مهرجان مراكش يكرم المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو

قال إن الخوف من الموت دفعه لامتهان الإخراج السينمائي

المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو لحظة تكريمه في مهرجان مراكش للفيلم
المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو لحظة تكريمه في مهرجان مراكش للفيلم
TT

مهرجان مراكش يكرم المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو

المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو لحظة تكريمه في مهرجان مراكش للفيلم
المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو لحظة تكريمه في مهرجان مراكش للفيلم

جاءت أمسية التكريم الثانية، في ثالث أيام مهرجان مراكش للفيلم، بنكهة يابانية، حيث تم الاحتفاء بالمخرج وكاتب السيناريو والمنتج والممثل الياباني شينيا تسوكاموتو. ووقف على منصة التكريم، وفق ما تقتضيه طقوس وثقافة وعادة أهل الشرق الأقصى، بأدب ينم عن تواضع الكبار، وكلمات قليلة لشكر المنظمين، بشكل عام، والأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، بشكل خاص، على لطف الاحتفاء والتكريم، تنقل لحكمة ظلت تسكن شعب اليابان.
ولد شينيا تسوكاموتو في 1960، في شبويا، أحد أكثر أحياء طوكيو صخبًا. وفي هذا القطب المركزي للعاصمة، حيث تتفاقم المظاهر السلبية للحداثة، تشكلت رؤية تسوكاموتو للعالم، كما كتب عنه بنجامين توماس، في «قاموس السينما الآسيوية»: «حيث نكون مع (شعور بتجريد الذات أثارته الحياة الحضرية غير الشخصانية في قلب يابان مزدهر حضن الشاب شينيا الذي أسس سنة 1980 فرقة مسرحية مستقلة، هي (مسرح كبار البحارة الوحوش). ثم كان لانحلال الهوية، ولطبيعة العلاقات الإنسانية في مجتمع الحداثة، وللحاجة الملحة للتعبير بشكل من الأشكال الفنية القوية، أثره البالغ في حياة هذا المخرج الذي يعتبر أيضًا ممثلاً بارعًا».
بعد تجربة المسرح والتشخيص، انتقل شينيا إلى السينما، التي قاربها وهو طفل في سن الرابعة عشر، عندما وضع والده بين يديه كاميرا صغيرة. وفيلمه «تيتسو»، هو مثال واضح لأسلوب ينبني على تأنق طلائعي، يستغرق فيه تسوكاموتو وقتا طويلاً لتثبيت مادة حقيقية. من خلال «ثعبان من يونيو» (2002) و«حيوي» (2004)، أصبح المخرج واحدًا من أولئك الفنانين الذين يقنعون عندما يتحدثون عن أعمالهم كما يقنعون بأعمالهم نفسها.
يعتبر تسوكاموتو قائدًا حقيقيًا لأوركسترا متجانسة تؤلف عائلة سينمائية حقيقية تتشكل من مساعديه ومن ممثلين جميعهم على استعداد لموالاته من أجل تحقيق أكثر تخيلاته عجائبية، والتي تُستوحى من فن «خيال السيبربانك» لويليام جيبسون وبروس ستيرلينك وأفلام ديفيد لينش وديفيد كروننبرك. كما لا يتردد كثير من المخرجين الغربيين في استلهام المواهب المتعددة لهذا الكاتب والمخرج والممثل والمصور السينمائي والموضب والمدير الفني والمنتج العبقري.
هكذا، يستند تسوكاموتو، في بناء أعماله وتكريس تجربته، على حياة خاصة ورؤية للعالم يتنازعها انتماؤه إلى شرق غارق في التقاليد بقدر انخراطه في متاهات الحداثة وصخب الحياة وتسارع نمط عيشها وتشابك علاقاتها المجتمعية بين الأفراد والجماعات، مع قدرة على فرض التفاؤل، حيث يقول: «أنا إنسان متفائل جدًا؛ فأنا أعتبر الحياة جميلة ورائعة. لذلك فأنا لا أعرف لماذا أميل إلى الجانب السلبي في الإنسان».
يستعيد تسوكاموتو طفولته، عند كل حديث عن شعلة السينما، فيقول: «عندما كنت طفلاً كنت أخاف من الظلام، وحين يجيء وقت النوم، كان ينتابني شعور غريب بأني سأموت خلال الليل، كان صوت المنبه في الصباح الباكر بالنسبة لي بمثابة انعتاق. كوابيسي ومخاوفي كلها حاضرة في أفلامي، فقط أحاول أن أجعلها أكثر أهمية وأشاركها مع جمهوري، ربما لكي أتحرر فعلاً من هذا الخوف. قد يكون ذلك الخوف من الموت ما دفعني لامتهان الإخراج السينمائي».
كما لا يغيب الحديث عن المدينة التي رأى النور فيها، والتي تشكل فضاء أفلامه، فيقول: «بما أني كنت أعيش في طوكيو.. كان موضوع أعمالي، دائمًا، هو العلاقة بين المدينة والجنس البشري، بين التكنولوجيا والحيوان. هذه العلاقة بين المدينة والإنسان حاضرة بقوة في النصف الأول من مسيرتي الفنية، عندما كنت في الثلاثينات، من عمري. في الأربعينات، كبرت، وأصبحت أكثر نضجًا، كما صار لدي أطفال. وفيما كنت أعتقد، من قبل، أن المدينة تمثل عالمًا بأسره، بدأت أدرك، شيئًا فشيئًا، أن هناك طبيعة أرحب تحيط بهذه المدينة الصغيرة. فالمدينة عبارة عن علبة صغيرة من الخرسانة تحيط بها طبيعة كبرى».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».