«فندق الحمام».. ظهر صدفة في تركيا

يتسع لنحو ألفي طائر وأصحابه يأملون في تطويره إلى منشأة كبيرة

غرف الحمام بفندق الحمام
غرف الحمام بفندق الحمام
TT

«فندق الحمام».. ظهر صدفة في تركيا

غرف الحمام بفندق الحمام
غرف الحمام بفندق الحمام

اشتهرت في أنحاء العالم فنادق الكلاب والقطط التي تستضيف الحيوانات لانشغال أصحابها أو لسفرهم.. أما في تركيا فظهر للمرة الأولى فندق من نوع فريد مخصص لإقامة ورعاية الحمام.
الفكرة جاءت بمحض الصدفة وارتبطت بظروف خاصة لصاحبها مسلم بيهان، الذي كان يعمل طاهيا بأحد مطاعم بلدة سور التاريخية في ديار بكر (جنوب شرقي تركيا)، قبل أن تشهد اشتباكات عنيفة بين القوات العسكرية والأمنية في تركيا ومسلحين أكراد خلال الأشهر الماضية أدت إلى نزوح غالبية سكانها.
نزح بيهان عن بلدته ومعه طيور الحمام الذي يهوى تربيته، وكذلك نزح معه عدد من أصدقائه ممن يمارسون الهواية نفسها، ومن هنا جاءتهم فكرة جمع طيورهم في مكان والقيام على رعايتها فبدأوا باستئجار مكان خصصوه للحمام.
ومع الوقت اكتشف بيهان أن هناك كثيرا من رجال الأعمال والأطباء والمهندسين والموظفين في باغلار ممن يمارسون الهواية نفسها لكنهم لا يملكون الوقت الكافي لرعاية طيورهم، فبدأوا يتوافدون عليه لترك طيورهم لديه للعناية بها وقت انشغالهم. وزادت أعداد الطيور بشكل كبير ولذلك قرر بيهان مع أصحابه افتتاح فندق الحمام في أحد المباني التي استأجروها وجهزوا فيها غرفا مزودة بمكيفات للهواء وأقفاص خاصة وغرف علوية مؤقتة بعضها مزخرف برسوم على شكل زهور وأماكن لإطعام الطيور والعناية بها. وتم افتتاح الفندق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي رسميا تحت رعاية جمعية محبي الطيور الداجنة التي يرأسها محمد باتماز، وهو الشريك الأساسي في الفندق أيضا.
ويضم الفندق، الواقع في مبنى من 3 طوابق، نحو 30 غرفة تتسع لإقامة ألفي حمامة، وفي أعلى المبنى يوجد تراس نصف مغطى يتيح لأصحاب الحمام المقيمين في الفندق قضاء وقت مع طيورهم أثناء زياراتهم له. ويقول بيهان إن اختلاط الطيور من جهات كثيرة سمح بتوليد أنواع جديدة من الحمام غالية الثمن، يتراوح ثمن الواحد منها ما بين 3 آلاف و7 آلاف دولار. ويحصل الفندق على مبلغ يتراوح ما بين 150 و200 ليرة تركية (نحو 43 إلى 58 دولارا) في الشهر إيجارا من كل شخص يترك الحمام ليقوموا على رعايته.
وتتضمن هذه الأسعار الرعاية الطبية الدورية والطعام وأعمال النظافة الخاصة بالحمام. ويتردد مربو الحمام على الفندق لقاء وقت معه، ومنهم محمد أرمان، الذي يعمل موظفا ويربي الحمام منذ نحو 20 عاما، الذي يقول إنه يجد راحة وسعادة كبيرة وهو جالس إلى طيوره يقدم لها الطعام ويتابع حركاتها، وإن شغفه بالحمام يتطور كل يوم على الرغم من مرور هذه السنين، وإنه في الساعات التي يجلس فيها مع طيوره يشعر بالراحة والاسترخاء.
أما رئيس جمعية محبي الطيور الداجنة في ديار بكر محمد باتماز، فيشير إلى أن تربية الحمام حظيت بمزيد من الشعبية مع مرور السنين. وأن هناك كثيرا من محبي حمام ديار بكر لأن الأنواع الموجودة منه في ديار بكر مميزة، حيث إن بعض الطيور الفريدة بألوانها الكثيرة الجذابة لا توجد إلا في ديار بكر.
ويقول مسلم بيهان إن الفندق أصبح يجتذب كثيرا من محبي تربية الطيور الذين يأتون من مدن أخرى في تركيا لمشاهدة الأنواع المختلفة للحمام التي تقيم في هذا الفندق.
ويأمل في أن تساعدهم الحكومة بإعطاء مكان أوسع لأن المكان المخصص للطيور أثناء الزيارات التي يقوم بها أصحابها لا يكفي، لافتا إلى أنه وباقي مالكي الفندق يحلمون بإنشاء مشروع كبير لرعاية الحمام ويأملون في مساعدة الحكومة في إنجاز هذا المشروع لأنه سيخدم السياحة والاقتصاد أيضا في ديار بكر.
ويعد فندق الحمام أول منشأة متخصصة لرعاية نوع واحد من الطيور في تركيا، التي تشتهر بجنة مانياس للطيور التي افتتحت في باندرما في محافظة بالكسير (غرب تركيا) عام 1975 التي تحوى أنواعا كثيرة من الطيور وحاصلة على اعتماد دولي من الاتحاد الأوروبي وغيره من المنظمات الدولية وتحتوي على 266 نوعا من الطيور، على الأقل 64 نوعا منها تتكاثر سنويا.
كما يعبر مائتا نوع من الطيور المهاجرة هذه الجنة أثناء هجرة الطيور كل عام، وتوجد بها بحيرة تكثر بها أسماك الاستاكوزا التي تقوم تركيا بتصديرها منها وتجتذب جنة الطيور آلاف الزائرين في الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) من كل عام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».