احتفالات رسمية وشعبية في المدن الإماراتية بالذكرى الخامسة والأربعين لليوم الوطني

عروض جوية وأعلام في كل المدن وحكام الإمارات يكررون صورة مؤسسي الاتحاد

حكام الإمارات في صورة جماعية تكرر مشهد المؤسسين عند توقيع وثيقة الاتحاد ( المكتب الإعلامي لحكومة دبي)
حكام الإمارات في صورة جماعية تكرر مشهد المؤسسين عند توقيع وثيقة الاتحاد ( المكتب الإعلامي لحكومة دبي)
TT

احتفالات رسمية وشعبية في المدن الإماراتية بالذكرى الخامسة والأربعين لليوم الوطني

حكام الإمارات في صورة جماعية تكرر مشهد المؤسسين عند توقيع وثيقة الاتحاد ( المكتب الإعلامي لحكومة دبي)
حكام الإمارات في صورة جماعية تكرر مشهد المؤسسين عند توقيع وثيقة الاتحاد ( المكتب الإعلامي لحكومة دبي)

تلون برج خليفة في دبي، أطول برج في العالم، أمس بألوان علم الإمارات، وتوزعت أعلام البلاد في كل المواقع الرئيسية بالمدن، ووزعت نحو 30 ألف علم وتشكيلات ضوئية في العاصمة أبوظبي، كما أقيمت فعالية رئيسية مساء أمس ضمن برنامج احتفال الإمارات باليوم الوطني.
وكانت المدن الإماراتية قد شهدت أمس احتفالات واسعة رسمية وشعبية بالذكرى الخامسة والأربعين لتأسيس البلاد، التي تصادف الثاني من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، حيث شهدت الاحتفالات اجتماع حكام الإمارات الحاليين في موقع دار الاتحاد الذي اجتمع فيه الآباء المؤسسون للبلاد.
ودشن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، متحف الاتحاد المقام بجانب دار الاتحاد الذي تم فيه توقيع وثيقة قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971.
والتقطت حكام الإمارات صورة تذكارية بجانب سارية العلم في تكرار لمشهد الصورة نفسها التي التقطت في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) عام 1971 لمؤسسي الاتحاد، وسط عرض جوي في سماء المنطقة.
ويعد «متحف الاتحاد» معلما يحكي القصة الكاملة لقيام اتحاد الإمارات ويسلط الضوء على الأحداث التي وقعت في الفترة من 1968 إلى عام 1974، مع طرح للسياق السياسي والاجتماعي الذي مر فيه الاتحاد من مرحلة الإمارات المنفردة حتى مرحلة الاتحاد وازدهار الدولة.
ويهدف المتحف إلى تأكيد القيمة للموقع الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس اتحاد الإمارات، وتحويله إلى مركز حضاري للتعرف إلى مراحل وتحديات تأسيس الاتحاد والإنجازات التي تحققت خلال مسيرته، وتوثيق المراحل التي مر بها مع التركيز على دور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، في وضع اللبنات الأولى لقيام الاتحاد. كما يهدف المتحف إلى تعريف الزوار بطبيعة حياة سكان الإمارات قبل قيام الاتحاد وتسليط الضوء على التنمية الشاملة، وأهم الإنجازات التي شهدتها دولة الإمارات خلال مسيرتها التنموية المباركة.
وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: إن رفع العلم الإماراتي في ذكرى قيام الاتحاد هو إحياء للحظة تاريخية غالية على كل إماراتي، تلك اللحظة التي توحدت فيها إرادة القيادة والشعب، وتلاقت على الوحدة بوعي وإيمان وإخلاص.
وأضاف في الكلمة التي وجهها بمناسبة رفع العلم في دار الاتحاد بدبي: «ونحن نرفع علم الإمارات في اليوم الوطني الخامس والأربعين نعلي ونجلّ رمز وحدتها الذي تهفو إليه قلوب أبناء الوطن وتتجمع حوله مشاعرهم وتتعلق به طموحاتهم، ونتذكر بكل وفاء وتقدير وعرفان القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه المؤسسين حكام الإمارات، الذين رفعوا هذا العلم لأول مرة على سارية دار الاتحاد في دبي في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) عام 1971».
وشهدت الاحتفالات عروضا متعددة؛ إذ أقامت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بالتعاون مع مكتب بعثة الاتحاد الأوروبي بالإمارات حفلا فنيا لفرقة أوركسترا شباب الاتحاد الأوروبي، حيث بدأ الحفل بعزف السلام الوطني للإمارات، تلاه تقديم الأوركسترا استعراضا موسيقيا احتفاليا.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)