ربيع كيروز يدخل المتحف الوطني من خلال أوشحة حريرية من تصميمه

حملت رسوما فينيقية لتمثّل لبنان التراث

المصمم اللبناني يعرض الوشاح الفينيقي الذي صمّمه وإلى جانبه لمى سلم ومنى الهراوي («الشرق الأوسط»)
المصمم اللبناني يعرض الوشاح الفينيقي الذي صمّمه وإلى جانبه لمى سلم ومنى الهراوي («الشرق الأوسط»)
TT

ربيع كيروز يدخل المتحف الوطني من خلال أوشحة حريرية من تصميمه

المصمم اللبناني يعرض الوشاح الفينيقي الذي صمّمه وإلى جانبه لمى سلم ومنى الهراوي («الشرق الأوسط»)
المصمم اللبناني يعرض الوشاح الفينيقي الذي صمّمه وإلى جانبه لمى سلم ومنى الهراوي («الشرق الأوسط»)

دخل المصمم ربيع كيروز المتحف الوطني اللبناني من بابه العريض، من خلال أوشحة حريرية من تصميمه. وتأتي هذه المجموعة الخاصة بهذا الموقع السياحي كمنتج جديد ينضم إلى لائحة التصاميم التراثية التي تباع في بوتيك المتحف اللبناني التي سبق وشاركت فيها أسماء لامعة في مجال التصميم والابتكار.
وأقيم بالمناسبة في دار ربيع كيروز للأزياء في منطقة الصيفي (الأشرفية)، حفل حضرته رئيسة المؤسسة الوطنية للتراث منى الهراوي (زوجة الرئيس الراحل إلياس الهراوي) ومديرة «بوتيك المتحف» لمى سلام (زوجة رئيس الوزراء تمام سلام)، إضافة إلى عدد من أهل الصحافة الذين دعوا خصيصا لتغطية هذا الحدث.
وتألّفت مجموعة تصاميم ربيع كيروز من الأوشحة الحريرية (فولار) من ثلاثة ألوان: الأحمر والزهري والأزرق، على أن يتم تبديلها بين موسم وآخر، ولتطبع على أقمشة قطنية في موسم الصيف المقبل. وتألّفت الرسوم التي غطّت تلك الأوشحة من صور تمثّل الإنسان الفينيقي المعروف عالميا الذي قدّمه ربيع كيروز في أشكال مختلفة. «لقد آثرت استخدام الإنسان الفينيقي في رسوماتي هذه، لأنه يحمل دلالة مباشرة إلى تراثنا وتاريخنا اللبناني منذ أزمان» يوضح المصمم اللبناني في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويؤكّد أنه حفظ مقتنيات متحفنا الوطني عن ظهر قلب وأنه وجد في شخصية الإنسان الفينيقي أفضل ما يمكن أن يدلّ على التصميم كرمز من لبنان. وأضاف: «لقد صممت ورسمت هذه الأوشحة في لبنان، ولكنها طبعت خارجه في مصنع يقوم بالمهمة نفسها لصالح دار هيرمس العالمية. أما فكرة تصميم وشاح ليكون من ضمن منتجات (بوتيك المتحف) فهي تعود لي لأني وجدتها خفيفة الوزن ولا ترّبك الشخص أو السائح في حال شرائه لها، كما أنه من ناحية ثانية يمكن الاحتفاظ به على مدى طويل كذكرى من لبنان». وعن كيفية تصوّره للإنسان الفينيقي على الشكل الذي قدّمه فيه أجاب: «رغبت في أن يظهر الفينيقي في شكل جديد تمثّله وهو يقوم بحركات رياضية كاليوغا والباليه وغيرهما بهدف التسلية، فبرأيي أن الفينيقيين ملّوا وهم يقفون كتماثيل أثرية من دون أي حركة منذ أمد طويل».
وأكد كيروز أن هذه الرسمة منوطة فقط بالمتحف الوطني اللبناني، ولا يسعنا شراء هذه الأوشحة (قياس 90X90سنتم) إلا من البوتيك الخاص فيه والواقعة في مبنى المتحف».
وتحمل هذه الأوشحة التي أعدت لتكون بمثابة طبعة محدودة، توقيع دار ربيع كيروز للأزياء مما يجعل المصمم اللبناني يسجّل اسمه مدى الحياة كواحد من ناشري التراث اللبناني في العالم اجمع. وعبّر المصمم اللبناني العالمي عن فخره لقيامه بهذه المهمة لا سيما أنه شغوف بمقتنيات المتحف الوطني اللبناني العريق ويحمل له الكثير من الحبّ في قلبه.
ورأت اللبنانية الأولى السابقة منى الهراوي أن اللجنة المسؤولة عن قسم التراث في بوتيك المتحف ارتأت هذه الفكرة كونها تشكّل رمزا من رموز لبنان عبر التاريخ من خلال الرسومات المطبوعة على الوشاح. وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هي فكرة تجسّد روح المتحف الوطني في لبنان مبتكرة من قبل المصمم ربيع كيروز». وأشارت إلى أن «بوتيك المتحف» الذي تأسس منذ عام 1995 يتمسّك بتجديد مقتنياته سنويا، وهي تتضمن ابتكارات لمصممين لبنانيين عدة برعوا في مجال المجوهرات والإنارة والقطع الخشبية وغيرها، إلا أن هذه الأوشحة تطال أناقة المرأة مباشرة التي في استطاعتها أن تحتفظ بهذا الإكسسوار في خزانتها لمدى طويل، وكذكرى عزيزة عليها تحملها من لبنان. وذكرت الهراوي أن المتحف الوطني سيفتح أبوابه مجانا أمام النساء في 13 الجاري من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء، ليتسنى لهن إلقاء نظرة عن قرب عن أهم الموجودات المبتكرة التي يضمّها «بوتيك المتحف» بين جدرانه. ومن بين المصممين اللبنانيين الذين سبق وشاركوا من خلال أعمال خاصة تباع في «بوتيك المتحف»، هانيا الريّس (إنارة) وندى زينة وناديا فرسون (حلى) وسيريل نجار (قطع أثاث).
وأشارت لمى سلام ومن خلال موقعها كمديرة «بوتيك المتحف» بأنها وفريق العمل يتمسّكون بتقديم الجديد دائما في البوتيك ليشكّل هديّة قيّمة يشتريها السائح عند زيارته لهذا الموقع الأثري. وتابعت في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تتنوع هدايا البوتيك لتشمل تصاميم تلائم مكاتب العمل والمنازل قام بها مبدعون من لبنان نفتخر في إيصال تصاميمهم إلى العالم أجمع. وعندما عرضنا على المصمم ربيع كيروز تزويدنا بفكرة جديدة لهذا الموسم من الأعياد، ارتأى علينا أن تكون (فولار) وقد أعجبنا بفكرته وتبنّيناها». وأضافت: «هذه الهدية قيّمة من ناحيتين أولا لأنها تمثّل روح المتحف الوطني وهي قيمة تراثية لمن تهدى إليه، وثانيا لأنها موقّعة من قبل أحد المصممين اللبنانيين العالميين ألا وهو ربيع كيروز فتحمل في طيّاتها أهمية فنيّة من مستوى رفيع. وهذا الأمر ينعكس إيجابا علينا كلبنانيين كوننا نعرض لمصمم معروف، لا سيما أننا نعير المصممين الأجانب والمشهورين اهتماما كبيرا، عندما تطالعنا أعمالهم خلال أسفارنا في الخارج فنتنافس على اقتنائها لأنها موقّعة من قبلهم». يذكر أن سعر هذا الوشاح الحريري يبلغ 120 دولارا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».