فك السحر عن العالم... أم عودة الدين إلى الحياة العامة؟

الدين والسياسة عند مارسيل غوشيه

المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)
المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)
TT

فك السحر عن العالم... أم عودة الدين إلى الحياة العامة؟

المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)
المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)

شكلت النظريات الأكاديمية للعلمانية خريطة فكرية للعقل الغربي الحديث، وما زالت تشكل نسقا مهما في علم السياسة وسوسيولوجيا الدين، وعلم الاجتماع السياسي المعاصر. واستطاعت مختلف الأطروحات المقدمة في هذا الإطار، الإبقاء على صلابتها النظرية بفعل كوكبة من الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة الذين نظروا للعلمنة والمسار السياسي للدين في المجتمعات اليوم. ويعتبر مارسيل غوشيه واحدا من أبرز الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين، الذين دافعوا في اتجاه تقوية التنظير المعرفي الإبستمولوجي للعلمنة؛ حيث التحق بنظرية «نزع السحر على العالم»، التي ابتكرها ماكس فييبر، وإن كانت لها أصول في فلسفة نتشه حول الدين.
كانت ازدواجية تخصص الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه في الفلسفة والتاريخ، وعمله البحثي مديرا للدراسات بالمدرسة العليا للأبحاث في العلوم الاجتماعية، مركز ريمون آرون للأبحاث السياسية، وراء اهتمامه الشديد بالاعتقادين الديني والسياسي، والعلاقة الرابطة بينهما. ولقد استهل بحثه في هذا المجال بالدفاع عن أطروحة «فك السحر عن العالم: التاريخ السياسي للدين» في كتاب صدر له عام (1985)، وبعده ناقش جدلية «الدين في الديمقراطية» (1998). لينتقل بعد ذلك لمناقشات للنظرية السياسية في مؤلفه «الشرط السياسي» (2005)، وأخيرا «من أجل فلسفة سياسية للتربية» (2013).
ينطلق غوشيه، وهو يناقش الدين في عالم الحداثة، وتشكلها وتأثيرها على مصير وديناميات الدين، من منطلق أساسي يعتبر فيه أن زمن الحداثة الغربية، خصوصا الأوروبية هو زمن الخروج من الدين. غير أن فيلسوفنا الفرنسي المتأثر بالمدرسة البنيوية، يقول إن «هناك أصلاً مسيحيًا للحداثة، ذلك ما أؤمن به حقًّا، لكن الأصل ليس بالضرورة أن يكون المدخل إلى بيان مقترحات الحداثة». ولذلك؛ فإن العلمنة عند غوشيه ليست آيديولوجية ولدت من رحم الحداثة السياسية، وليست تمثلات كوسموبوليتية لفيلسوف معزول عن الواقع الأوروبي وتطور مجتمعاته في زمن صراعات الأصولية، وعودة الدين للفضاء العام الغربي نفسه.

لا قطيعة مع الإيمان
وتبعا لذلك، يرى غوشيه أن أطروحة «نزع السحر على العالم» وتهميش الدين والتحَاكُم للماضي تعني الخروج من الدين. وأن عملية النزع، لا تمثل قطيعة مع الإيمان بالله، و«لا تعني أن الناس باتوا لا يؤمنون بالله.
فهم لم يكونوا أقوياء الإيمان به من قبل في كل الأحوال!... إن إحدى أولى المؤشرات الصارخة على الدخول في الحداثة بصفتها خروجًا من الدين هي الإصلاح البروتستانتي الذي وُلِدَ رد فعل على ما عرف بالإصلاح الكاثوليكي». ففي زمن الإصلاح هذا تراجعت بشكل قوي هيمنة الدين على البناء والتنظيم المجتمعي، وبدأ عصر الفرد باعتباره «بنية جديدة» في المجتمع الغربي الحديث.
ولهذا؛ يدقق غوشيه قصده من فكرة الخروج من الدين بالقول: «هو خروج عن التنظيم الديني للعالم. لهذا السبب لم نفهم المجتمعات القديمة، حيث إنها كانت منظّمة دينيًّا وكانت تحدّد في الوقت نفسه نوع السلطة السائدة فيها، ونوع العلاقة بين الأفراد وشكل المجموعات... هذا البنيان الكامل هو الذي راح يتفكّك شيئا فشيئًا في مجهود استغرق خمسة قرون وصولاً إلى عصرنا. بموازاة الإصلاح الديني، ثمة حدث يبرز على أنه معاصر تمامًا: هو ظهور السياسة الحديثة الذي ولّد على مدى قرن كامل مفهوم الدولة الحديث. يمكنك إذن أن ترى كيف أن مسارًا سياسيا ومسارًا دينيًّا يغيّران معطيات الإيمان بشكل كلي..».
في هذا السياق الخطي للتاريخ، احتلت السياسة الجغرافية التنظيمية، والمعرفية التي كان الدين يسكنها، ويستمد منها قوته في المجال العام، وتشكيل وعي الإنسان. ومن ثم تجدد الوعي الاجتماعي بالتغير الحاصل، ونُزع الطابع اللاهوتي عن مسار التاريخي، ومعه سقط وهم التبعية الدينية. وانتقل الفرد والمجتمع إلى عصر عرف تحولا كبيرا للآيديولوجيا بتعبيراتها الجذرية والمعتدلة، خلال الثلاثين سنة الماضية؛ مما أدى بدوره إلى إدخال الدين في عالم الاستقلالية الديمقراطية المعاصرة.
يمكن القول إذن، إن هذا الواقع هو تعبير عن دينامية فلسفية وتاريخية، انتقل الإنسان من خلالها من عصر التفكك الاجتماعي والفوضى الفكرية إلى عصر الاستقلالية الفردية.
وهكذا نجد أنفسنا في عصر يتجه فيه المعتقد الديني ألا يكون سياسيا، فيما يتجه المعتقد السياسي ألا يكون دينيا؛ وهذا يدخلنا في عصر جديد من تاريخ الإنسانية، يتميز بحسب أطروحة مارسيل غوشيه بأربع خصائص أساسية، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: تراجع الدين في تكوين مؤسسات الدولة والمجتمع المعاصر.
ثانيا: خصخصة الدين، واحتلال البعد الفردي للدين مكانة الصدارة، أمام المعتقد الجماعي ودوره في الحياة العامة الأوروبية خاصة.
ثالثا: الفردانية الدينية، حيث أصبح الدين تفسيرا وممارسة، يخضع لنوع من التصور الفردي؛ بعيدا عن مفهوم الجماعة للدين الذي كان سائدا إلى حدود القرن التاسع عشر.
رابعا: الابتعاد عن الممارسة الدينية الكنسية، حيث ظهرت سلوكيات غير مؤسساتية للدين تؤمن بالنسبية الدينية، وتخرق النسق المعرفي الكنسي للدين. ويظهر ذلك في موجة الخروج الكبير عن نمط المنظومة الدينية، باعتبارها نسقا واحدا، وثابتا ولا يتحقق الإيمان إلا بالتبعية الدينية للكنيسة؛ إذ أثبتت الدراسات المتعددة في مختلف الدول الأوروبية، ازديادا مهما في نسبة المتدينين المخالفين للثقافة الدينية والسلوكية للكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية.

الأصوليون.. والعالم
غير أن هذا المسار التاريخي للدين والإيديولوجيات، لا يجب أن يفهم منه انهزام الدين في الواقع المعاصر.
فلا يزال المعتقد الديني يخط مساره دون أن يفقد مكانته الضمنية، في التفاعلات المجتمعية في زمن الحداثة والفردانية المُعلمنة. ومن المؤشرات القوية على ذلك عودة الدين للمجال العام بصيغ مختلفة؛ وكذلك ظهور موجات جديدة من الأصوليات الدينية المركبة، التي تختلف عن الدين التقليدي المعروف تاريخيا، من حيث المنطلقات المعرفية والأهداف السياسية للدين.
وهذا ما يشرحه غوشيه في حوار له مع الباحث ماتيو جيرو بالقولـ«ترى الأصوليين يستخدمون أسلحة العالم الحديث للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه.
وعند الاستيلاء على الأسلحة، نستولي كذلك على أنماط التفكير.... الأصوليون يدمّرون التديّن التقليدي الذي يزعمون أنهم يريدون استرجاعه. وهم بالفعل يُنظَر إليهم على هذا النحو. فكل من لديهم إيمان تقليدي حقيقي يكرهون الأصوليين ويعتبرونهم عدميين مجانين».
لكن عودة الدين في مجتمع الفردانية، وفي ظل الواقع المعقد للدولة الحديثة اليوم، يلعب لصالح الأصولية؛ فهذه الأخيرة تتمتع بنوع من الإغراء عند الجيل الجديد من الشباب الذي يعيش نزاعا بين الانتماء للذات الفردية والانتماء للجماعة المفككة بفعل الحداثة والعلمنة. هذا الوضع من الناحية السوسيولوجية يفسر انجذاب الشباب الفرنسي إلى الإرهاب تحت مظلة «داعش» ومقولاته عن «الجهاد» و«الخلافة».
ويقدم غوشيه طرحه التفسيري لهذه الإشكالية، بالانطلاق من وجود إيعاز اجتماعي جديد يدفع الفرد ويخاطبه بأن يكون «فردا».
لكن هناك واقعا أكثر تعقيدا مما نتصوره نظريا، يجعل من خيارات الاستقلالية الفردية عن الجماعة وتحقيق التطلعات أمر صعب؛ وتزداد الأمور صعوبة عن المهاجرين والشباب وغيرهم. «وفي هذا السياق، يمكن للأصولية الدينيّة أن تُغوي. إنها توفّر مدونة معايير يُلتزم بها، وجماعة يُرتبط بها، وتقليدا يُنخرط فيه، إلخ… أضف إلى ذلك، أن هؤلاء الشباب يعتبرون نذر أنفسهم لقضيتهم شيئا نبيلاً. إنهم يشعرون في أعماقهم بأنهم يتحولون إلى أشخاص جديرين بالتقدير، ويصبحون شخصيات معتبرة من خلال إنكار ذواتهم كأفراد وفقًا لمعاييرنا المعتادة».

الإرهاب والشباب
ولهذا؛ يجب التنبيه إلى الحل العملي لظاهرة الإرهاب في وسط الشباب، والذي يكمن في إيجاد سبل لتحقيق الفرد لذاته وسط مجتمع معقد التنظيم ومتعدد التفاعلات. فتحقيق الشباب لذواتهم كأفراد هي مسألة اجتماعية تواجه فرنسا، ولا بد من توفير وسائل تحقيق ذلك للجميع؛ و«هذا منوط بداية بالتفكير المتعمّق حول التعليم. فهذا ما تتوقّف عليه القدرة على الاستقلال الفردية. ولا يمكننا الاكتفاء بتوزيع بعض المال هنا وهناك، من خلال الدولة الاجتماعية، على هؤلاء الشّباب المهمش، ولا مندوحة من إيجاد حل لهذه المشكلة».
عموما يمكن القول إن أطروحة مارسيل غوشيه، تقدم مقاربة تاريخية وفلسفية نظرية لمسار الدين في الاجتماع الإنساني. وهي مقاربة وأطروحة ضمن أطروحات متضاربة، بعضها يعتبر الدين في تراجع مستمر، والبعض الآخر يستند إلى دراسات سوسيولوجية معاصرة تؤكد عودة الدين إلى المجال العام، وأنه أصبح يلعب دورا سياسيا في الدولة الحديثة، وفي العلاقات الدولية المعاصرة.
فعلى خلاف ما يطرحه غوشيه من تحليلات تزعم تراجع الدين في الحياة المعاصرة، يرى عالم الاجتماع الأشهر كليفورد غيرتز وكذلك طلال أسد، أن الدين لا يزال يلعب دورا مهما، من خلال قوة المسيحية المعاصر، سواءً من ناحية الرموز، أم من جهة النسق الاجتماعي والمعرفي الذي لا تزال قادرة على إنتاجه. ذلك أن عقلنة الفعل الاجتماعي، لم تتملص بالكامل من الثقافة الدينية، التي ظلت تسكن ضميره، رغم موجة العلمنة العاتية؛ لأن الدين انساق وراء السياقات القائمة وإعادة تشكيل ذاته.
في هذا السياق، يرى غيرتز أن الدائرة الدينية لها إمكانية تجسيد واقعية تمنحها لها الأنظمة الرمزية الدينية؛ ما يبقي الدين حيا في قضايا المجتمع الأساسية المتعلقة بالحق في الحياة وحقوق الإنسان، والحريات الفردية والعامة؛ وكل ذلك يجعل من الدين قضية سياسية، ومن السياسة تعبيرا عن تمثلات دينية أخلاقية في المجال العام للدولة الغربية المعاصرة.
* أستاذ العلوم السياسية
- جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».