، وهذا كلّه سيصرف في الداخل».
ومع تقليله من حجم التشاؤم أو الخوف من فراغ حكومي طويل، توقّع الهندي أن «يقبل الرئيس عون بحكومة تشكّل بشروط (حزب الله)»، لافتًا إلى أن الحزب الذي «يمسك حاليًا بالأرض عسكريًا وأمنيًا، يريد الإمساك بمؤسسات الدولة سياسيًا». وقال: «لا شكّ في أن (حزب الله) قوي سياسيًا من خلال الإمساك بالسلطة التشريعية عبر الرئيس نبيه برّي الذي يقبل بهذا القانون ويرفض ذاك، كما أن المراسيم التي تصدر عن الحكومة ستكون مقيدة بتوقيع وزير المال الذي هو من حصّة برّي». وتابع الهندي أن ما يسمى «حزب الله» كان قادرًا على تعطيل الحكومة، لكنه لا يستطيع إقالتها، و«بات الآن مصرًا على حكومة من 30 وزيرًا، تكون حصّته وحصّة حلفائه فيها 11 وزيرًا، وعندها يصبح قادرًا على الإطاحة بالحكومة»، موضحًا أن «كل هذه الأسباب ما زالت تقيّد حركة الرئيس المكلّف سعد الحريري، وتؤخر ولادة حكومة العهد الأولى».
ولم تختلف قراءة توفيق الهندي عن مقاربة الكاتب الدكتور رضوان السيّد، وإن تباينا في التوصيف؛ إذ قال السيدّ لـ«الشرق الأوسط»، إن «فريق (حزب الله)، وكما يقال أخيرًا، يريد تكبير الحكومة من 24 وزيرا إلى 30، من أجل توزير حلفائه الذين لا يتمتعون بتمثيل سياسي ونيابي وازن، وبحصص أكبر من أحجامهم». أما عن مسألة الثلث المعطل والإمساك بورقة تطيير الحكومة، فأوضح رضوان السيد أن ما يسمى «حزب الله» تجاوز مرحلة إسقاط الحكومة من داخلها، لأنه بات قادرًا على إسقاطها بالتهديد العسكري.. «فهم (الحزب) باتوا يعتقدون أن لديهم ما يكفي من السيطرة والنفوذ، ولا يحتاجون إلى ضمانات داخل مجلس الوزراء». وعدّ أن الحزب «قادر على تعطيل الحكومة من داخلها، ويكفي أن يغيب وزراؤه ووزراء حركة (أمل) فتتعطل كل الجلسات».
* المؤثرات السورية
كانت الكتل النيابية اللبنانية بكاملها، باستثناء ما يسمّى «حزب الله»، سمّت رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة يومي 2 و3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وشرع الأخير بالاتصالات مع القيادات السياسية، وعمت أجواء تفاؤلية عن ولادة الحكومة قبل يوم الاستقلال في 22 نوفمبر الماضي، إلا أن عقدًا كثيرة برزت، ظاهرها الخلاف على الحقائب الخدماتية، وباطنها مسائل سياسية تتعدّى الحكومة وأهميتها.
ولم يعد خافيًا على أحد أن التطورات الميدانية في سوريا، خصوصًا معركة حلب، ألقت بظلالها على لبنان، وملف الحكومة، وقد عبّر الوزير دو فريج عن تخوفه من أن يكون «تأخير الحكومة سببًا لاستهداف اتفاق الطائف، خصوصًا أن من يناصب العداء لـ(الطائف) يعد أن المشكلات السياسية التي يعاني منها لبنان، من تعثّر تأليف الحكومات إلى معضلة انتخاب رئيس الجمهورية، سببها اتفاق الطائف». لكنه ذكّر بأن الرئيس عون «أقسم على حماية الدستور؛ أي حماية (الطائف)، وتعهّد بتطبيق ما لم يطبّق منه». ولا يستبعد وزير التنمية الإدارية وجود «عامل خارجي وراء تأخير تشكيل الحكومة»، لافتًا إلى أن «التطورات التي تشهدها حلب، وتصريح بشار الأسد الأخير الذي وصف سياسة النأي بالنفس في لبنان بـ(اللاسياسة)، يعني أن النظام السوري بات قادرًا على لعب دور معرقل في لبنان، وهو يسعى إلى عدم تفرّد لبنان بقراراته السيادية بمعزل عن إرادة المحور السوري - الإيراني». ورأى أن كلام الأسد «يتعارض مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية الذي شدد على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، وحمايته من الحرائق المشتعلة في محيطه».
من ناحية ثانية، وفق الدكتور الهندي، عزز انفتاح عون على كل القوى الداخلية، والدول المؤثرة في لبنان، هواجس حلفائه السابقين الذين تخوفوا من انفكاك أواصر هذه العلاقة المستمرّة منذ 11 سنة. وتابع الهندي: «(حزب الله) بات متوجسًا من توجّه الرئيس ميشال عون إلى ما يشبه التحالف الكامل مع حزب (القوات اللبنانية) وتيار (المستقبل)»، لافتًا إلى أن الحزب «منزعج جدًا من تضخيم حصة (القوات) في الحكومة عبر منحها 4 وزراء، في حين لم يأخذ عون بعين الاعتبار مطالب حلفاء الحزب، ومنهم الوزير سليمان فرنجية والحزب السوري القومي الاجتماعي وسنّة فريق (الثامن من آذار)، وكل هذه المسائل مجتمعة أقلقت (حزب الله) من سياسة عون».
* غير المستعجلين
من ناحية أخرى، رغم التحديات التي يواجهها لبنان، اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، وحاجة الجيش والأجهزة الأمنية إلى حكومة تواكب المهام الأمنية والعسكرية في التصدي للخطر الإرهابي، فإن بعض القوى لا تبدو متعجلة ومستعدة لتسهيل ولادة الحكومة. وهنا عزا رضوان السيد التأخير إلى «محاولة فرملة انطلاقة عهد رئيس الجمهورية عبر عرقلة الحكومة». ورأى أن «كثرة الوفود السورية إلى قصر بعبدا محاولة لإعطاء انطباع بأن نفوذ النظام السوري عاد بقوة إلى الساحة اللبنانية، والاطمئنان إلى أن التحالف السابق مع الرئيس عون لا يزال قائمًا». ولفت إلى أن «هذا المحور يحاول إعطاء إشارات للرئيس سعد الحريري بأنه لا يستطيع تأليف الحكومة ولن يستطيع تحسين علاقات لبنان مع المملكة العربية السعودية». وأضاف السيد: «برأيي؛ العرقلة ليست لأجل العرقلة فحسب، بل من أجل فرض القرار السياسي والقول إنه من دون (حزب الله) وبشار الأسد والإيرانيين لا يمكن أن تتشكل حكومة في لبنان»، مشددًا على أن ما يسمى «حزب الله» يسعى إلى «تثبيت القرار الداخلي بيده، والقرار الإقليمي بيد الأسد وإيران».
وبالتزامن مع عرقلة الحكومة وانطلاقة العهد الجديد، «لا يكف المحور السوري - الإيراني عن التشويش على الدور السعودي والخليجي العائد بقوة إلى لبنان، لكن ذلك لن يجد ترجمة له على أرض الواقع»، بحسب رضوان السيد، الذي شدد على أنه «لا مدخل للنهوض بالوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، إلا باستمرار الانفتاح اللبناني على المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. ولذلك، فإن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يدركان أن إنقاذ لبنان من هذا التخبّط لا يكون إلا ببناء علاقات وثيقة مع المملكة وكل الدول الشقيقة الحريصة على بقاء لبنان جزءًا من محيطه وهويته العربية».
* تموضع عون
ويتعدّى الخلاف حول الحكومة إطار الحسابات الرقمية والحقائب النوعية، ويذهب إلى حدّ السعي إلى تجلية الملابسات التي أحاطت بالهجوم على عون وفريقه السياسي، والتثبت من خلفيات ما بعد هذا الهجوم. ويقول توفيق الهندي، إن «تموضع عون رئيسا للجمهورية لم يكن بنظر (حزب الله) تموضعًا وسطيًا، بل ذهب باتجاه الفريق الآخر، ولذلك كانت رسائل الحزب الإعلامية إلى عون سلبية، وإن جرى تغليفها بتحميل المسؤولية لجبران باسيل، إلا أنها كانت تستهدف رئيس الجمهورية مباشرة». وتابع أن «اجتماع الوزير باسيل أخيرًا مع (مسؤول وحدة الأمن والارتباط في تنظيم ما يسمّى حزب الله) وفيق صفا، جاء لتبديد هواجس الحزب، وهو سارع مجددًا إلى فتح خطوط التواصل مع حلفاء الحزب»، عادّا أن عون «خضع لخيارات (حزب الله)، وهو أبلغه أنه لا يمكنه الخروج من دائرة التحالف الاستراتيجي معه، كما صارحه بامتعاضه من اتفاقه مع (القوات اللبنانية) وتيار (المستقبل) الذي ينحو باتجاه التحالف الواسع سياسيًا وربما انتخابيًا، بينما المطلوب ألا تتعدى العلاقة معهما التواصل التكتيكي وليس التحالف الاستراتيجي».
ولا يشك الدكتور الهندي ولو للحظة واحدة بأن «الحكومة العتيدة ستكون تحت ظلال (حزب الله) القوي إلى حين، وهذا ما يسمح به ميزان القوى، وإلا نكون أمام رئيس للجمهورية بلا حكومة، كما كنا مع حكومة بلا رئيس للجمهورية». ويشدد على أنه «إذا ذهبت الأمور في الاتجاه السلبي وبقي لبنان بلا حكومة، فعندها سنذهب إلى التمديد للمجلس النيابي، وهنا يكون عون خالف سياسته العامة، ونصبح أمام تمديد ثالث لبرلمان لا يعترف عون بشرعيته، وهذا سيكون أكبر إحراج له في بداية عهده الذي يرفع فيه شعار الإصلاح ومحاربة الفساد».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.