الرئيس الفرنسي يدشن معرض «الحج» بمعهد العالم العربي في باريس

رئيس المعهد لـ («الشرق الأوسط») : صفحة جديدة فتحت بين فرنسا والسعودية.. وهولاند يريده جسرا بين الشرق والغرب

معهد العالم العربي في باريس ({الشرق الأوسط})
معهد العالم العربي في باريس ({الشرق الأوسط})
TT

الرئيس الفرنسي يدشن معرض «الحج» بمعهد العالم العربي في باريس

معهد العالم العربي في باريس ({الشرق الأوسط})
معهد العالم العربي في باريس ({الشرق الأوسط})

يدشن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، يوم الثلاثاء المقبل في معهد العالم العربي في باريس، معرضا كبيرا تحت عنوان «الحج». وسيدوم المعرض حتى العاشر من أغسطس (آب) المقبل. والمعرض ثمرة تعاون بين المعهد من جهة ومكتبة الملك عبد العزيز في الرياض من جهة أخرى، وبمشاركة المتحف البريطاني الذي استضاف من جهته عام 2012 حدثا قريبا من الحدث المنتظر الأسبوع المقبل. وهذه هي المرة الأولى التي يستضيف فيها المعهد أو أي مؤسسة ثقافية فرنسية معرضا حول هذا الموضوع.
وأمس زارت «الشرق الأوسط» المعهد، واطلعت على العمل الجاري فيه استعدادا ليوم الافتتاح، كما التقت رئيس المعهد وزير الثقافة الأسبق جاك لانغ، وأجرت معه حوارا مطولا حول ما يمثله المعرض بالنسبة للمعهد وبالنسبة لفرنسا، كما اطلعت من لانغ على أجندة الأحداث الثقافية المنتظرة من اليوم وحتى نهاية العام الحالي.

* ماذا يمثل بالنسبة إليك إطلاق معرض الحج من معهد العالم العربي في باريس؟
- لأول مرة في فرنسا يحصل حدث من هذا المستوى وحول هذا الموضوع. إنها سابقة. هذا المعرض ثمرة تعاون علمي كثيف بين المجلس العلمي لمكتبة الملك عبد العزيز ومعهد العالم العربي، بمواكبة من المتحف البريطاني. وهذا الإنجاز تم بفضل عمل اللجنة العلمية التي ترأست اجتماعاتها في العديد من المرات. ويتعين علي القول إن الجو العام تميز بالحرارة والجدية في العمل. هناك صداقة نشأت بين فريق المكتبة وفريق المعهد بحيث تحولت المجموعتان إلى فريق عمل واحد. المعرض إذن من هذه الزاوية إنتاج مشترك وإنجاز مشترك. إنها ثمرة عمل بلدينا (فرنسا والمملكة السعودية) ومؤسستينا (مكتبة الملك عبد العزيز والمعهد).
من جهة أخرى، يتعين أن أقول إنه من المهم بالنسبة للديانة الإسلامية ولأحد أهم أركانها (الحج) أن يقدما هنا في فرنسا. هذا أمر مهم تاريخيا وفكريا وثقافيا وفنيا. المعرض يتضمن بعض إنتاج الفن الحديث وتحديدا من السعودية. لكن أريد أن أذهب أبعد من ذلك وأن أغوص على المعاني العميقة: الديانة الإسلامية هي ثانية الديانات في فرنسا. إنها ديانة عالمية. ونحن نرى أنه من المهم أن يسهم المعهد في تعريف أفضل للإسلام ولأركانه وتقاليده. ثمة الكثير من الجهل والصور النمطية السائدة والأحكام المسبقة بين الديانات، ولذا يتعين على المعهد أن يقدم نفسه على أنه مؤسسة تضمن احترام المعتقدات والتعايش بينها وبين الشعوب.
* هل تريد أن تقول بذلك إن المعهد يسهم في الانسجام الوطني عبر تعميم المعرفة ومنها معرفة الإسلام؟
- تماما. نحن نعلم أن الجهل مصدر خلافات وسوء فهم وأحيانا يفضي ذلك إلى العنف. وعندما نسهم في تعميم المعرفة فإننا في الوقت عينه نجابه التعصب.
* إذن أنت تعتبر أن هذا المعرض يدخل في نطاق عمل المعهد؟
- نعم بالمعنى العام. نحن نعي أن المملكة السعودية هي مهد الإسلام والمكان الذي تتم فيه شعائر الحج. ثم إنها بلد عربي كبير وشقيق ونحن نسجنا معه وتحديدا منذ انتخاب الرئيس هولاند رئيسا للجمهورية (ربيع عام 2012) علاقات متينة وعميقة، ورافقت الرئيس في زيارة الدولة التي قام بها إلى الرياض وتبينت بنفسي إلى أي حد يرغب الصناعيون والمثقفون وأهل العلم ورجال الأعمال من الجانبين في إيجاد قنوات تعاون وتبادل في كل المجالات. ثمة صفحة جديدة قد فتحت من العلاقات بين الطرفين. وفي هذه الصفحة هناك جانب يتناول الثقافة بمفهومها الواسع ويتناول أيضا الجوانب الروحية. وفي كل الأحوال، أعتبر أن المعرض ليس سوى مرحلة أولى، إذ لا أخفيك أنني أطمح لأن نقيم يوما معرضا واسعا حول المواقع الأثرية في السعودية، أو أن نقيم معرضا عن الفن الحديث السعودي، لا بل أن نشارك نحن في مشاريع ثقافية أو فكرية أو تعليمية في السعودية نفسها.
منذ زمن ليس ببعيد طلبت منا إحدى المؤسسات في باريس أن نسهم في تصور إقامة حديقة في قلب العاصمة الرياض. وجاء هذا الطلب في مكانه وزمانه، إذ نحن بصدد دراسة إمكانية إقامة معرض حول الحدائق العربية. طموحنا كبير، ونريد أن نتنفس بملء الرئتين في ما نقوم به، وفي المشاريع التي يمكن أن نحققها.
* بالأمس (أول من أمس) أصدرت بيانا حول قيام الرئيس هولاند بتدشين المعرض وبمشاركة رسمية سعودية عالية المستوى.. ما هي دوافع الرئيس الفرنسي، وما الذي يمكن قوله حول رغبته هذه؟
- هذه أول مرة يقوم فيها الرئيس هولاند بزيارة بصفته الرسمية إلى المعهد منذ انتخابه قبل عامين. كنت بداية أفكر في دعوته لتدشين معرض «أورينت إكسبريس». لكنني اعتبرت أن من الأهم سياسيا وثقافيا وأخلاقيا أن يدشن برفقة كبار ممثلي المملكة السعودية معرض الحج، وبذلك يستطيع توصيل رسالة حول الأهمية التي يوليها لهذه الديانة الكبيرة (الإسلام) وحول رغبته في أن يكون المعهد بمثابة الجسر بين الغرب والشرق وتحديدا بين فرنسا والسعودية. ولذا فإن حضوره يحمل دلالات رمزية متعددة ويعكس رغبته في أن يوفر داخل فرنسا نفسها الاعتراف الكامل بالديانة الإسلامية وبموقعها التي هي كما ذكرت ثانية الديانات في بلدنا.
* حضور الرئيس يمكن أن ينظر إليه على أنه رغبة في تدعيم الوئام الاجتماعي في زمن تقوى فيه التيارات العنصرية ليس في فرنسا وإنما في كل أوروبا. هل هذا رأيك أيضا؟
- نعم هو كذلك. رأيي أن أحد أوجه ثروة فرنسا يكمن في تعدديتها. ولكي تكون هذه الثروة منتجة يتعين أن يسود الاحترام بين جميع المكونات.
* ما هو البعد السياسي لهذا الحدث على أصعدة العلاقات الثنائية مع السعودية ومع العالم العربي - الإسلامي؟
- ثمة الكثير مما يمكن قوله في هذا الصدد. أعتقد بداية أن المعرض سيثير اهتمام المسلمين وغير المسلمين. بالنسبة للمسلمين فإن هذه البادرة المهمة التي نقوم بها ستنفذ إلى قلوبهم مباشرة. ففي البلد الذي نحن فيه، يؤدي الكثيرون من مسلمي فرنسا فرض الحج. هناك معان رمزية ليس فقط للمعرض ولكن للتجاور الجغرافي القائم بين المعهد الذي يستضيف المعرض من جهة، وكاتدرائية نوتردام القائمة على بعد رمية حجر من هنا من جهة أخرى. وكم أنا سعيد أن أخبرك بأنني أنا من اختار هذا الموقع عندما كنت وزيرا للثقافة في عهد الرئيس ميتران. وأنا من اختار المهندس المعماري جان نوفل ليتولى تصميم هذا البناء الرائع. وها أنا اليوم أرأس هذا المعهد الذي رعيته قبل ثلاثين عاما.
خلاصتي أن المسلمين سيكونون سعداء بهذا المعرض. هم هنا في بيتهم. وهم في فرنسا في بلدهم، إذ إن الكثيرين منهم فرنسيو الجنسية، وحتى من هم ليسوا فرنسيين فإنهم مواطنو بلدان صديقة وهم يعاملون على هذا الأساس. أما بالنسبة لغير المسلمين فإن المعرض سيكون بمثابة رحلة استكشافية في عالم الإسلام وعالم الحج بكل جمالاته وروحانياته وبساطته. وحرصنا على أن نجمع العديد من الشهادات لمسلمين أدوا فريضة الحج لنقرب الزائر من هذا الحدث ومما يراه. ثم علينا ألا ننسى أن فرنسا ولأسباب تاريخية من أقدم البلدان التي لها حضور في السعودية عبر وفد من الأطباء العسكريين منذ القرن التاسع عشر.
* هل المعرض يمكن اعتباره أيضا وسيلة لمناهضة التطرف والعنصرية؟
- بالطبع. لكنني أريد أن أبقى إيجابيا. وبالنسبة إلي، ليس عندي أدنى شك في أن الحدث سيسهم في تهدئة الخواطر وفي إقامة انسجام أكبر بين الأديان والمعتقدات. يتعين على المعهد أن يكون مكانا للتأمل والإثراء والمعرفة والتهدئة والصفاء.
* ربما المعرض بادرة تجاه مجمل العالم العربي - الإسلامي. ولذا يمكن أن يكون حاملا لبعد سياسي..
- بالطبع. ولكن ليست هناك في ما نقوم به حسابات سياسية. موضوعيا، كان من الطبيعي والمرغوب به أن يخص المعهد فريضة الحج بما لها من مداليل واتساع بمعرض شامل يبين تطورها التاريخي ووضعها المعاصر. نحن نأمل أن يجتذب المعرض الكثير من الزائرين من العالم العربي بكل أصقاعه. وهؤلاء سيعاينون أن فرنسا وباريس على وجه الخصوص أرضا تعرف كيف تستقبل الوافدين إليها. هل لي أن أذكر أن علاقات فرنسا بالمشرق والعالم العربي قديمة جدا، وأن هناك اتفاقيات أبرمت بين الملك فرنسوا الأول والخلفاء العثمانيين تعود إلى مئات السنين؟
الأمانة تقتضي أن نقول إن العلاقات بين الشرق والغرب كانت غالبا علاقات مواجهة ومنازلة في ميادين القتال. ولكن كانت أيضا علاقات تعاون وتلاقح. هذه كانت وظيفة البحر الأبيض المتوسط. إذن نحن نرمي مما نقوم به اليوم إلى استعادة تقليد غارق في القدم. هل لي أن أذهب إلى حد القول إن باريس «عاصمة عربية»؟
* سمعت أنكم بصدد التحضير لمعرض تحت هذا العنوان.. هل هذا صحيح؟
- نعم. الفكرة مطروحة. ما يهمني أننا نسعى لإقامة حدث حول اللغة العربية. بالنسبة للعرب، العربية ترتدي أبعادا تتخطى ما تمثله اللغة الفرنسية لفرنسي. هي لغة ذات بعد علوي. هي غنية وجميلة وتعبر عن حضارة وثقافة. وفي هذا الخصوص أود أن أؤكد على رغبتي في تطوير تعليم اللغة العربية في المعهد، لا بل أسعى إلى إقامة معهد أو مؤسسة مخصصة لتعليم العربية، ليس هنا فقط بل في أماكن مختلفة وحتى خارج باريس، من أجل أن نعطي فرصة لمن يرغبون في تعلم العربية سواء أكانوا تلامذة أو كبارا في تحقيق رغبتهم.
* ما هي الخصائص التي يتميز بها المعرض؟
- المعرض اليوم كما تعلم بصدد التحضير. وكم أود أن تزوره بنفسك لترى ما نحن نقوم به.
غرض المعرض أن نرافق الحاج في كل مراحل تأديته مناسكه وتنقله بين المشاعر. وسنعرض العديد من القطع القديمة والأثرية ومنها الكسوة التي تغطي الكعبة. كذلك سنقدم قطعا فنية حديثة. ولن أريد الإطالة لأنني أرغب أن تكتشف بنفسك ما سنعرضه.
* ما هي أجندة المعارض المنتظرة حتى نهاية عام 2014؟
- هناك بالطبع معرض عن المغرب. وسيخصص المعرض ثلاثة أشهر للإبداعات المغربية المعاصرة. المغرب بلد غني وثري بإبداعاته. والجديد أننا سنعمل بالتعاون مع المؤسسات الثقافية في فرنسا وخارجها. ولذا في اليوم عينه الذي سيدشن فيه معرض المغرب المعاصر، سيقام في متحف اللوفر معرض المغرب في العصور الوسطى. ولدينا مشاريع مماثلة مع مركز جورج بومبيدو الثقافي ومع متحف الفنون الأولية (كيه برانلي). أرى أنه من المفيد أن نعمل يدا بيد خصوصا أنني أسهمت كوزير للثقافة في تطوير وإثراء هذه المؤسسات الثقافية الرائدة. نريد أن نجمع القوى لمزيد من المشاريع والإنجازات. ثم لدينا مشروع معرض عن «العرب والبحار» لعام 2015. العام الحالي نحن نقدم ثلاثة معارض كبرى: الحج، أورينت إكسبريس والمغرب.. وهذا لم يحصل أبدا في السابق في المعهد. ومن مشاريعنا أيضا أن نعيد إطلاق اهتمامنا بالسينما والاهتمام بالشعر العربي، فضلا عن إقامة العديد من المؤتمرات والمنتديات الثقافية والاقتصادية. نريد خصوصا أن نقدم صورة مشرقة عن العالم العربي وليس فقط الحروب والمآسي. هناك شبيبة عربية نشطة وفاعلة في كل القطاعات. ونريد أن نبين خلال ثلاثة أيام عددا من التجارب الناجحة في كل القطاعات. العالم العربي في مرحلة تطور وانطلاق. بالطبع هو يعيش أياما صعبة. ولكن نرى أن دور المعهد أن يبرز أن العالم العربي ليس فقط تاريخا مشرقا وعصرا ذهبيا للعلوم والآداب، لكنه أيضا مستقبل واعد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».