مصادر فرنسية: أربعة تحديات أمام «النواة الصلبة» في باريس اليوم

ترفض تطبيق «استراتيجية غروزني» في سوريا وتعتبر إعادة الإعمار وسيلة ضغط على موسكو والنظام وداعميه

مصادر فرنسية: أربعة تحديات أمام «النواة الصلبة» في باريس اليوم
TT

مصادر فرنسية: أربعة تحديات أمام «النواة الصلبة» في باريس اليوم

مصادر فرنسية: أربعة تحديات أمام «النواة الصلبة» في باريس اليوم

تستضيف العاصمة الفرنسية باريس اليوم اجتماعا لمجموعة «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية غرضه إعادة تحريك الأسرة الدولية من أجل «استعادة المبادرة» والبحث عن خطة معينة لمواجهة ما يسميه وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت «استراتيجية الحرب الشاملة» التي يطبقها النظام بدعم ومشاركة روسيا وإيران والميليشيات الرديفة. ويحضر الاجتماع وزراء خارجية وممثلون عن عشر دول، هي خمس دول غربية (فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا)، وخمس دول إقليمية هي المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن. يضاف إليهما «وزيرة» الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات (معارضة) رياض حجاب.
ينعقد الاجتماع الذي تتشارك في رئاسته فرنسا وألمانيا وقطر في ظل أوضاع ميدانية بالغة السوء بالنسبة للمعارضة السورية التي خسرت العديد من المناطق، وهي على وشك خسارة مواقعها في الأحياء الشرقية لمدينة حلب. ووصفت مصادر دبلوماسية فرنسية في معرض تقديمها للاجتماع الفترة الراهنة بالـ«حرجة؛ بسبب ضعف المعارضة العسكري، ما من شأنه أن ينعكس على جناحها السياسي»، الذي كان يفاوض في جنيف. غير أن الواضح أن العشرة المجتمعين في باريس «لا يملكون أوراق ضغط فاعلة» على الطرف الروسي - أو الإيراني - وفق تعبير مصدر دبلوماسي آخر تحدثت إليه «الشرق الأوسط». وبالتالي، فإن جل ما يستطيعون القيام به هو «الضغوط السياسية» لحمل موسكو على التعاون. لكن يبدو أن هناك أطرافا غربية لا تزال تؤمن بفائدة ممارسة الضغوط على موسكو رغم كون الأخيرة أجهضت في مجلس الأمن 6 مشاريع قرارات خاصة بسوريا، كما أنها تتبنى كل طروحات النظام، وخصوصا في موضوع حلب، لجهة مطالبتها بخروج «جميع المقاتلين» وليس فقط أفراد «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا). وتمثل ممارسة الضغوط السياسية على موسكو وإبراز عزلتها - كما اتضحت في مجلس الأمن الدولي في العديد من المرات - أهم أهداف اجتماع العاصمة الفرنسية اليوم.
خمسة تحديات
ترى باريس أن خمسة تحديات يتعين على الوزراء المجتمعين أن يتصدوا لها. ويتمثل التحدي الأول في الملف الميداني والإنساني في حلب لجهة كيفية التعاطي مع «احتمال حصول مذبحة كبرى» بانت بعض خيوطها بعد المعلومات عن احتجاز المئات من الفارين من أحياء حلب الشرقية. وتعتبر الجهة المنظمة للاجتماع أنه حتى الآن، «لا ضمانات في موضوع الخروج الآمن للمدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية». وبالمقابل، لا تتوافر رؤية واضحة بخصوص ما سيحصل للمقاتلين باعتبار أن المناقشات الجدية يفترض أن تحصل اليوم بين موظفين روس وأميركيين في جنيف.
وكان يفترض أن تحصل مناقشات مماثلة مساء الثلاثاء ويوم الأربعاء في جنيف، لكنها أجلت لأسباب غامضة. وتريد باريس، ومعها المؤتمرون الآخرون، «إعادة تحريك الضغوط» على موسكو وطهران في كل المحافل: مجلس الأمن (الملف الكيماوي)، الجمعية العامة (الهدنة والمساعدات الإنسانية) وجميع المنابر الممكنة أوروبيا ودوليا. ورغم «تصلب» موسكو، فإن باريس تلاحظ أنه عندما «تحرّك» الروس من مواقفهم الجامدة والمتشددة، كان ذلك بعد ضغوط دولية في مجلس الأمن أو في أمكنة أخرى.ويمثل ملف العودة إلى المفاوضات أحد التحديات التي سيبحثها العشرة اليوم رغم غيابه اليوم عن ساحة النقاش واحتلال الملف الإنساني الأولوية. وتعتبر المصادر الفرنسية أنه لو سقطت حلب وربح النظام عسكريا بدعم من روسيا وإيران والآخرين، فإن «الحرب لن تنتهي والاستقرار لن يعود ولن يستطيع النظام فرض سلطته مجددا» على سوريا.
وبحسب هذه المصادر، فإن «الوضع العسكري الميداني قد تغير في الشهور الأخيرة، لكن المعطيات الأساسية للوضع السياسي باقية» بمعنى أنه يتعين العودة إلى المفاوضات لتحقيق عملية الانتقال السياسي على قاعدة القرار الدولي رقم 2254. لكن صعوبة هذه المقاربة تكمن في أن النظام عندما كان ضعيفا رفض عملية الانتقال السياسي عارضا إنشاء حكومة موسعة تضم أشخاصا يقبلهم النظام. ولذا، سيكون من السذاجة اعتبار أن ما رفضه النظام أمس وهو ضعيف سيقبله اليوم وهو قوي ويشعر أنه على عتبة وضع اليد على كل ما يسمى «سوريا المفيدة» وحسم الحرب لصالحه.
رغم ذلك، سينكب المجتمعون في اجتماعهم الذي لن يربو على ثلاث ساعات - وسيحضر عن المعارضة رياض حجاب القسم الثاني منه - على إعادة التركيز على المبادئ الرئيسية المتضمنة في القرار 2254 وهو القرار الذي صوت عليه مجلس الأمن بالإجماع. فضلا عن ذلك، تضيف المصادر الفرنسية أن المعارضة المعتدلة الممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات هي الوحيدة التي تحمل «مشروعا متكاملا يوفر بديلا» للخروج من معادلة: إما «داعش» وإما النظام.
ورقة إعادة الإعمار
في غياب ورقة الضغط العسكري على النظام وحلفائه وصعوبة السير بعقوبات اقتصادية ومالية جديدة على موسكو وطهران، تبدو ورقة «إعادة إعمار سوريا» بمثابة ورقة الضغط «الرئيسية» على النظام وحلفائه التي تتوافر بين أيدي المجتمعين سواء كانوا غربيين أو إقليميين. بيد أن المصادر الدبلوماسية الفرنسية تتحفظ على من يسارع ويطلق النقاش بشأنها. لكن باريس تريد التوصل إلى تفاهم بين العشرة على موقف موحد قوامه أن «لا مشاركة في إعادة الإعمار من غير حل يقوم على عملية انتقال سياسي»؛ لأنها لا تريد أن تعمر ما دمره الأسد ولا تريد أن تكون شريكا في عملية كهذه ستمنع مئات الآلاف من المهجرين والنازحين من العودة إلى منازلهم. والواضح أن الدول المعنية متيقنة من أنه لا روسيا ولا إيران قادرتان على إعادة إعمار سوريا، وأن دول الخليج «لن تكافئ» النظام، ولذا لن يكون هناك من مفر من طلب المساعدة من الغربيين ومن الصناديق التي لهم القدرة في التأثير عليها.
وملخص «الرسالة» المشتركة للغربيين ولبلدان الخليج أن تطبيق ما تسميه المصادر الفرنسية «استراتيجية غروزني» القائمة على الضرب والتهديم، لا بل «سياسة الأرض المحروقة» قد تنجح ميدانيا لكنها لن تنجح سياسيا ولن تكافأ. ومن هذه الزاوية، تبدو ورقة إعادة الإعمار وسيلة ضغط مؤثرة لكنها ليست قادرة على تحويل مجرى الأحداث اليوم ميدانيا ولا سياسيا.
يبقى التحدي الرابع، وهو يتناول مصير معركة الرقة التي انزاحت الأضواء عنها في الأيام الأخيرة. ومشكلة الرقة «العاصمة السورية» لـ«داعش» مزدوجة: من هي القوى التي ستحررها وتدخل إليها؟ ومن هي الجهات التي ستتولى إدارتها؟ فمن جهة، يبدو أن هناك تفاهما يتناول استحالة أن تقوم وحدات حماية الشعب الكردية بإدارة هذه المدينة رغم أنها الطرف الأول الذي يقوم بجهود عسكرية لعزلها ومنعها من أن تكون ملجأ للهاربين من الموصل. ومن جهة ثانية، ستتساءل الأطراف المجتمعة عن كيفية «تخفيف» التوترات بين الأكراد القوة المقاتلة، والأتراك والسوريين من غير الأكراد الذين يتعين تمكينهم من الوصول إلى الرقة، وهي أمور بالغة التعقيد بسبب النزاعات الداخلية بين الجهات المختلفة لا بل إن هذه التساؤلات «لا أجوبة عليها» بحسب ما تعترف به المصادر الفرنسية.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.