«الشرق الأوسط» في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2: رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي: رأيي الدائم أننا مهرجان دولي بقلب عربي

قال إن الدنيا تتغير من حولنا وعلينا أن نستوعب المتغيرات ونواصل العمل

عبد الحميد جمعة يرافق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم  في دورة المهرجان الثامنة عام 2011 (غيتي)
عبد الحميد جمعة يرافق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دورة المهرجان الثامنة عام 2011 (غيتي)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2: رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي: رأيي الدائم أننا مهرجان دولي بقلب عربي

عبد الحميد جمعة يرافق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم  في دورة المهرجان الثامنة عام 2011 (غيتي)
عبد الحميد جمعة يرافق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دورة المهرجان الثامنة عام 2011 (غيتي)

رئاسة مهرجان سينمائي تعني أشياء كثيرة، تحدد لا سمات الشخصية فحسب، بل سمات المهرجان الذي يُقام تحت إدارته.
نعم هناك مسؤولون آخرون ينفّذون، ومجموعة كبيرة من المديرين والموظفين والمتطوعين يرسمون الخطوط الأولى والأخيرة وما بينها من مسؤوليات وأعمال، لكن الإدارة تنتهي بقمّـة يحتلها الرئيس (أي رئيس) وهي العماد التي ينجح فيها المهرجان (أي مهرجان) أو يخفق.
تتكاثر المهرجانات من حولنا وتتبدل وتتغير ثم تنحني لذلك التغيير أو لتلك الأزمة أو تعلو عليها وتتجاوزها، لكن تقدمها أو تأخرها أو بقاءها كما يعود على الرئيس الذي هو - كمخرج الفيلم - عليه أن يدير كل الشؤون معًا وإلا حُسب التقصير عليه حتى وإن كان نتاج موظف آخر.
عبد الحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي، شغر هذا المنصب منذ عشر سنوات، وذلك بعد عامين من اشتراكه بتأسيس هذا المهرجان سنة 2004، ورئاسته للمهرجان سنة 2006 لم تكن في غاية استمراريته فحسب، بل سعى نحو التطوير من العام الأول، وبقي التطوير هاجسه حتى اليوم.
خلق عبد الحميد جمعة بيئة سينمائية صحيحة لإدارة هذا الحدث السنوي. وفي حين التفت مديراه الإداري والفني إلى النواحي التنفيذية لكيفية إنجاز هذا المهرجان، فإن الطريق لهذا الإنجاز كان يحتاج لرئاسة تواجه المتغيرات والظروف وتبني على النجاحات السابقة من دون توقف.
ليس هناك وسيط بين الرئيس وبين الجوانب التي يتألف منها عمل المهرجان. هناك خيارات لمديريه يعتمدونها على ضوء الخطوط والخطوات التي شقها المهرجان لنفسه وهي تبدأ وتنتهي بعناية الرئيس الشديدة فالمسؤولية النهائية مسؤولية والتحدي ينبع من داخله ويصب عنده في نهاية المطاف.
غرفته ما زالت على حالها من العام الماضي. ابتسامته لا تفارقه. يدخل الموعد وهو يرنم أغنية ويبدو هادئًا كما لو أن بداية المهرجان ليست على بعد يوم (ينطلق يوم غد الأربعاء) بل ما زالت هناك أميال زمنية قبل الوصول إليه. والسؤال الأول ينطلق من مقابلتنا الأخيرة ونحن ما زلنا على مشارف دورة العام الماضي 2015.
* في العام الماضي، عندما أجرينا مثل هذا الحديث، أخبرتني أن التحدي الدائم هو كيف تنجزون دورة أفضل من الدورة السابقة. هل هناك سقف لهذا التحدي؟ أم هل يمكن القول ليس في الإمكان أفضل مما كان؟
- التحدي، قبل كل شيء بيننا وبين أنفسنا. وربما كلمة «تحد» جافة بعض الشيء، لأننا لسنا في مجال تحدي غيرنا. أفضل كلمة تطور، لأنه ما دام المهرجان موجودا وما دمنا موجودين فإن التطوّر أمر موجود. أي مدير عام، أي مسؤول وأي شخص في أي إدارة أو مؤسسة يشعر بأنه وصل إلى القمّة سيكون هذا هو اليوم الأول في انحداره. التطور كان وسيبقى موضوعنا الأساسي هنا في المهرجان، علمًا بأننا نتعامل مع ظروف إنتاج الأفلام التي لا علاقة لنا بها. لا نستطيع ضمان المستويات ذاتها لكننا نحاول جهودنا الدائمة في سبيل ذلك. نستقبل ما نعتقد أنه أفضل ما تم إنتاجه من أعمال لكن ليس في مقدور أي مهرجان الحفاظ على المستوى المتميز ذاته في كل عام.
* ماذا عن برمجة هذا العام بالنسبة لمهرجان دبي؟
- هذا العام أعتقد أن لدينا أفلامًا مهمة وجميلة من حول العالم ولدينا أسماء عربية وأسماء إماراتية كبيرة. أسمّـي المخرجين الإماراتيين والخليجيين عمومًا أبناء وبنات هذا المهرجان كونهم نشأوا تحت عباءة هذا المهرجان.
* هناك إضافات جديدة على أقسام المهرجان هذا العام...
- هناك إضافة مهمة هي أفلام «الواقع الافتراضي» التي هدفنا من خلالها لتقديم رؤية لسينما المستقبل.
* صحيح، لكن لأي مدى يستطيع المهرجان التوسع في استيعاب برامج جديدة لميزانية تقول أنت أنها محدودة في نهاية الأمر؟
- طبعًا ليست هناك ميزانية مفتوحة. لا أعتقد أن هذا ممكن، حتى بالنسبة لأصحاب المشاريع التي تكلف المليارات. لكن المهم هو كيف يواصل المهرجان أعماله بنجاح ضمن الميزانية المحددة له وعلى الرغم من أي من الظروف الطارئة. إدارة المهرجان عليها أن تكون مستعدة لكل طارئ ولكل حدث. الدنيا تتغير من حولنا، ونحن علينا أن نستوعب المتغيرات ونواصل العمل، بحسبة أن لقاء كل درهم نسترد ثلاثة دراهم من القيمة المعنوية للعمل.
* ما رأيك بالتطوّرات التقنية التي تحدث حاليًا في السينما العالمية؟
- أتذكر أول ما طلع الراديو..
* كان هذا قبل زماني..
- (ضاحكًا) أقصد تاريخيًا، كان هناك الراديو ثم التلفزيون ثم الفيديو والدي ڤي دي وفي كل مرّة يقولون هذه هي نهاية السينما. لكن السينما تتطور ولا تنتهي. التاريخ يقول إن السينما تستعصي أن تؤذى وأن الشاشة الكبيرة لا بديل لها وسوف تستمر. ما يحدث اليوم، هذا «الواقع الافتراضي» ينتمي إلى ما تشهده السينما من متغيرات إيجابية. ونحن، كمهرجان، نريد أن نكون في صلب هذه المتغيرات التي تقع. كل ما نريده هو أن نأتي بهذه التحديثات والتطورات التقنية لنقدمها إلى الجمهور ونكون في وسط هذا التطوّر. نريد من الجمهور أن يجرب هذا الواقع الافتراضي، وهو يحدث في شؤون أخرى غير السينما. الواقع الافتراضي يلعب دورًا في تطوير الاقتصاد والمجتمع والصحة.. نريد أن نشارك في تعريف الجمهور به والاستماع إلى ما ينتج عن كل ذلك من نقاش.
* خلال العام الحالي سافرت كثيرًا وشاهدت كثيرًا وحضرت أحداثًا ومهرجانات عدة. ما الذي استفدته أنت على الصعيد الشخصي؟ وكيف يضيف حضورك للفاعليات المختلة المهرجان؟
- أهم ما استفدت والمهرجان منه هو إدخال تقنية الواقع الافتراضي إلى صلب أقسام المهرجان عمومًا. كان اهتمامي في تورونتو وفي كان وفي مهرجان سيدني منصبا على برنامج «الواقع الافتراضي» وأهميته بالنسبة للسينما وللدورة الحالية من مهرجان دبي. الأمور الأخرى كانت إدارية. دائمًا ما أبحث عما يمكن تطبيقه لدينا وما لا يمكن تطبيقه. ليست كل فاعلية جيدة في الخارج تناسبنا. أنظر إلى كل التفاصيل لأنها تفاصيل مهمّـة.
* هل تتدخل في قرارات العاملين في مهرجان دبي؟
- لا أتدخل في القرارات، لكن في التوجيه العام. دائمًا ما أقول للشباب لا تقدموا على فعل ناقص غير متكامل. دائمًا اعملوا على استكمال تجربتكم قبل تقديمها. ابحثوا في التفاصيل وحاولوا أن تتجاوزوها قبل نقلها إلى حيز التفعيل.
* إذن ما هي ميزانية المهرجان؟
- لا أستطيع أن أقول لك ما هي..
* ميزانية المهرجان ليست سرًا..
- لا، ليست سرًا، لكن إذا أعلنت عن رقم فإن الصحافة سوف تركّـز عليها وتبدأ بالحديث المتواصل عنها كما لو كانت هي الأساس. أعتقد أن النشاطات الثقافية لا ثمن لها أو سعر. تعطي الصحافة رقمًا فتحاسبك عليه. إذا كان كبيرًا يكتب البعض أنه كبير وإذا كان صغيرًا تكتب أنه صغير. لكن أقول لك بكل صراحة ليس الرقم المهول الذي نشرته (15 مليون دولار) قبل أيام.
- (يضحك) ليس الرقم الذي ذكرته في مقالك الأخير. دعني أقل فقط إننا مرتاحون.. مرتاحون وندرك أن أمامنا عشر سنوات ثابتة. الوضع الثقافي حول العالم يعاني ونحن نحاول أن ندرأ عن المهرجان هذه المعاناة، بمعنى أننا نسعى دوما لتوظيف كل بند في الميزانية على النحو الذي يفيد المهرجان ويؤمن له الدور المناط به. تعلمنا عبر السنوات كيف يمكن لنا أن نتطوّر ونزيد من فاعلية المهرجان ضمن حدود ميزانيتنا.
* ماذا عن نجوم السينما هذه السنة؟ أعلم أن صامويل ل. جاكسون مدعو..
- هذا الموضوع يقع ضمن ما أتحدث عنه من القدرة على استيعاب الأفضل والأكثر من دون الخروج عن الميزانية. معظم أفلامنا هذا العام، نحو 95 في المائة منها، تحتوي على نجوم من الممثلين وأسماء كبيرة. هؤلاء آتون بأفلامهم. ليس من الضروري أفلام طويلة بل بأفلام قصيرة أيضًا. هناك تغير صوب فهم دور الفيلم القصير ليس فقط عند العرب بل أيضًا لدى الخليجيين. لديك شيء آخر. الكثير من الممثلين والممثلات موجودون أصلاً في الإمارات هذه الأيام لتصوير أفلام أو مسلسلات تلفزيونية أو أنهم يعيشون في دبي. هذا سبب وجود رقم كبير من النجوم الذين يشتركون في هذه الدورة.
* ما أهمية ذلك بالنسبة إليك؟ ما يعني بالنسبة للمهرجان؟
- كانوا يحاسبوننا سابقًا بدعوى أن الكثير من الممثلين والممثلات الذين حضروا دورات ماضية لم تكن لديهم أفلام ولا تكريمات بل تمّـت دعوتهم بسبب مكانتهم الفنية فقط. حسنًا، دعهم يأتوا. يقولون لك هؤلاء النجوم موجودون لأسباب سياحية.. ليكن. أنت تعلم أن 200 ألف ضيف يحلون في مهرجان «كان» معظمهم من الأسماء اللامعة. لا أحد يشكو من كثرتهم. تعلم أن معظمهم يقيمون في يخوت بعيدًا عن الشاطئ ولا يكترثون لفيلم واحد. لكن المهرجان سعيد بهم وبحضورهم كذلك الإعلام هناك.
* الصحافة تهتم بوجود الجمهور..
- طبعًا. ليس الصحافة فقط، بل الجمهور أيضًا. أقول دعهم يأتوا. هذا لا يضر بل يساعد على إتاحة الفرصة لهم للمشاركة ويساعد الجمهور والإعلام على الاهتمام بالمهرجان بسببهم. هذا حدث سابقًا. منذ 12 سنة ونحن نتحدّث عن «السوق السينمائي» والكثير من الأصوات والآراء كانت سلبية. اليوم «السوق السينمائي» صار حقيقة يهتم بها الجميع وتثير النقاشات عندنا. اهتمت به الصحافة وأصبح له وجود إعلامي يتوازى مع «السجادة الحمراء». أتمنى أن يكون للنجوم الذين يحضرون المهرجان أسباب إقامة مسبقة، لكن علينا أن نقدر حقيقة أن النجوم يمنحونك المردود الإعلامي الذي تبحث عنه.
* من بعد توقف مهرجانات أخرى في منطقة الخليج، كمهرجان «أبوظبي» وكمهرجان «الدوحة»، كيف ترى نتيجة ذلك التوقف بالنسبة للمهرجان، إيجابًا وسلبًا؟
- كنت دائمًا أقول إن مهرجان أبوظبي أو مهرجان الدوحة يساعد صانعي السينما الذين كان لديهم منصّات أخرى مساعدة لهم. مع كل احترامي لصانعي قرار إيقاف مهرجان أبوظبي، هم يعرفون استراتيجيتهم وما يريدون أكثر مني أنا. لكني أقول لك إن الكثيرين اعتقدوا أننا فرحنا لإيقاف هذين المهرجانين، لكن هذا ليس صحيحًا. لم يكن صحيحًا قبل ثلاث سنوات وليس صحيحًا اليوم.
* رغم ذلك، لا بد أن التحديات هي أكبر مما سبق. أقصد أن مهرجان دبي اليوم بات بالنسبة للسينما العربية المكان الكبير الوحيد الذي يتجهون إليه.
- صحيح. مثلاً من بين 2600 فيلم استعرضناه، كان علينا أن نختار 165 فيلما. هذا صعب على (المدير الفني) مسعود أمرالله والعاملين معه الاختيار. ونعتذر من على منصّـة صحيفة «الشرق الأوسط» لكل من لم نستطع أخذ فيلمه. ليس معنى ذلك أن فيلمه لم يكن جيدًا أو جديرًا، لكن هذه اختيارات لجنة تشاهد كمًا كبيرًا جدًا من الأفلام وعليها أن تنتقي. أحيانًا تُـوفّـق وأحيانًا لا تُـوفّـق. إذن غياب مهرجاني الدوحة وأبوظبي وقبله مهرجان دمشق أعطانا مسؤولية أكبر وأعطانا تحديا أكبر. وإن شاء الله نكون على قدر هذا التحدي.
* دائمًا ما وصفت مهرجان دبي بـ«بيت السينما العربية»، هل ما زلت تعتقد أنه بيت السينما العربية بالفعل؟
- هنا يمكن لي أن أذكر لك الأرقام: عندك مثلاً 63 فيلما في المسابقات الأربعة وهي المهر الطويل والمهر القصير والمهر الإماراتي والمهر الخليجي. عندنا 73 فيلما عربيا. عندك 16 فيلما خليجيا. عندك 13 فيلما من دولة الإمارات بينها ستة أفلام طويلة. لذلك أعتقد أن ما يميّـزنا، وكما أقول دائمًا، نحن مهرجان دولي بقلب عربي. نبضنا عربي وهمّـنا عربي. لديك علاوة على كل ذلك 11 فيلما من تلك التي ساعدناها في «إنجاز» ما يعني أن دائرة الأفلام تدور بالفعل. ننتج ونعرض ما أنتجناه. نعم. إذا كان هناك شيء يريحني عندما أسمعه هو أن مهرجان دبي السينمائي هو بيت الفيلم العربي. هذا بالفعل ما يعطيني الإحساس بأننا مشينا ولا نزال نمشي في الطريق الصحيح.
* ما الذي ستطرحه هذه الدورة لأهل السينما ما لم تطرحه من قبل؟
- ثلاثة أشياء تكون سلسلة واحدة: فيلم الافتتاح «مس سلون» الذي يتكلم عن واقعنا اليوم. هو عما يجري اليوم في كواليس واشنطن ما يترك تأثيره حول العالم. وهناك أفلام كثيرة تتطرق إلى الأحداث الحالية أو الواقع الذي تعيشه دول العالم على اختلاف تلك الأحداث. الشيء الثاني أفلام المستقبل وهي التي تحدثنا عنها، أفلام الواقع الافتراضي، والثالث أفلام الأخوين لوميير الأولى. جئنا بـ98 فيلما سيقدمها مدير عام مهرجان «كان» الذي سيزور مهرجاننا للمرّة الأولى. هذه هي الفرصة المتاحة لهواة السينما ولمحترفيها للتجوّل في الزمن سينمائيًا. كيف بدأت. أين هي اليوم وما هو مستقبلها. بذلك نقدم بانوراما للماضي والحاضر والمستقبل، وأنا فخور جدًا بذلك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».